عجبي..وكمان عجبي!
هل توافدتم إلى دمشق لأسباب إنسانيةّ!
وهل معنى ذلك أن تدمير أعرق أحياء مدن سورية لم يُحرّك نوازعكم الإنسانية؟!
هل أحد عشر عاما من الدمار، والتهجير والتشريد..لم تلامس شغاف قلوبكم، ولم تُحرّك مشاعركم الإنسانية التي ظلت طيلة سنوات قتل السوريين، العرب الأقحاح، متبلدة، فلم ترفعوا أصواتكم مستتنكرين لاستئجار ألوف الوف المرتزقة بلحى وبغير لحى، وزجهم في سورية لتدمير مدنا في مقدمة أعرق المدن في العالم، وهل هناك أعرق من دمشق وحلب وتدمر التي نهبت آثارها، وحطمت تماثيلها الدينية والتاريخية الحضارية، واجتثت بهدف تصحير سورية ثقافيا كما فعل الغزاة الأميركان ببغداد، وكما فعل التتار والمغول من قبل؟!
لأسباب إنسانية تزورون دمشق قلب العروبة النابض، بعد أن هدّم الزلزال أعرق أحياء حلب، واللاذقيّة، وحماة، وعشرات القرى العريقة، وغطّى أجساد ألوف السوريين تحت الدمار، فاندفع الأحياء من السوريين لإنقاذ أحبتهم، وذويهم، بالنبش بأظافرهم، ودفعت أجهزة الدولة السورية بما تبقّى لديها من آلات ثقيلة هي كل ما أبقاه الحصار الأمريكي الذي توّج جرائمه في سورية بقانون قيصر الذي تفرضه أمريكا بقرار أُحادي إجرامي لا صلة لمجلس الأمن به، ولا لأي جهة دولية، ولكنه حقد أمريكا والكيان الصهيوني، وتآمر بعض العرب تطوعا وتصفية لحسابات مفضوحة من مطبعين موتورين، ومنتمين لمصالحهم الضيقة، وحاقدين على سورية العروبة التي ما زالت متشبثة براية فلسطين، وبرفض الهيمنة الأمريكية والعربدة الصهيونية، وبالتواطؤ التركي الذي طاش صوابه بعد فشل وعود الربيع العربي ( الإسلاموي) الذي فتح البطن التركي لابتلاع المشرق والمغرب العربي لتكريس تبعيته من جديد للباب العالي!
هل كان يجب أن يموت ستة آلاف سوري دفعة واحدة، وينتشر الدمار في ربوع سورية حتى تتحركوا متأخرين جدا، ومتثاقلين جدا..وأنتم تتلفتون حواليكم مرتعبين من أن يحاسبكم أولياء أموركم على فعلتكم ب..زيارة سورية رغم 11 سنة من القتل والدمار والخراب و..الرهان المسعور على إنهاء سورية حضورا ودورا وجغرافيا وتاريخا، وأملاً بنهوض عربي يتهدد المخططات الأمريكية الصهيونية؟
ولكن سورية أمل العروبة، وقلب العروبة، ثبتت واستعادة ما احتلته قوى التحالف الدولي بقيادة أميركا، وطارد جيشها الباسل الأعداء وكنسهم مّما اضطر اميركا أن تتدخل بنفسها، وتحتل شمال شرقي سورية، وتضع يدها على ثروات سورية من النفط والغاز والقمح..وترعى العملاء الغادرين بالوطن السوري ليبقوا خنجر غدر..يا للعار!
كان بإمكانكم أن تعلنوا أنكم تقفون مع سورية وشعبها العربي العريق، وأنكم ترفضون حصار سورية، وترفعوا الصوت بأن قيصر ليس قراراً دوليا ولذا ترفضونه، وتعلنون إدانته..ولكنكم لم تفعلوا ولن تفعلوا، وشعب سورية يعرف، ولذا لم يبن آملا على زيارتكم التي لم تحمل بشائر أخوّة ونجدة حقيقية تفرّج كربة سورية والشعب الصابر رغم جراح خناجر الأخوة المتقاعسين والمتواطئين والبائعين...
سورية في كل ضيقة ألمت ببلد عربي كانت السبّاقة لمد اليد، وسورية هبت لنجدة كل بلد عربي محتاج، وأرسلت ألوف المعلمين إلى الأقطار التي تحتاجهم، فقد كان نشر اللغىة العربية، نشر النور في بلاد العرب رسالة تقترن بالعلم...
سورية من قلبها، من دمشق النابضة بدم العروبة، من ارتفع صوتها عندما قصفت طائرات العدوان الثلاثي عام 1956 إذاعة القاهرة وصوت العرب: هنا القاهرة من دمشق، وهكذا ارتفع صوت مصر المقاوم للعدوان رغم أنوف المعتدين الإنقليز والفرنسيين والصهاينة...
سورية ترفع راية فلسطين منذ زمن بعيد، منذ زمن صلاح الدين الأيوبي، وهي مع مصر، حررتا بلاد العرب واجتثت جيوشهما الغزاة من بلاد العرب، وانقذت القدس..ولن تطبّع مهما اشتد عليها التآمر والحصار، وستظل فلسطين هي سورية الجنوبية والتي قاد ثوراتها أبطال وفدوا من جبلة وحماة ودمشق واستشهدوا على ثرى فلسطين، وستبقى فلسطين سورية الجنوبية حتى تحريرها وما بعد تحريرها...
لا تنتظر فلسطين، سورية الجنوبية، وسورية العروبة أي خير حقيقي ممن يُطبعون مع الكيان الصهيوني، ويتفرجون على جرائم الصهاينة في فلسطين، وفي قلب اقدس مقدسات العرب والمسلمين في القدس والخليل وبيت لحم...
هبّ لنجدة سورية شعب العراق،وإيران الإسلامية، والجزائر الحرّة سيدة قرارها، وحزب الله .. وعرب أحرار شرفاء في الأردن وفلسطين، رفعوا أصواتهم مطالبين بإسقاط قيصر وتحديه مهما تكن التكلفة.
لقد ثبت إن بلدانا كفونزيلا وماليزيا وصربيا هي أصدق في مشاعرها ممن يدّعون العروبة، ولا عروبة في مواقفهم!
من يملكون المليارات ويتفرجون على شعب سورية المحتاج الذي لا يمد اليد، غير مقبول منهم الإدعاء بأنهم يقفون موقفا إنسانيا – شفقة يعني- لأن شعب سورية العربي الأنوف ذو الكبرياء والعراقة لا يرضى بأن يكون في موقع الشفقة..فأرض سورية أطعمت شعوبا عربية، وقطنها كسا شعوبا عربية عندما عريت..وبردى أروى الظامئن..ويا سورية الحبيبة مرّ الكثير وبقي القليل وأيّام عزّك لن يطول انتظارها...
زيارة لأسباب إنسانية!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 07.03.2023