بهدوء فتح باب السيارة وخرج من جوفها شاهرا سلاحه، وسدد إليهم فبعثرهم، وقد فاجأهم في موقعهم العسكري، هو الواحد المسلّح بمسدس عتيق، ثم انسحب..ومضى تاركا الجنود المدججين بالسلاح، المحصنين في موقعهم العسكري، المختالين بسلاحهم وكثرتهم وتحصينهم..واطمئنانهم إلى أنهم خارج أي خطر، فمن هو المجنون الذي سيلقي بنفسه في هذا الموقع العسكري الحصين بمسلحيه المدججين بكل ما يضمن تفوقهم؟!
لكن فلسطينيا خرج من جوف سيارة بعد أن طلب من السائق التوقف، وبلمح البصر شرع في إطلاق الرصاص من سلاحه..الذي توقف بعد 8رصاصات، وإلاّ كان عدد القتلى والجرحى سيتضاعف.
الشاب الفلسطيني لم يكن مدججا بالسلاح مثلهم، لكنه كان رشيقا..يتنقل خفيفا، وبدا كأنه يعزف عليهم برشاقة، و..يستمتع بأنه يثقبهم برصاص سلاحه المتواضع، ويلقنهم درسا كبيرا ليوقظهم من وهم زُرع في رؤوسهم، فهنا التفوّق لأبناء وبنات الأرض..على حاجز شعفاط، وقبله، وبعده.
هذا الشاب الفلسطيني يمضي على خطى من سبقوه، من اقتحموا شوارع تل ابيب، وضواحيها، وتسببوا باستنفار كل أجهزة الكيان، و..حرر كل واحد منهم تل أبيب لساعات، و..كانوا واحدا في كل مآثرهم، وهذا الواحد وهو يقتحم حصون وقلاع الصهاينة قصد أن يُذلهم جماعيا..فالفاعل المقتحم فرد، وهنا فوجئت الأجهزة المنفوخة بغرور ما لديها من أسلحة، وأدوات تصنت، وتصوير، وطائرات تجسس..و..أجهزة ملاحقة..ولعلها، وبعد ساعات، عندما صدمها الواحد الفلسطيني الذي ضرب من قبل في تل ابيب..وأذلها..وتركها لساعات دائخة..أُصيبت بحالة خزي، وصعقها السؤال: كيف لشاب فلسطيني أن يقتحم وحده ( مدينتنا) الغاصة بكل ما هو عدو للفلسطينيين؟!
ومن جديد يسألون: كيف لفلسطيني واحد أن يصل إلى الحاجز( المحسوم) في مدخل شعفاط بسيارة عمومي..ويهبط منها بهدوء وفي صدره سرّه ..وينقّض على جنودنا الذين يُطاردون و..يطلقون الرصاص كيفما شاءوا..ولا يخشى من جنودنا..ويرديهم برصاص مسدسه العتيق..ثم ينسحب ويتركهم ينزفون..ويرتجفون هلعا..من أين لواحد كل هذه الشجاعة في مواجهة جيش الدفاع؟!
أولئك الجنود ربما يكونون من طاردوا الطفل الفلسطيني ( رايان) إبن ال8سنوات..حتى قطعوا نفسه..فسقط ميتا..وأضافوا لحيشهم مأثرة انتصار على طفل فلسطيني آخر؟
هذه شجاعتهم الموصوفة، والتي أورثتها لهم جدتهم غولدا مائير التي أطلقت مقولتها قبل سنوات بعيدة: أنا لا يأتيني النوم عندما يخطر ببالي أن طفلاً فلسطينيا يولد في هذه الساعة..يا للعجوز الصهيونية! هذه هي الشجاعة التي أورثتها لجنودها..فمارسوها مطاردة وقتلاً لتلاميذ يحملون دفاترهم ويتوجهون للتعلم في مدارسهم وهم ينشدون:
موطني موطني
الجلال والجمال
والسناء والبهاء
في رباك
الفلسطيني المقتحم لمدن ارتجلها العدو،ومحاسيمه،ومصفحاته، لا يسعى لإبهار جيش العدو بشجاعته..لا، إنه يقدم نموذج البطل الفلسطيني المُحرّر..والمتكرر، فهو ليس بطلاً نادرا، ولذا تراه يضرب في المدن المحصنة، وعلى الحواجز المحصنة، وفي الدبابات والمصفحات المحصنة..ويستشهد فيخرج بطل آخر لهم، ويكرر الفعل فيصعقهم..ويفاقم شكّهم بدوام كيانهم الذي لن يدوم.
شجاعة العربي الفلسطيني في غنى عن تقديم البرهان على جدارتها، فهي موروثة منذ كان الأجداد يصعدون إلى قمم جبال فلسطين، ويجندلون جنود الاحتلال البريطاني..والصهاينة المتلطين بهم..وكانت نساء فلسطين، أمهات، وزوجات..وبنات..يودعنهم بالزغاريد، وعبارات الرضى والفخر.
وهذا ما يتكرر منذ مائة عام ونيّف..وسيتواصل حتى تعود فلسطين عربيّة من نهرها لبحرها...
شعب فلسطين شجاع تاريخيا، وشاعته صقلتها بطولاته، وحبه لفلسطين، و..تراثه في هزيمة أعدائه، منذ الفرنجة والمغول و..حتى الاحتلال الإنقليزي..والصهيوني.
قبل أربعة أيام ولد طفل فلسطيني في بلد أوربي بعيد..فماذا أسماه والده وأمه؟ رايان..أي والله..وعندما يكبر شبرا، و..ويذهب للمدرسة سعرفانه أنه رايان فلسطيني..وأنه سيثأر..وسيعود إلى فلسطين.
أطفالنا، حيثما ولدوا، يورثون جيناتهم لمن يأتون بعدهم، وهي جينات فلسطين و..حريتها، وبها يواصلون مسيرة التحرير مهما جوبهوا بالعوائق والمؤامرات و..تكالب قوى الاحتلال والخيانة والتطبيع المتصهين.
شعبنا لا يحتاج للبرهنة على شجاعته!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 15.10.2022