أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الفلسطينيون يقاتلون بجزء من قدرتهم فمتى تستيقظ الأمة؟!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 26.10.2022

هناك إعجاب وتقدير للبطولة الفلسطينية، والتضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني في ميادين المواجهة والتصدّي والتحدّي للحرب التي يشنها الكيان الصهيوني، ومن خلفه الحركة الصهيونية بما تملكه من قدرات وطاقات سياسية، وديبلوماسية، ومالية، وتخريبية، وشرائية لدول وحكام وقادة وشخصيات بارزة على كافة الصعد.
منذ بدأت الغزوة الصهيونية بالترافق مع الاحتلال البريطاني لفلسطين، والانتداب البريطاني بقرار من عصبة الأمم التي كانت بريطانيا أهم دولها المُشكّلة لها بعد الحرب العالمية الأولى، وأكبر قوّة كإمبراطوريّة عسكرية مهيمنة في عدّة قارات وعلى دول كثيرة في آسيا وافريقيا، مما منحها قدرة على مواصلة نهب ثروات تلك الدول والبلاد وفي مقدمتها الهند درّة التاج، التي أرادت من فلسطين أن تكون وتبقى مدخلاً آمنا للطريق إليها، ووجدت في الحركة الصهيونية حليفا لها وتابعا عندما منحتها (وعد بلفور) الذي يضمن لها كيانا على أرض فلسطين، وأتاحت لليهود الفرصة للتسلل العلني والسرّي إلى أرض فلسطين، ومكنت الغزاة الصهاينة من تأسيس وتثبيت مؤسساتهم التي كانت بمثابة مؤسسات دولة الكيان الصهيوني الذي قوي واستقوى بدعم الغرب الاستعماري وتشجيعه على (الهجرة) اليهودية إلى فلسطين لأسباب عنصرية واستعمارية ودينية.
خرجت بلاد العرب في المشرق العربي منهكة متخلفة فقيرة جاهلة معزولة عن العالم بعد 400سنة من الحكم العثماني المستبّد المتخلّف الذي أفقرها وحرمها من التعليم والتطوّر، وزج بالألوف من رجالها في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، مع شعوب في أوربة لا يعرفون عنها شيئا، وليس بينهم وبينها أحقاد ولا نزاعات ولا صراعات تستدعي خوضهم للحروب، ولا على أي صعيد، وهي فقط، تلك الحروب، أكلت خيرة شباب العرب بنيرانها فماتوا غرباء على سهول أوربة وجبالها، وحول مدنها، بعيدا عن أسرهم وبلادهم وأرضهم التي كانت تستدعي جهودهم لحراثتها وزراعتها واستثمارها في تحسين حياة تلك الأسر التي هلك الكثير من أفرادها جوعا ومرضا بسبب الفقر والعري وتفشي الأمراض والأوبئة، من أجل أمجاد سلاطين بني عثمان الذين زجّوا شعوب العرب والمسلمين في حروب لا جدوى منها، هم الذين لم يقدموا شيئا لتطوير بلاد حكموها وتحكموا بشعوبها، وبددوا خيراتها بحكام محليين عصروها بالضرائب الباهظة بقسوة وبلا رحمة.
لقد جاءت غزوة الصهيونية لفلسطين تتمة للحملات الصليبية، ولقد صرح الجنرال اللمبي والجنرال غورو الفرنسي عندما احتلا القدس..وعند قبر صلاح الدين الأيوبي في المسجد الأموي بدمشق، تقريبا بنفس الكلام: ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين، والآن انتهت الحروب الصليبيّة!!
من هنا لا بد أن تعي الأمة بملايينها ممثلة بطلائعها، وفي كافة أقطارها مشرقا ومغربا،بأن الصراع الدائر على أرض فلسطين يقرر في خاتمته مصير الأمة كلها، بل والعالم بأسره، وهذا ما أدركه مفكّر عربي في مطلع القرن العشرين، هو نجيب عازوري، وكتبه في كتابه (يقظة الأمة العربيّة) والذي صدر عام1904في باريس باللغة الفرنسية، وكان هاربا من العسف العثماني: ظاهرتان هامتان لهما نفس الطبيعة ، بيد أنهما متعارضتان، لم تجذبا انتباه أحد حتى الآن، تتوضحان في هذه الآونة في تركيا الأسيوية، أعني: يقظة الأمة العربية وجهد اليهود الخفي لإعادة تكوين مملكة(إسرائيل) القديمة على نطاق واسع. إن مصير هاتين الحركتين هو أن تتعاركا باستمرار حتى تنتصر إحداهما على الأخرى، وبالنتيجة النهائية لهذا الصراع بين هاذين الشعبين الذين يمثلان مبدأين حضاريين يتعلّق مصير العالم بأجمعه.
ولكننا نرى أن الصراع قد انحسر وتحدد بوضع عرب فلسطين وحدهم في مواجهة الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية برعاية وانحياز أمريكا وريثة بريطانيا التي وإن انحسر دورها بعد أن غابت شمس إمبراطوريتها فإنها تواصل التآمر على القضية الفلسطينية وعرب فلسطين وحق العرب في فلسطين.
وأيضا، ويا للعجب، فإننا نرى أن عرب فلسطين لا يقاتلون بكامل قوتهم في كل معاركهم مع المشروع الصهيوني، فقد بدأ التآمر عليهم، وعلى قضية فلسطين التي يفترض أنها القضية العربية التي يتقرر مصير الأمة على نتيجة صراعها مع المشروع الصهيوني، فثمة دول وحكام نُصبوا على أجزاء من الوطن العربي نفذوا في السر وفي العلن التآمر على فلسطين ،انطلاقا من طموحاتهم في الحكم، وسعيهم لتثبيت (دويلات) بلا استقلال ولا قيمة، وبالتغاضي والتفريط بمصالح الأمة ومصيرها وحاضرها ومستقبلها...
تلك الدويلات عملت على حراسة الحدود للمشروع الصهيوني، وبعد النكبة عام 1948وضعت الفلسطينيين في المخيمات تحت المراقبة، وحرمتهم من مواصلة المقاومة لتحرير ما استولى عليه الاحتلال الصهيوني، وقد اقترفت الخيانة التي حددت لها قبل نشأتها، وبعضها تُطبّع مع عدو الأمة، لأن هذا هو دور حكّام يهمهم بقاء دولهم البائسة الهزيلة المتآمرة على وحدة الأمة ونهوضها وتحرير أقدس مقدساتها التي يخوض الفلسطينيون معركتها ببعض قوتهم...
قاتل الفلسطينيون بجزء من قوتهم، ويتحسّر أخوتهم وهم يرونهم في المعركة، بينما هم تكبح قوتهم، ويقيدون، ويحرمون من الفعل والمشاركة في تحرير فلسطين، وهزيمة الكيان الصهيوني، وتحقيق الانتصار للأمة العربية على المشروع الصهيوني في الصراع الذي رأى نجيب عازوري في خاتمته الانتصار لأحد الطرفين وللعالم، وهو حدد بذلك أنه لا بدّ أن يكون انتصارا حضاريا تقدميا للعرب على المشروع الصهيوني.
الحكام في بلاد العرب، من ورثوا حكم الدويلات الهزيلة على حساب وحدة الأمة، وهو ما تكرّس في زمن النفط والغاز،لا (يحتجزون) الفلسطينيين وحدهم، بل يحتجزون الشعوب العربية التي تتمزق ألما وهي ترى بطولات عرب فلسطين وهم يخوضون المعرك المصيرية دفاعا عن الأمة وحدهم، بل بجزء منهم، ويرهقون العدو الذي اعترف وزير دفاعه بأن أكثر من نصف الأجهزة الأمنية موجود في الضفّة الغربية!..تصوروا لو أن الحدود مفتوحة أمام ملايين الشباب العرب، وأن المعركة تخاض جديا بصدق وبشرف وبانتماء للأمة، للقدس..لفلسطين العرب، كيف سيتّم اختصار زمن المعركة وتحقيق الانتصار الموزّر على عدو الأمة؟!
ومع ذلك سيواصل عرب فلسطين صراعهم مع العدو، عدو الأمة، حتى تستيقظ الأمة و..تنتفض، وتندفع لتحطم الحدود وتجتازها، وتأخذ مصيرها بيدها، وتكنس في طريقها كل ما يعيق قدرتها على الفعل..لتحقيق الانتصار التاريخي المؤزّر: هزيمة المشروع الصهيوني وتحرير فلسطين وتوحيد إمكانات وطاقات ملايين العرب مشرقا ومغربا...

1