مهما كان عملك جيّداً، فهنالك عمل أجود وأفضل وأكثر متعة منه، ولسنا في حاجة إلى حكيم صيني ليخبرنا بأن السَّعيد هو من يعمل في هوايته.
كذلك الأمر، إذا كنت متذمِّراً من عملك فتذكر دائماً أن هناك من يعملون بما هو أسوأ وأقسى بكثير، وهناك من يذهب إلى عمله كأنَّه ذاهب إلى حبل المشنقة، وهناك من يذهب بالفعل إلى حبل المشنقة وليس مجازاً، فمهنته تنفيذ الإعدام شنقاً بالمحكومين.
أحد هؤلاء رحل قبل أسبوعين، وهو العشماوي المصري حسين قرني الذي نفّذ حكم الإعدام شنقاً في 1070 إنساناً مصرياً، وذلك خلال فترة عمله عشرين عاماً في الوظيفة، وكان قد تقاعد منذ العام 2011.
في أكثر من مقابلة أجريت معه في قنوات مصرية، تحدّث عن حالات بقيت عالقة في ذاكرته، إحداها لا تمحى كما قال، كانت نظرة سيّدة جميلة جداً فارعة القامة، وصف عينيها بعيون البقر، دعاء سمير الملقّبة بالبرنسيسة، حُكمت بالإعدام لأنها خانت زوجها ثم قطَّعت جثته بالتعاون مع عشيقها.
قال العشماوي إنه همس للبرنسيسة وهي واقفة على الطبلية التي ستزاح من تحت قدميها، بأنه مستعد أن يُعدم عشرين شخصاً مكانها لو استطاع أن يهرّبها، فابتسمت البرنسيسة، وما فتئت أن أزحيت الطبلية من تحت قدميها، تاركة حسرة في نفس العم حسين الذي لم يحل الإعدام بينه وبين جمال ذهب هباء، ونظرةٍ ظلت تلاحقه حتى آخر عمره.
مثير للتأمل كيف أن إعدام 1070 إنساناً لم يبق منه أثر في ذاكرة الرجل سوى ثلاثة مواقف، إحداها نظرة البرنسيسة، بل وراح يصف جمالها لمقدم البرنامج وللمشاهدين بمتعة كبيرة، كأنه يتحسَّر على فرصة أهدرها.
ما لا شك فيه أن هناك من يستحقون الإعدام على جرائم كبيرة ارتكبوها بحق أبرياء، جرائم قد لا يكون من المنصف أن يبقى مرتكبوها على قيد الحياة، ولكن ليس ثابتاً أن حكم الإعدام رادع للمجرمين الذين عادة ما تكون أرواحهم على أكفّهم، كذلك فإن الكثير من الجرائم الجنائية التي تؤدي إلى القتل تحصل في لحظتها دون تخطيط مسبق، ورغم ذلك توصل الفاعل إلى المشنقة.
مما لا شك فيه أن أحكام الإعدام تطال بعض الناس الذين لا يستحقون الموت على جرائمهم، بل وهنالك أبرياء تماماً جرى ويجري إعدامهم ظلماً، نتيجة حسابات سياسية في أنظمة كثيرة.
تذكَّر العشماوي حسين شُرَطياً شنقه كان قد قتل امرأة رمياً بالرّصاص خلال تنفيذ مهمة في مواجهة عصابة إجرام، شعر العشماوي ببراءة الشرطي وذرف عليه دمعة. كذلك أعجبته رجولة أحد المجرمين في ثباته حتى اللحظة الأخيرة، وحديثه في أمور دنيوية كأنه ليس ذاهباً إلى الموت بعد لحظات.
هنالك الكثير من القصص التراثية عن أبرياء حُكموا بالإعدام، إلا أن معجزة تحدث وتنقذهم في اللحظة الأخيرة، قد تتمثل بانقطاع حبل المشنقة، أو في وقوع حادث فجائي يوقف التنفيذ، مثل ظهور غير متوقع للمجرم الحقيقي واعترافه في اللحظة الأخيرة ثم تأتي متوالية من الاعترافات فيلغى الإعدام، وفي إحداها تنتهي بزواج سعيد، وهي قصة الشاب الذي دخل بيت حبيبته ليلاً وعندما ألقوا القبض عليه تظاهر بأنه أتى ليسرق، وذلك كي يستر على حبيبته، إلا أنها وقفت من بين الحشد الذي جاء لمشاهدة الإعدام، وأعلنت أنه لم يكن سارقاً بل جاء عاشقاً لها، ولكنه أراد سترها فزعم أنه سارق، الأمر الذي أنقذه، أما حاكم المدينة فأعجب بالفتاة والشاب وزوجهما وغمرهما بهداياه. في بعض الدول الإسلامية يستطيع ذوو القتيل أن يعفوا عن القاتل المحكوم عليه بالإعدام في اللحظة الأخيرة قبل التنفيذ.
في مصر خصوصاً، وفي العالم العربي عموماً، نُفذت وما زالت تنفذ أحكام إعدام كثيرة على خلفيات سياسية، وهذا ما يجعل الأحكام مشكوكاً في مصداقيتها.
عندما تكون الخلفية أو التهم الموجهة هي التحريض على التخريب والخيانة الوطنية ومحاولة قلب نظام الحكم والانتماء إلى تنظيم محظور وممارسة الإرهاب وغيرها من التُهم السياسية، فهي مشكوك في مصداقيتها.
في العام 2020 تصدَّرت الصين قائمة أعداد تنفيذ أحكام الإعدام، تلتها إيران ثم مصر ثم السعودية فالعراق.
لو بحثنا عن عدد من أعدموا في العالم العربي في القرن الأخير لوجدنا أن معظمهم أعدموا ظلماً، سواء بيد محتل أجنبي لأنهم قاوموه، أو على يد ابن البلد الذي استولى على السلطة بالقوة، وراح يعاقب بالإعدام سواء أولئك الذين انقلب عليهم أو أولئك الذين يعارضونه بقوة، ثم يلحق الدور بحلفائه إذا شك بنوايا أحدهم.
في هذا الشهر الفضيل نفذت أحكام إعدام في ستة عشر شخصاً ممن حكموا في قضية اقتحام مركز شرطة كرداسة عام 2014، أحد المعقبين على خبر تنفيذ الإعدام قال إنهم شنقوا شاباً كانوا قد اعتقلوه لأنهم لم يجدوا شقيقه المتورّط في القضية، ووصل عدد المحكومين بالإعدام في هذه القضية 183 شخصاً، بعضه نُفِّذ وبعضه لم ينفَّذ بعد.
الحملة ضد الإعدام في مصر والتي وقّع عليها عدد من المنظمات المصرية المهتمة بالحقوق الشخصية والحريات، دعت إلى التريُّث في تنفيذ أحكام الإعدام، وإجراء مناقشة جذرية حول الموضوع، وإذا ما كانت هذه الأحكام رادعة بالفعل، وذلك في ضوء توسّع العمل بهذه العقوبة في مصر، وطالبت بالشفافية الغائبة، وتجاوز القانون المصري نفسه، الذي ينص على إعلام ذوي المحكوم وحقِّهم في مقابلته في مكان غير مكان الإعدام، وحق محاميه في حضور التنفيذ، وحقِّه في لقاء رجل دين، وحق الأسرة في تسلّم الجثة بعد الإعلان عن إعدامه، فبعض من أعلن عن إعدامهم لم يُسلَّموا إلى ذويهم.
أكثر دول العالم توقفت عن عقوبة الإعدام، ولم يبق سوى القليل، ولكن عدم وجود قانون إعدام أو أنه موجود ولا يُعمل به في بعض الدول، لا يعني عدم تنفيذ إعدامات في الحقيقة، وأقرب مثال هو تنفيذ قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي إعدامات ميدانية ضد مقاومين فلسطينيين جرحى أو بعد إلقاء القبض عليهم، أو ضد مشبوهين بالنِّية على القيام بعمل مقاوم، أعدمتهم رغم إمكانية اعتقالهم، أو الإهمال الصحي المتعمّد الذي يضاهي الإعدام.
العشماوي ونظرة البِرنسيسة…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 06.05.2021