أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
كيف تقدمون العزاء للقاتل بضحايا الزلزال في سوريا؟!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 12.02.2023

بينما كان مئات الألوف من السوريين إما تحت الأنقاض أو مشردين في أسوأ أحوال جوية في العراء شمال سوريا وداخل المناطق التركية التي تعرضت لواحد من أسوأ الزلازل منذ عقود، وفي استهتار صبياني معيب بمآسي وآلام وفواجع الملايين، واستخفاف لا يليق بفداحة الموقف وخسارة أرواح ملايين الناس، أطل ما يسمى بـ«الرئيس السوري» عبر مجلس وزرائه الصوري الهزلي، وليس بالتوجه مباشره للشعب الذي يأنف من التحدث والكلام له كعادته وعادة أبيه الديكتاتور المستبد، ولأول مرة منذ أشهر وهو يبتسم بشكل لافت، ودون أدنى مبالاة، وذلك أثناء ترؤسه لاجتماع ما تسمى بالحكومة. ولا أعتقد أن الصور التي تم توزيعها على وسائل الإعلام لطاغية الشام لم تكن مقصودة، بل إن القصر الجمهوري هو من اختارها ووزعها عمداً، وهي تكريس واستمرار لاستراتيجية ولنهج رئاسي من أيام المقبور بمعاملة الشعب بعنجهية وغطرسة وفوقية واستعلاء. فهل يعقل أن يظهر رئيس جمهورية وهو يبتسم بينما مئات الألوف من السوريين في تلك اللحظات كانوا يمرون بكارثة لم يسبق لها مثيل منذ عقود؟ إذاً العملية مقصودة، وهي بمثابة شماتة وتشف بالضحايا الذين إما قضوا تحت الركام أو يعانون أشد أنواع العذاب في ظروف جوية مرعبة بقساوتها. ولا نستبعد مطلقاً أن تكون ابتسامات طاغية الشام بشار محاولة لرش الملح على جروح ملايين السوريين الذين ثاروا ضده، ويقول لهم هذا هو جزاء من يعارضني، ووجدها، اليوم، فرصة سانحة للتشفي والشماتة بهم وهم يواجهون أسوأ زلزال تشهده سوريا في تاريخها. ومثل هذا الاستهتار والتصرف الوحشي ليس جديداً على ما يسمى الرئيس السوري، فقد قالها بعظمة لسانه ذات مرة أثناء أحد خطاباته الشهيرة إنه سعيد جداً بأن سوريا تخلصت من الملايين من شعبها لتصبح «مجتمعاً متجانساً». هكذا قالها بالحرف، فهو يعتبر ملايين السوريين الذين يعارضون نظام حكمه الطاغوتي غير مرغوب بهم في سوريا، ولا بأس أن تأكلهم الأسماك والحيتان في البحار أو أن يرحلوا عن الأراضي السورية غير مأسوف عليهم. هو قال ذلك علناً ولم يرمش له جفن. كما قال أيضاً: سوريا فقط لمن يدافع عن النظام ويؤيده حتى لو كانت ميليشيات أفغانية وباكستانية وإيرانية طائفية قذرة. لهذا لا عجب أبداً أن بدا بشار ضاحكاً وهو يعقد اجتماعاً مزعوماً لحكومته لتدارس وضع المنكوبين السوريين شمال سوريا وفي داخل تركيا.
لقد شعر ملايين السوريين أصلاً بكم هائل من القرف والغثيان وهم يرون بشار يترأس اجتماعاً من أجل المنكوبين. فعلاً إنها نكتة صارخة. لماذا؟ لأن الجميع يعلم علم اليقين أن كل ضحايا الزلزال في شمال سوريا وداخل تركيا هم بالأصل ضحايا النظام الفاشي، فمن الذي شردهم من بيوتهم بالملايين ودمر منازلهم بالبراميل المتفجرة غيره وغير طائرات بوتين التي لم تترك حتى المداجن والمشافي والمدارس والمساجد إلا وقصفتها بمئات الأنواع من الأسلحة الروسية الجديدة باعتراف وزير الدفاع الروسي نفسه. ولا ننسى مثلاً أن منطقة مرعش قهرمان التركية التي كانت مركز الهزة الأرضية الرهيبة يعيش فيها أكثر من مئين وخمسين ألف سوري في مخيمات بنتها تركيا عام ألفين واثني عشر بعد أن اضطر ملايين السوريين إلى ترك مدنهم وقراهم في الشمال هرباً من براميل بشار وعصابته.
كل ضحايا الزلزال في شمال سوريا وداخل تركيا هم بالأصل ضحايا النظام الفاشي، فمن الذي شردهم من بيوتهم بالملايين ودمر منازلهم بالبراميل المتفجرة غيره وغير طائرات بوتين التي لم تترك حتى المداجن والمشافي والمدارس والمساجد إلا وقصفتها بمئات الأنواع من الأسلحة الروسية الجديدة باعتراف وزير الدفاع الروسي
ولا ننسى أيضاً مدينة غازي عينتاب التركية المنكوبة بالزلزال التي لا تبعد عن حلب سوى تسعين كيلو متراً وتحولت إلى مسكن لعشرات الألوف من السوريين الهاربين من المناطق السورية المجاورة من جحيم الأسد. وقد اعترفت الهيئات الإغاثية بأن حوالي نصف ضحايا الزلزال في شمال سوريا وتركيا هم أصلاً من السوريين الهاربين من جحيم الحرب. بعبارة أخرى، فإن الزلزال لم يصب مناطق النظام كما أصاب مناطق المعارضة والمناطق التركية التي يسكنها اللاجئون السوريون. وبالتالي: كيف يقدم بعض القادة العرب والأجانب واجب العزاء لرأس النظام السوري، وهو أصلاً المسؤول الأول والأخير عن محنة وكارثة السوريين في الشمال أو في المخيمات أو المدن التركية؟ مضحك جداً ومثير للسخرية في آن معاً أن يعزّوا بشار بالذين كان هو شخصياً وراء تهجيرهم وتدمير بيوتهم وتعفيش ممتلكاتهم في شمال سوريا، فاضطروا إلى اللجوء إلى المناطق المحررة أو دخلوا الأراضي التركية هرباً من براميل النظام التي دخلت التاريخ بوحشيتها وبشاعتها وفظاعتها.
لقد أرسلت بعض الدول كالجزائر مثلاً طائرات محملة بالمساعدات إلى مطار حلب الذي يسيطر عليه النظام الآن. والسؤال هل تتوقعون من العصابة الحاكمة أن ترسل المساعدات للسوريين في المناطق المحررة أو إلى السوريين المنكوبين داخل الأراضي التركية في ظل عجزه التام وتقصيره التاريخي وغياب أية آليات مهنية وخبرة لديه في المجال الإنساني والإغاثي وجل تخصصه بالقتل والإجرام وارتكاب الفظائع والإبادات الجماعية والمجازر الكيماوية فكيف سيتحول نظام مجرم قاتل إلى «ممرض» وملاك رحمة وحمامة سلام بين ليلة وضحاها؟ فعلاً عجيب. مستحيل طبعاً، فكيف تتوقعون ممن قتل السوريين وشردهم ودمر بيوتهم ونهب ممتلكاتهم أن يعطف عليهم في محنتهم الرهيبة؟ ولا ننسى أن النظام وعصابته كان يعبث أصلاً بالمساعدات الدولية التي تصل إليه كي يوزعها على مؤيديه، وقد ظهرت تقارير كثيرة تقول إن حيتان القصر البراميلي وسيدته كانوا يبيعون المساعدات الدولية بالسوق السوداء بدل توزيعها على ملايين السوريين المؤيدين الذي يعيشون اليوم تحت خط الفقر بمراحل. فإذا كانت العصابة الحاكمة لا ترأف بحال المؤيدين داخل سوريا الذين قدموا للنظام الغالي والنفيس وضحوا من أجله بفلذات أكبادهم، ثم وجدوا أنفسهم جائعين مقهورين منبوذين، فما بالك أن يرسل النظام المساعدات القادمة إلى مناطق المعارضة في الشمال وتركيا إلى مستحقيها؟ مستحيل. إن إرسال معونات للنظام كي يوزعها على مناطق المعارضة المنكوبة كمن يرسل معونات لإسرائيل كي توزعها على سكان غزة. لهذا فإن أي جهة أو دولة ترسل مساعدات للمنكوبين بالزلزال عبر النظام فهي تبذر أموالها وتهبها هباء، لأن النظام إما سيبيع المعونات ويقبض ثمنها لصالحه الخاص كما يفعل اليوم بالنفط ومشتقاته والكهرباء، أو أنه سيعطيها لعصابته ولن يصل منها شيء لا للمؤيدين المنكوبين أو المعارضين. والأهم من ذلك أن المناطق المنكوبة خارج سيطرة النظام أصلاً.
وزاد في الطنبور نغماً، وتعبيراً عن الحقد المتأصل في دواخل هذا النظام الدخيل على السوريين، أن وزير الخارجية، صرّح يوم الأربعاء، لإحدى القنوات التي تتاجر بالممانعة، وللغرابة ومحاكاة التابع للسيد، أنه كان، كمعلمه بشار، غاية بالانشراح والفرح وبابتسامة هوليوودية عريضة، مقرراً بأن هؤلاء الضحايا والمنكوبين هم من الإرهابيين ولذلك فهو لن يسمح بوصول المساعدات لهم ولا يستحقونها، وكأنه لم تشبعه ولم تكفِه، لا هو ولا معلمه القابع في وكره الجمهورية تحت حراب وحماية فاغنر والملالي، كل تلك البراميل المتفجرة التي ألقاها على بيوت وأجساد السوريين، ولم تشف غليله كل تلك الجرعات القاتلة والسامة التي أذاقها لهم خلال سنين الحرب، ليكشر اليوم عن أنيابه ويـُمعن بقتلهم جوعاً وحرماناً وموتاً بطيئاً تحت أنقاض المباني التي تداعت فوق رؤوسهم وهم نيام آمنين.

1