أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
رشوةٌ للعرب!!
بقلم : سهيل كيوان ... 04.02.2021

تجري معركة الانتخابات الحالية في إسرائيل حول الفساد، أكثر من كونها انتخابات حول السياسة الإقليمية، وما يتعلق في القضية الفلسطينية، إذ يرفع المتظاهرون للأسبوع الثاني والثلاثين على التوالي، أمام مسكن رئيس الوزراء نتنياهو في القدس، وأمام بيته الخاص في قيساريا، وفي ساحات تل أبيب، شعارات تدعو إلى محاكمة الفاسد.
يتّهمه المتظاهرون بمحاولة التملّص من طائلة القانون، ومن دفع ثمن فساده في عدة قضايا، ويضيفون عليها سوء إدارة أزمة وباء كورونا، ويؤكدون على أن سياسته الاقتصادية وهي إغلاق المصالح من جهة، ثم دعمها من خلال الهِبات، ليست سوى رشوة، وأن هذه الأموال التي يوزعها اليوم بكَرم كبير، سيدفعها المواطنون خلال السنوات المقبلة من جيوبهم، وعلى حساب مستوى معيشتهم.
في هذه المعمعة، يحاول نتنياهو بكل ما أوتي من ذكاء وخداع، أن ينجو بنفسه من محاكمته في ملفات الفساد، التي تعني في حال إدانته في أي ملف منها، إلى نهاية سياسية مُخجلة. إلا أنه من اللافت في هذه الجولة بشكل خاص، ظهور عنصر جديد في حسابات نتنياهو رئيس حزب الليكود الحاكم، وهم الناخبون العرب، ولأول مرة يتوجّه قائد ليكودي إلى المواطنين العرب ويطالبهم بالتصويت مباشرة إلى حزب الليكود، وهذا التوجُّه يشير إلى عمق أزمته، أكثر مما يشير إلى احترامه لأصوات المواطنين العرب، فهو وليس غيره، مَن سن قانون القومية الذي يضع أصحاب هذه الأصوات في درجة ثانية مقابل اليهود، وهو الذي أنزل اللغة العربية من لغة رسمية، إلى «لغة ذات درجة خاصة» أي أنها باتت أقل من رسمية، فكيف يطلب أصوات من سعى بنفسه إلى تهميشهم أكثرمما هم مهمّشون، ورفع درجة العنصرية ضدهم لتصبح قانوناً انعكس وسوف ينعكس على مجمل حياتهم اليومية، وعلى مكانتهم السياسية في المستقبل؟ فتطبيقُ قانون يهودية الدولة، لن يكون إلا على حساب العرب، ويحمل في طيّاته حرمانهم من حقوق كثيرة، مثل الحرية في اختيار مكان السكن، حتى تصل إلى كونهم خطراً ديمغرافياً يجب التخلص منه أو التخفيف من حدِّته.
العنصرية ليست جديدة، في دولة قامت أصلا على مقولة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» وهي ممارسة لم تتوقف في الواقع منذ عام النكبة، ولم يكن الأمر بحاجة إلى قوننة، ولكنه أراد من خلال هذه القوانين ترك تراث لا ينافسه فيه أعتى قادة اليمين المتطرف، إضافة إلى سياسته في رفض أي حلول للقضية الفلسطينية، وحصر تفكيره في كيفية توسيع الاستيطان والضمّ، وتمزيق أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية ذات سيادة. يُركِّز نتنياهو هجومه على ممثلي القائمة المشتركة، ويُحرِّض ضدَّهم، ويزعم بأنهم منشغلون في القضية الفلسطينية ومهملون لقضايا المواطنين العرب الداخلية، كذلك يزعم بأنه أكثر من قدَّم ميزانيات للسلطات العربية لجسر الهوة بين اليهود والعرب، ويدّعي بأنه ليس ضد العرب، ولكنه ضد الأحزاب الرافضة للصهيونية، ولا تعترف بيهودية الدولة، أي أنه يريد من العرب موقفاً سياسياً صهيونياً ومتقبلا ليهودية الدولة، مقابل الميزانيات التي قدَّمها، وبغض النظر، ما إذا كان صحيحاً أو غير صحيح، أنه أكثر من منح الميزانيات للسلطات العربية، فما قدّمه أقل بكثير مما تحصل عليه السلطات اليهودية، وثانيا، هو لا يستطيع أن يطلب من أي بلدة يهودية أصواتاً مقابل ميزانيات، لأن الميزانيات هي حق من حقوق المواطنة وغير مرهونة بالموقف السياسي.
هذا المطلب بمقايضة الميزانيات بالموقف السياسي يعكس الموقف الحقيقي لنتنياهو، فهو لا ينظر إلى العرب كمواطنين، وإنَّما كمرتزقة، أَدفع لكم مقابل أصوات، وبصريح العبارة، أشتري ذمَمَكم بالمال. المواطن العربي العادي لن يتقبّل هذا التوجّه العنصري، خصوصاً وأنَّ يد عصابات الجريمة انطلقت بشكل غير مسبوق في المجتمع العربي، وباتت تهدّد كل بيت وأسرة، نتيجة لسياسة نتنياهو، فقد سعت الحكومات التي ترأسها إلى فرض معادلة جديدة، وهي تجنيد العرب إلى الشرطة أو الجيش والأذرع الأمنية المختلفة، مقابل محاربة عصابات الإجرام، وإلا فإهمالها، وتحويل حياة العرب إلى جحيم.
نتنياهو بدهائه وحنكته حطّم أحزاباً قادها جنرالات مثل بيني غانتس وبوغي ياعلون وغابي إشكنازي وغيرهم، وأي تصدّع داخلي بين العرب، لا يخدم سوى أهداف نتنياهو وسياسته الخبيثة التي يعرفها الجميع، ويجب أن لا يُخدع أحد بكلامه المعسول، والمطلوب ليس فقط عدم التصويت لحزبه العنصري، بل الرّد بكبرياء من خلال التمسّك بوحدتهم وقائمتهم المشتركة.

1