أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
مفهوم «الكارما» بنسخته الإسلامية!!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 23.01.2021

«الكارما» كلمة سنسكريتية، وقد ذاع صيتها في السنوات الماضية وأصبح يستخدمها الكثير من العرب، فباتوا يلجؤون إلى كلمات غير عربية للتعبير عن مفاهيم موجودة أصلاً في صلب الإسلام وغيره من العقائد. وأعرف بعض الأشخاص العرب الملحدين الذين يؤمنون إيماناً عميقاً بمفهوم «الكارما» على الطريقة الهندية.
والكارما تعني العمل أو الفعل. وهي مفهوم أخلاقي في المعتقدات الهندوسية والبوذية واليانية والسيخية والطاوية. وحسب تعريف «ويكيبيديا» «يشير إلى مبدأ السببية حيث النوايا والأفعال الفردية تؤثر على مستقبل الفرد. حسن النية والعمل الخير يسهم في إيجاد الكارما الجيدة والسعادة في المستقبل، النية السيئة والفعل السيئ يسهم في إيجاد الكارما السيئة والمعاناة في المستقبل».
بعبارة أخرى، فإن «لفظ كارما يطلق على الأفعال التي يقوم بها الكائن الحي، والعواقب الأخلاقية الناتجة عنها. إن أي عملٍ، خيِّراً كان أو شّراً، وأي كان مصدره، فعل، قول أو مجرد فكرة، لا بد أن تترتب عنه عواقب، ما دام قد نَتَج عن وعي وإدراك مسبوق. وتأخذ هذه العواقب شكل ثمارٍ تنمو، وبمجرد أن تنضج تسقط على صاحبها، فيكون جزائُه إما الثواب أو العِقاب. قد تطول أو تقصر المدة التي تتطلبها عملية نضوج الثمار (أو عواقب الأعمال) فالكارما هي قانون الثواب والعقاب المزروع في باطن الإنسان».
وبالإضافة إلى مفهوم «الكارما» اعتقد كثيرون من العرب بعد أن قرأوا كتاب «السر» الشهير أنهم اكتشفوا اكتشافاً عظيماً ليس له مثيل. وتدور فكرة هذا الكتاب الذي لاقى رواجاً كبيراً قبل حوالي عقد ونصف من الزمن حول قانون الجاذبية المشابه جداً لقانون الكارما. ويصف «السر» «قانون الجذب كقانون طبيعي يحدد النظام الكامل للكون وحياتنا الشخصية من خلال عملية «جذب المشابه». هذا يعني، كلما فكرنا وشعرنا، يتم إرسال «تردد» خارج في الكون الذي يجذب إلينا الأحداث والظروف على ذلك نفس ذلك التردد. على سبيل المثال، عندما أفكر بأفكار غاضبة وأشعر بالغضب، ستجتذب الأحداث والظروف التي تسبب لك مزيداً من الغضب. على العكس من ذلك، إذا فكرت وشعرت بإيجابية، سوف تجتذب الأحداث والظروف الإيجابية. ويذكر «السر» أن النتائج المرغوب فيها مثل الصحة والثروة والسعادة يمكن أن تجتذب بمجرد تغيير الأفكار والمشاعر».
بعبارة أخرى، فإن كل شيء يحدث في حياتك فأنت من قمت بجذبه إلى نفسك وقد انجذب إليك عن طريق الصور التي احتفظت بها في عقلك أي ما تفكر فيه فأياً كان الشيء الذي يدور بعقلك فإنك تجذبه إليك.
إن الأشخاص الذين جذبوا الثروة استخدموا السر سواء بقصد منهم أو بغير قصد: فهم يفكرون في الثراء والرخاء ولا يسمحون لأية فكرة مناقضة لهذا أن تضرب بجذورها في عقولهم. إنهم لا يعرفون أي شيء سواء الثراء، ولهذا فإن أفكارهم المهيمنة حول الثروة هي ما تجلب لهم الثروة.
وتشبّه كاتبة «السر» الأفكار البشرية بترددات التلفزيون. فعندما تضع تردداً معيناً تظهر لك قنوات معينة أي أن الافكار الايجابية تجذب الترددات الايجابية والافكار السلبية تجذب الترددات السلبية، ففي التلفاز تجد أن هنالك أكثر من قناة تشترك في نفس التردد، كذلك في قانون الجذب تشترك عدد من الأشياء في نفس التردد، ففكرة إيجابية واحدة تجذب أكثر من شيء إيجابي كانوا في نفس تردد فكرتك وكذلك الأفكار السلبية.
بربكم لماذا هذا الانجذاب الأعمى وراء مفهوم «الكارما» الهندي ومفهوم «السر» لروندا بايرن، بينما لدينا في ثقافتنا الإسلامية وحتى الشعبية البسيطة ما يشبه قانون «الكارما» وقانون «السر» بحذافيرهما. يا ابن آدم افعل ما شئت، كما تدين تدان.
ويقول الله تعالى: (إنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ويضيف سبحانه: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًاً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّاً يَرَهُ). أليست هذه المقولة القرآنية تلخيصاً حرفياً لمفهوم «الكارما» الذي بات يستخدمه كثيرون في عالمنا العربي كما لو أنه قانون جديد، بينما هو من صلب العقيدة الإسلامية؟ أليس هناك حتى في الثقافة الشعبية قول مأثور: «وعلى نياتكم تُرزقون»؟ أليست هناك مقولات عديدة وردت في الأثر وكلها تلخص فحوى «الكارما»؟ (رِزْقُ‏ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ‏) (وَمَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ‏ زِيدَ فِي رِزْقِهِ) (مَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ‏ زَادَ اللَّهُ فِي رِزْقِهِ). باختصار: الجزاء من جنس العمل. أليس الثواب والعقاب أساس الأديان بشكل عام؟
أما كتاب «السر» الذي ظن البعض أنه فتح عظيم في العلوم الإنسانية والنفسية، فملخصه في الثقافة العربية والإسلامية في عبارة واحدة شهيرة جداً: «تفاءلوا بالخير تجدوه» وهي حقيقة واقعة، ووصفة مجربة.. «من تفاءل بالخير وجده، ومن سعى للسعادة حصلها، ومن عاش التشاؤم قتله، أو قتل بالهم عمره فضاع سدى وحسرة، والمرء يختار لنفسه، فكل من التفاؤل والتشاؤم فن يحسنه نوع من الناس، ويجلبه إلى نفسه وحياته، وينقله إلى من حوله». وسلامتكم.

1