نتائج انتخابات طلاّب جامعة بيرزيت المتوقفة على امتداد سنتين بحجّة انتشار وباء الكورونا، والتي جرت يوم 18 أيّار وبعد مناظرة حاشدة يوم 17، لا تخلو من حدّة وصراخ، أعطت فوزا صريحا لكتلة حماس بالفوز ب28من أعضاء مجلس الطلبة، بينما حصلت كتلة فتح على 18و..قائمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على 5، ولم تفز الديمقراطية بأي مقعد، وحصلت على 173 صوتا وحزب الشعب على 73 .قائمة حماس نالت 5068 صوتا، وقائمة فتح 3979 وقائمة الشعبية 888، وهذه الأصوات تبرهن على الحجوم، وتعطي لقائمة حماس أن تشكّل مجلس الجامعة منفردة إذا شاءت، لأن المجلس يتكون من 51 ،وأتوقع من قبيل عدم احتكار القيادة أن تمنح قائمة حماس الشعبية موقعا في المجلس.
كانت عندنا منظمات شعبية، في حقبة بيروت، قبل الخروج بعد المعركة التي امتدت حوالي 80 يوما، وقبل التشتت إثر الخروج في السفن والتوزع على عدّة أقطار عربية في الشتات البعيد عن فلسطين وحدودها التي كانت قريبة، والانقسام الدامي الذي ثلم صورة وحضور منظمة التحرير، وعاثت أطراف عربية ولعبت بغرض وضع اليد على التوجه الفلسطيني( القرار الفلسطيني)...
في تونس التي استقرت بها قيادة فتح ومن انحاز لها تمت لملمة أشلاء الاتحادات الشعبية، وكنت أنا وبعض الزملاء قد بقينا في دمشق، وعانينا من حالة التمزّق، ومن الضغوطات، وبذلنا جهودا هائلة لإبقاء استقلالية الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين، وخضنا معركة قاسية في وجه الانقسام، وتعرضنا لما تعرضنا له من قهر واضطهاد وحصار..وأسهمنا باستعادة وحدة الاتحاد وأمانته العامة في مؤتمر الجزائر عام 1987 الذي كان مقدمة لاستعادة وحدة المنظمة بعد ستة أشهر..حتى الانقسام مجددا بسبب خيار أوسلو الكارثي.
الاتحادات والمنظمات الشعبية لعبت دورا هاما في مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها، وقد برزت اتحادات الطلاب، المرأة، العمال، المهندسين، و..الكتاب الفلسطينيين الذي عقد مؤتمره الأول على ثرى فلسطين في غزة عام 1966وانتخب أمانة عامة ورئيسا لها هو المترجم والأديب عصام حمّاد، وأمينا للسر هو الشاعر الكبير الأستاذ هارون هاشم رشيد.
في مرحلة ما بعد هزيمة حزيران 67 دُفع المؤسس الأستاذ أحمد الشقيري للاستقالة بناء على طلب سعودي من الملك فيصل-كما علمنا فيما بعد- والأكثر أهمية من طلب السعودية التي استغلت وضع مصر وحاجتها بعد هزيمة حزيران، كانت حاجة مصر الملّحة والقائد جمال عبد الناصر لإعادة بناء قوّة مصر العسكرية، وكانت المقاومة الفلسطينية قد بدأت عملياتها ضد الاحتلال، وأخذ الفدائي الفلسطيني في البروز، وتوجهت أنظار الأمة بجماهيرها للمقاومة التي رأت فيها الرد والبديل عن الأنظمة وجيوشها التي هُزمت..فتم التخلي عن الأستاذ الشقيري، والترحيب بمن برزوا في الميدان، واختير المحامي يحي حمودة بعد استقالة الأستاذ الشقيري الإضطرارية، و..جاءت مرحلة قيادة الفدائي ياسر عرفات..وبدأت مرحلة منظمات المقاومة بقيادة حركة فتح بشعبيتها الكاسحة.
هنا بدأت الاتحادات والمنظمات الشعبية في الانتشار والتوسع وامتلاك الثقل والحضور، لا سيما في مرحلة بيروت التي استمرت حتى الخروج من بيرت إلى الشتات القريب والبعيد.
كانت الاتحادات والمنظمات الشعبية تتشكل بالتوافق، و..بهيمنة فتح، التي كانت تحصل على51% ولا تكتفي، بل تدفع بمن تصفهم بالمستقلين، وتتفضل بمنح بعض الفصائل واحدا في قيادة أي اتحاد أو منظمة شعبية. أمّا الانتخابات فكانت تجري غالبا بقائمة موحدة بالاتفاقّ!
-3-
حاليا، ومنذ ما بعد ( أوسلو) الاتحادات مُعطّلة، وفاقدة للدور والفاعلية، وليس لها حضور، بما فيها الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين الذي تخلص من الوحدة السيامية مع الصحفيين، وهي وحدة مفتعلة بدأت منذ المؤتمر الأول في بيروت عام 1972، وذلك لتسهيل التزوير، فقد تم الدفع بمئات الأعضاء والعضوات بحجة أنهم إعلاميون، ومراسلون ميدانيون، ومصورون صحفيون، وبهذا تم إغراق العدد المحدود من الكتاب ببحر من وصفوا بالصحفيين.
في انتخابات طلبة الجامعات من الصعب التزوير، فمن غير الممكن أن ( يُحضروا) أشخاصا من خارج الجامعة ويدّعوا بأنهم طلاب وطالبات..ولهذا يكون الفوز بيّنا ودالاّ ومؤشّرا، وهو ما وقع في انتخابات جامعة بير زيت الطلاّبية.
حركة حماس متماسكة، فهي تنظيم عقائدي لا مجال فيه للخروج على قرارات التنظيم، بينما حركة فتح فيها اجتهادات وخلافات واتجاهات، وهذا تجلّى بعد(أوسلو) وما جرّه على شعبنا وقضيتنا.
حماس تضع يدها على قطاع غزّة بهيمنة مطلقة، مع إعطاء الفصائل بعض الفسحة لتمارس نشاطاتها المحسوبة، وهي تمسك بقطاع غزة ولا تتنازل عن سلطتها عليه لأنها ترى في ذلك مصيرها ومستقبلها، ومنطلقها للعالم..وورقتها القوية.
في غزة ورام الله سلطتان متنافستان متصارعتان، بدأ الانقسام بينهما منذ منتصف حزيران 2007 ، ورغم كل الوساطات والاجتماعات في القاهرة والدوحة والرياض وموسكو وبيروت و..فلم تتحقق الوحدة، ولن تتحقق. كتبت مرارا بأن الطرفين يكيدان ببعضهما، وكل طرف ينتظر نهاية الطرف الآخر، ويراهن على إنه سيكسب وسيستفرّد بقيادة الشعب الفلسطيني ويسود ويحظى بالاعتراف به ممثلا شرعيا وحيدا له الحق بالتصرّف بالقرار، ولأن هذا لن يتحقق لأي من الطرفين فإن مسيرة خسائرنا ستمتد..واأسفاه.
هنا أتوقف لأسأل: هل ستعتبر لجنة فتح المركزية من نتائج انتخابات جامعة بيرزيت؟
هل ستسأل نفسها بجدية عن أسباب فوز قائمة حماس ديمقراطيا بأصوات طلاب وطالبات الجامعة؟
قد يتساءلون، وقد لا يبالون، وقد يُرجعون الأمر إلى تقصير طلبة وطلاب فتح ومن معهم، وتقاعسهم عن الإدلاء بأصواتهم..ليس إلاّ!
هذا يعني أنهم سيقفزون عن الأسباب الحقيقية، وما تشير إليه نتائج انتخابات الطلبة والطالبات في جامعة بيرزيت، وهي بالتأكيد تشير إلى أن حماس باتت قويّة في الضفّة الفلسطينية، وأن لهذا أسبابا يجب قراءتها جيدا، ولعلّ في مقدمتها أفول حقبة أوسلو، وانقشاع غشاوة أوهام وعود سلام أوسلو بدولة فلسطينية..فالأرض تتقلص من تحت أقدام الفلسطينيين، ووحشية الاحتلال تتصاعد، والفلسطينيون وحدهم في ميدان معركة فلسطين الوجودية، و..ليس لهم إلاّ أن يقاوموا بكل ما يملكون من قوة حتى وهم وحدهم.
على فتح أن تقرأ الواقع جيداً بعيون مفتوحة، وأن تقيّم مسيرة أوسلو التي تستمر بالعقلية نفسها، وبانفصال عن معاناة الشعب الفلسطيني، وعن قواعد فتح، وبعضها طلاب في الجامعات، ومنها جامعة بيرزيت، والذين استنكفوا عن انتخاب مرشحي فتح، وهو موقف يجب أن لا يستخف به.
اتصلت بصديق في رام الله، وهو عضو مجلس مركزي ومجلس وطني ومستقل، أسأله عن رأيه بانتخابات جامعة بيرزيت، فأجابني بحزن: هناك من يتنمرون على الطلبة والأساتذة في الجامعة، وهؤلاء يتسببون بتوقيف الدراسة أحياناً من دون أن يعاقبهم أحد، ونصيحتي لهم: بالبلطجة لا تتحقق قيادة في الجامعة ولا خارجها.
نصيحة: اقرأوا نتائج انتخابات جامعة بيرزيت بواقعية وموضوعية، واخرجوا بنتائج تنفع شعبنا وقضيتنا، وتسهم في استعادة دور فتح القيادي ديمقراطياً، وكيف تتحقق الوحدة الوطنية بين القوى الفاعلة جميعها، وليس بلملمة أشخاص لا شأن لهم
نتائج انتخابات جامعة بيرزيت..هل تشير إلى تحولات؟!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 27.05.2022