أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
أربع ملاحظات حول الانتخابات الإسرائيلية!!
بقلم : د.جمال زحالقة ... 10.11.2022


القوة الحقيقية لليمين الإسرائيلي هي أكبر من 64 مقعدا التي حصل عليها معسكر نتنياهو في الانتخابات، الأسبوع الماضي. فهناك في المعارضة 12 نائبا لا يقلّون يمينية عن نتنياهو. فقد فاز حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان اليميني المتطرف، حليف نتنياهو السابق وخصمه الحالي، بستة مقاعد في الانتخابات وهناك ستة نواب يمين آخرين في حزبي «يوجد مستقبل»، الذي يقوده يئير لبيد وحزب «إسرائيل الرسمية»، الذي يرأسه بيني غانتس. وهكذا فإن عدد أعضاء الكنيست المحسوبين على معسكر اليمين هو 76 نائبا، مقابل 36 نائبا من معسكر اليسار والوسط المبعثر، أي أن قوّة اليمين في المجتمع الإسرائيلي تصل إلى أكثر من الثلثين، ولا تلوح في الأفق أي إمكانية لتغيير جذري في هذا الاصطفاف. ولن تستطيع الأحزاب العربية، مهما بلغت قوّتها أن تغيّر هذا التوازن، الذي سيكون العامل الحاسم في تشكيل أي حكومة إسرائيلية في المستقبل، بعد تخطّي محاكمة نتنياهو، التي تمخّض عنها «تعادل» مضلّل، سببه أن بعض أطراف اليمين لا تقبل بنتنياهو الشخص، مع قبولها بسياسات حزب الليكود.
أما اليسار الصهيوني، الذي أقام الدولة الصهيونية، وهندس نظامها وبنيتها وسياساتها الاستراتيجية، وكان له في الماضي أكثر من 50 عضو كنيست، فقد انحدر في الانتخابات الأخيرة إلى أربعة مقاعد فقط، تابعة لحزب العمل برئاسة ميراف ميخائيلي، ولم يعبر حزب «ميرتس» نسبة الحسم. وحتى بعد حساب تغلغل فكر وتوجهات يسار صهيوني في أحزاب أخرى، فإن قوّته الانتخابية والجماهيرية تراجعت وانكمشت، والنخب التي تمثل هذا التوجّه في الإعلام والثقافة والفن وفي الجهاز القضائي والجامعات والأجهزة الأمنية، في حالة تقهقر ودفاع عن الوجود. وبعد أن حسم اليمين الإسرائيلي المعركة السياسية والأيديولوجية فهو ينقض بقوّة أكبر للهيمنة الكاملة على الدولة العميقة وتنقيتها من تأثير ومن شخوص اليسار والوسط. هذه ليست قضايا إسرائيلية داخلية، بل تطوّرات لها أثر بالغ على مآلات قضية فلسطين وعلى أحوال شعب فلسطين.
فور اتضاح نتائج الانتخابات، حدثت قفزة كبيرة جدا لدى الإسرائيليين في البحث عن كلمات لها علاقة بالهجرة مثل، جواز أجنبي، هجرة، بطاقة خضراء وغيرها
يعود نتنياهو إلى الحكم وهو أكثر جرأةً على طرح مواقف أشد تطرفا ويمينية، وهذه ليست مسألة خطاب شعبوي، كما قد يعتقد البعض، بل توجهات سياسية لها جذور عميقة في تربيته وعقائده وفكره. في الماضي ذكر «حل الدولتين»، ولو لفظيّا، لكنّه اليوم يجاهر بمعارضته له. ونتنياهو في بداية ونهاية المطاف ابن أبيه، المؤرّخ الصهيوني اليميني بن تسيون نتنياهو، الذي كان يعارض سياسات بيغين من جهة اليمين، والذي أبدى «تفهّما» لتصريحات ابنه حول حل الدولتين بالادعاء، الصحيح بحد ذاته، بأنّه يضع شروطا تعجيزية لا يمكن أن يقبلها الفلسطينيون، وعليه فإن قبول نتنياهو اللفظي هو رفض فعلي. في كتابه الجديد، الذي صدر قبل أسابيع عشية الانتخابات الأخيرة، يوضّح بنيامين نتنياهو سلالاته الفكرية، ويخصص فصلا كاملا عن والده، ذاكرا أن أباه تأثر بهرتسيل وعمل مع جابوتينسكي، وهو أي نتنياهو ابن أبيه البيولوجي والأيديولوجي، ولا يذكر أحدا أثّر فيه فعلا خارج هذه الثلاثية. وحتى لو تصرّف نتنياهو ببعض الليونة أحيانا، وحتى لو خضع لبعض الضغوط العابرة، فهو مؤدلج حتى النخاع ولديه عقيدة سياسية فكرية متماسكة ومبلورة، خلاصتها أن أرض إسرائيل هي من حق شعب إسرائيل، وأن كيان الدولة الصهيونية مرتبط بتفوّقها العسكري المطلق على كل مَن مِن الممكن أن يتحدّاها، وهو يتبنّى بالكامل نظرية جابوتنسكي بشأن «الجدار الحديدي»، القائمة على أن العرب لن يقبلوا بإسرائيل إلّا بعد أن ييأسوا من إمكانية هزيمتها والقضاء عليها. وتعود لغة نتنياهو في الحديث عن التطبيع العربي بأنّه «سلام من منطلق القوّة»، إلى هذه النظرية. وعلى القيادات العربية، التي تقع أحيانا في فخ الأوهام، أن تعلم بأنّه لا يمكن التوصّل إلى أي نوع من التسويات السياسية مع نتنياهو، بالضبط كما لا يمكن أن «تجني من الشوك العنب». والواقع أن عودة نتنياهو وما يمثّله ستكون لسنوات وربما عقود طويلة، سواء كان ذلك هو شخصيا أو وريثه فكرا. ما يستلزم إعادة حسابات في القيادات الفلسطينية والعربية حول كيفية التعامل مع الدولة الصهيونية بعد زوال كل الأقنعة وكل الأوهام.
صدمة ما قبل الحداثة
ولو أن نتيجة الانتخابات الإسرائيلية لم تكن مفاجئة، فإن الكثير من العلمانيين والليبراليين بنظر أنفسهم، أصيبوا بصدمة خطر هيمنة القوى الدينية واليمينية المتطرّفة والانكفاء بالدولة وبالمجتمع في إسرائيل إلى مرحلة ما قبل الحداثة. وتدل مؤشّرات «غوغل تريندس» على أنّه فور اتضاح نتائج الانتخابات واستقرار الإدراك بأنّها ليست حالة عابرة، حدثت قفزة كبيرة جدا في البحث عن كلمات لها علاقة بالهجرة مثل جواز أجنبي، هجرة، بطاقة خضراء وغيرها. ويبدو أن فكرة الهجرة إلى بلاد أخرى تراود عددا أكبر من الإسرائيليين أكثر من السابق بكثير، ولا يعود ذلك لأسباب اقتصادية، بل إلى الشعور بالهزيمة في الصراع على هوية الدولة والمجتمع، وإلى اليأس من إمكانيات التغيير. وهناك دلائل واضحة على أن الشرائح والفئات التي تفكر بالهجرة تنتمي الى الطبقة الوسطى والى قطاع «الهاي تك» وإلى ساكني مدينة تل أبيب ومحيطها. هل سيجري ذلك فعلا؟ هذا يتعلّق بما ستقوم به الحكومة الجديدة، فإذا نفّذت الأحزاب اليمينة المتطرفة والمحافظة والدينية الفاشية المكوّنة للائتلاف اليميني العائد الى السلطة، جزءا من وعودها ووعيدها، فإن إسرائيل ستشهد موجات غير مسبوقة من الهجرة الى الخارج.
القوائم العربية
خاضت الانتخابات الأخيرة ثلاث قوائم عربية، هي القائمة الموحّدة برئاسة منصور عبّاس وحصلت على 193 ألف صوت وخمسة مقاعد، تليها قائمة الجبهة العربية للتغيير برئاسة أيمن عودة وأحمد الطيبي وحصلت على 178 ألفا وخمسة مقاعد أيضا، ووصل عدد الأصوات، التي حصلت عليها قائمة التجمّع الوطني الديمقراطية برئاسة سامي أبو شحادة 138 ألفا، ولم تعبر نسبة الحسم البالغة 154 ألف صوت.
القائمة الموحّدة في مأزق كبير بعد الانتخابات، لأنّها بنت كل استراتيجيتها على «التأثير» عبر المشاركة في الائتلاف الحكومي، واليمين العائد إلى السلطة يرفض أي رباط بها، ويصد كل محاولاتها الالتحاق بائتلافه. لقد قبلت الموحدة على نفسها، في عهد حكومة بنيت – لبيد أن تكون شريكة في ائتلاف يمارس القتل والحصار والاستيطان واقتحام الأقصى وهدم البيوت والتمييز العنصري، في سبيل الحصول على بعض الميزانيات، وهي اليوم غير قادرة على تحصيل ولو جزء يسير مما وعدت به في الانتخابات، وعليها أن تختار: إمّا أن تواصل نهج الجري للتحالف مع من لا يريدون التحالف معها، وهذا سيؤدي بها الى الانكماش والتلاشي، أو أن تغيّر سياساتها رأسا على عقب وتنقلب على ما كان منها في العامين الأخيرين.
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة تواجه نقاشات داخلية حادّة حول توجهاتها وتركيبة قيادتها، وهي تتعرض لانتقادات كثيرة حول عدم قدرتها على المحافظة على القائمة المشتركة، التي حصلت تحت رئاستها على 15 عضوا، وبدل السعي إلى تمتين صفوفها واحترام قراراتها، طرحت قيادة الجبهة عددا من المواقف الانفرادية المغايرة لبرنامج المشتركة ونهجها. صحيح أنه كانت هناك عوامل أخرى وازنة لتفكيك القائمة المشتركة وفي مقدمتها «النهج الجديد»، الذي جاء به منصور عبّاس، إلّا أن الرأي العام في الداخل الفلسطيني يحمّل الجبهة قسطا كبيرا من المسؤولية لأنّها وقفت على رأس المشتركة. التجمّع الوطني الديمقراطي كان قريبا من نسبة الحسم وحصل على عدد كبير من الأصوات فاقت كل التوقّعات، وكانت أعلى من كل ما جاء في الاستطلاعات. وقد واجه التجمع حملة تشكيك بقدرته على تجاوز نسبة الحسم لردع الناخبين عن التصويت له، وشاركت في هذه الحملة وسائل إعلام إسرائيلية وقيادات حزبية عربية وأبواق دعائية مختلفة. وعلى الرغم من كل ذلك حصل التجمع على ما يقارب 140 ألف صوت عبّروا عن نصرتهم وعن تضامنهم مع حزب التجمّع الذي ركّز في حملته الانتخابية على النقاش السياسي وعلى أولوية الهوية الوطنية والتمسّك بحقوق المواطنة الكاملة وغير المشروطة بالولاء السياسي، وبدعم الائتلاف. الوجود خارج البرلمان لحزب كان فيه عشرات السنين، ليس مسألة سهلة، لكنّه يحمل في طيّاته فرصا جديدة للعمل السياسي يمكن أن تزيد من قوة الحزب ومن تأثيره، إذا جرى استثمارها بالشكل الصحيح.
يسأل البعض إذا كانت هناك إمكانية لعودة القائمة المشتركة؟ والجواب نعم، بشروط. أوّلها أن يكون لها برنامج سياسي واضح وملزم يعتمد الثوابت الوطنية، ويسقط معادلة مقايضة الحقوق بالموقف السياسي، ويمنع الانزلاق نحو التذيّل لائتلاف صهيوني بأي تركيبة كانت، وثانيها وضع آليات لضمان الالتزام بالمواقف المتفق عليها ولسد الطرق الالتفافية حولها، وثالثها تركيبة منصفة للقائمة تعكس القوّة الحقيقية لمركباتها. بحكم الواقع، هذا لن يتم إلا إذا أعادت بعض الأحزاب حساباتها وغيّرت مواقفها وغيرت سياساتها واستبدلت قياداتها.

1