تزامنت في مطلع هذا الأسبوع عدة أحداث ذات علاقة مباشرة بالقضية الفلسطينية، أوَّلها استشهاد خمسة شبان فلسطينيين، وجرح جنديي احتلال يوم الأحد الأخير، في اشتباكات مسلحة في الضفة الغربية، وهذا يعني أنه طالما وُجد احتلال، فإن المقاومة لن تتوقَّف، بل يعيش في وهم كبير، من يظن أن المقاومة بكل أشكالها ستنقرض في يوم من الأيام قبل انتهاء الاحتلال. الحدث الثاني هو إطلاق سراح الأسيرة خالدة جرار عضو المجلس التشريعي الفلسطيني من سجون الاحتلال. إطلاق سراح خالدة جرار أعاد إلى الواجهة صورة المرأة الفلسطينية كشريكة على قدم المساواة مع الرجل في النضال الوطني التحرُّري.
عندما وصلت خالدة جرار إلى رام الله، توجهت بكبرياء إلى ضريح ابنتها سهى، التي توفيت في 12 تموز/ يوليو الماضي، وكان الاحتلال قد حرمها من وداعها، فقد أراد بغبائه وساديَّته كَسْرها، والنيل من مشاعر أمومتها تجاه فلذة كبدها، أراد القول إنه لن يتوانى عن القيام بأحقر الأعمال تجاه من يرفعون رؤوسهم ويتَحدِّون الاحتلال، فكان ردّ خالدة جرار بتأكيد الصمود، على الرغم من مرضها الشَّخصي، ورغم فقدانها لفلذة كبدها، وأعلنت بإنسانية عميقة وواعية بأنها تبكي وتتألم للفَقْد، فهذه طبيعتنا الإنسانية، لكن الحزن لا يعني الإنكسار، فأثبتت أن عزيمتها أقوى وأشدُّ أثراً من القيود والزنازين والقوة الغاشمة.
عاماً بعد عام تحوَّل نضال المرأة الفلسطينية من عمل أفراد وتنظيمات متفرِّقة، إلى نهج حياة يومي شعبي جارف، في جميع نواحي الحياة. المسؤوليات المنزلية إلى جانب الموقف من الأسرى والشهداء والمرضى، وجمع المحاصيل الزراعية ومواجهة المستوطنين، وحقول العِلم والتميُّز فيها، هكذا أصبحت المرأة الفلسطينية هي القوة الباعثة على الأمل والتفاؤل، فهي الأصل، وهي سرُّ الصمود. في حديث لها، قالت جرّار إن أكثر من دعمها وقوَّاها هو احتضان الأسيرات الأخريات لها، وحملة التضامن معها الذي وصلتها أخبارها في سجنها.
الحدَث الثالث هو عدم تطرُّق رئيس حكومة الاحتلال في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى القضية الفلسطينية، وهذا هو الأمر الطبيعي جداً، وهذا يُعبِّر عن موقفه الحقيقي، وموقف حكومات الاحتلال المتتالية، لكن موقفه شكَّل رسالة مهمة إلى الشعب الفلسطيني، وإلى قيادته، وإلى المهتمين بالشأن الفلسطيني من عرب وأجانب، بأن لا يتوقَّعوا دِبساً من قفا النِّمس، وأن الاحتلال وقح جداً، وليس مجرماً فقط، لدرجة أنه يسمح لنفسه بهذا التجاهل أمام أعلى هيئة دولية، وليس أمام المعنيين بالأمر سوى شحذ الهمم والكفاح الحقيقي، من خلال توحيد صفوفهم والترفُّع عن كل ما يشق وحدة صفِّهم، وتركيز الجهود في مواجهة احتلال مجرم سافك للدماء. لقد قال بينيت في تجاهله هذا، ما يعرفه كل فلسطيني وعربي وحر في هذا العالم، بأنه لا يوجد شريك للتفاوض معه، وأن الاحتلال لن يتراجع عن أحلامه، إلا إذا دفع ثمناً لن يستطيع تحمُّله، بحيث يتحول الاحتلال إلى عبء داخلي وخارجي. الحدث الرابع هو قرار حزب العُمَّال البريطاني في الدعوة إلى معاقبة الاحتلال، والاعتراف بدولة فلسطينية ورفض العنصرية، وهذه صفعة للصلف والتعنت الإسرائيلي، ممن كان سنداً قوياً للحركة الصهيونية وكان متفهماً ويبرِّر ممارساتها. حتى إن كان حزب العمال بعيدا عن السلطة في هذه المرحلة، لكن لا أحد ينكر تأثيره في سياسة بريطانيا والرأي العام فيها، ولا أحد يدري كيف ممكن لعجلة السُّلطة أن تدور في هذه الدولة الكبيرة ذات التأثير والوزن الدولي الكبير، إضافة إلى ارتفاع أصوات جديدة في الولايات المتحدة تطالب بالتحقُّق من الوجهة التي تذهب إليها أموال الضرائب التي يدفعها المواطن الأمريكي، وهي تساؤلات كانت محظورة في أمريكا حتى الأمس القريب! طبعا هناك تراكمات أوروبية ودولية لصالح قضية شعبنا، لا يمكن تجاهلها. هذه مؤشِّرات تقول إن المناخ العالمي والإقليمي والمحلي الذي خدم الحركة الصهيونية في مرحلة ما من التاريخ الحديث، أمسى في تراجع، وأنَّ مرحلة تمدّد الحركة الصهيونية وهيمنتها على مراكز القوة في كثير من المواقع الحاسمة في العالم، قد بدأت بالفرملة، وليس بعيداً اليوم الذي ستبدأ فيه مرحلة الجَزْر والانكفاء والتراجع في نفوذ وقوة هذه الحركة العنصرية. هذا بفضل صمود شعبنا وتضحياته قبل كل شيء، وفي الأساس بفضل صمود نساء فلسطين، والإلهام الذي يبعثنه في كل الساحات والميادين.
خالدة جرَّار وزراعة الأمل…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 30.09.2021