أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
لولا وكلاؤكم في بلادنا لما هرب اللاجئون إلى بلادكم!!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 08.07.2023

ملايين العرب والآسيويين والأفارقة والأمريكيين اللاتينيين يجازفون بحياتهم للوصول إلى الغرب هرباً من القمع والاضطهاد والفقر والفساد والحروب والخراب والدمار والانهيار والذل والفوضى في بلدانهم المنكوبة بحكومات وأنظمة وطغاة مهمتهم الأساسية إفقار شعوبهم وقمعها وسحقها ومنع أي نهضة في بلادهم خدمة لمشاريع ومصالح مشغليهم من ضباع العالم.
وقد ازدادت حدة أزمة اللاجئين في العالم بعد ما سمي بالربيع العربي، فقد تدفق ملايين اللاجئين من سوريا وليبيا وتونس واليمن والسودان والعراق ولبنان وغيره إلى أوروبا هرباً من الأهوال في بلدانهم، بحيث باتت قضية اللاجئين تقض مضاجع الغرب لأول مرة منذ عقود. وقد أصبح ملف اللجوء من أولويات الحكومات الغربية التي بدأت تميل أكثر فأكثر في اتجاه اليمين المتطرف الذي يتخذ أصلاً موقفاً مناوئاً للأجانب، وخاصة في بلد مثل فرنسا التي تشهد الآن أزمة داخلية لم يسبق لها مثيل بعد إطلاق شرطي فرنسي النار على شاب جزائري وقتله على الفور، مما أدى إلى أعمال عنف ومظاهرات عارمة غير مسبوقة وبالتالي تحريك قضية الأجانب في فرنسا، مع العلم أن غالبية المنتفضين ضد النظام الفرنسي اليوم ليسوا لاجئين، بل هم مواطنون فرنسيون من أصول عربية وأفريقية، لكن تحركهم في هذا الوقت أعطى لمسألة اللجوء بشكل عام اهتماماً إعلامياً وسياسياً أكبر.
وعلى ضوء ارتفاع حدة أزمة اللجوء إلى أوروبا واستصدار قوانين صارمة غير مسبوقة كالتي اتخذتها بريطانيا مثلاً كتسفير اللاجئين إلى رواندا ثم رفض القرار من قبل المحكمة الدستورية، بدأ كثيرون يطرحون أسئلة جوهرية حول موجات النزوح غير المسبوقة من العالم العربي إلى أوروبا وغيرها. وقد جاءت حادثة غرق قارب على متنه أكثر من خمسمائة لاجئ سوري في المياه اليونانية، جاءت لتضع ملف اللجوء في صدارة الأخبار ثانية. وبدأ البعض يسأل: ما الحل؟ من المسؤول عن هذه الكارثة التي بدأت تؤرق أوروبا والغرب عموماً؟ الفنان السوري الشهير سميح شقير أجاب على مثل هذه الأسئلة في أغنية جديدة قصيرة بعنوان» «شكراً للمؤتمرات» يسخر فيها من الجهود الدولية لمعالجة أزمة اللاجئين من خلال المؤتمرات والمساعدات السخيفة. وتركز الأغنية على أن كل ما يفعله الغرب لمواجهة أزمة اللجوء هو للضحك على الذقون وذر الرماد في العيون بعيداً عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هروب الملايين من البشر من بلادهم حتى لو سقطوا طعاماً للأسماك والحيتان في عرض البحار والمحيطات.

إن كل ما تفعله الأمم المتحدة والمؤتمرون والمؤتمرات لمعالجة كارثة اللجوء مضيعة للوقت والجهد لأنها تبتعد كثيراً عن مواجهة السبب الرئيسي لهذه الكارثة، ألا وهو وجود أنظمة وطغاة وجنرالات في بلادنا المنكوبة هم المسؤولون عن انهيار العديد من البلدان العربية

وتقول الأغنية للعالم باختصار شديد إن كل ما تفعله الأمم المتحدة والمؤتمرون والمؤتمرات لمعالجة كارثة اللجوء مضيعة للوقت والجهد لأنها تبتعد كثيراً عن مواجهة السبب الرئيسي لهذه الكارثة، ألا وهو وجود أنظمة وطغاة وجنرالات في بلادنا المنكوبة هم المسؤولون بالدرجة الأولى والأخيرة عن انهيار العديد من البلدان العربية، وأن الغرب يعلم علم اليقين أنه بدعمه لهؤلاء الطغاة فهو يشارك في المسؤولية عن كارثة اللاجئين التي باتت تدق أبوابه يوماً بعد يوم.
هل كان لملايين الأفارقة والعرب مثلاً أن يركبوا البحار ويعبروا في اتجاه أوروبا لو لم تكن القوى الاستعمارية القديمة كفرنسا وغيرها داعمة لأنظمة الخراب والدمار في أفريقيا والشرق الأوسط؟
هل يعمل جنرالات أفريقيا وغيرهم لصالح بلدانهم وشعوبهم، أم إنهم كالعديد من جنرالات الشرق الأوسط مجرد عملاء محليين ووكلاء لقوى دولية في بلادهم، وهم بالتالي مسؤولون عن الخراب والانهيار الذي يزداد سوءاً في بلادنا يوماً بعد يوم؟ لقد نجح الغرب على مدى سنوات في منع موجات اللجوء من أفريقيا إلى أوروبا وذلك بالتنسيق والتعاون مع النظام الليبي السابق بقيادة القذافي، الذي كان بمثابة سد منيع في وجه الأفارقة الذين كانوا يهربون إلى أوروبا عبر ليبيا وغيرها. لكن بعد سقوط نظام القذافي، باتت ليبيا نفسها مصدرّاً للاجئين بعد أن ساءت الأوضاع فيها بسبب الحرب الأهلية بين المتصارعين على السلطة في شرق البلاد وغربها.
ويتساءل البعض اليوم: هل الغرب فعلاً قلق من موجات اللجوء القادمة إليه من الشرق الأوسط وغيره، أم إنه مستفيد من بعضها، وخاصة الدول التي تعاني من انخفاض اليد العاملة لديها في أوروبا؟ هل استقبلت بعض الدول الأوربية مئات الألوف من اللاجئين كعمل إنساني، أم لأغراض اقتصادية وسياسية بحتة؟
أليس الحل لقضية اللجوء أسهل بكثير من استقبال بعض اللاجئين، كما يتساءل سميح شقير في أغنيته الجديدة «شكراً للمؤتمرات»؟ أليس من السخف أن يسمح الغرب بهروب ملايين البشر من بلادهم في منطقتنا، وهو يعلم أن الحل لهذه الكارثة يكمن في الأنظمة المحلية التي سلطها علينا خدمة لمصالحه؟ أليست تلك الأنظمة المدعومة من الخارج مسؤولة عن عمليات التهجير وتفريغ مجتمعاتنا من شبابها؟ أليست مجرد أدوات في أيدي مشغليها وداعميها؟ ماذا فعل الغرب ضد الطواغيت الذين قتلوا وهجروا الملايين؟ ألم يُعد تأهيلهم وكأن شيئاً لم يحدث؟
بدل أن تستقبلوا ملايين اللاجئين، لماذا لا تستقبلون الطغاة المسؤولين عن خراب بلداننا وتهجير شعوبنا إذا كنتم صادقين وتريدون فعلاً حل أزمة اللجوء؟
رسالتنا إلى ضباع العالم الذين باتوا يشتكون من خطر اللاجئين على بلادهم بسيطة وواضحة جداً: أيها الضباع أنتم تعلمون علم اليقين أن معظم الأنظمة العربية التي تعيث خراباً ودماراً وفساداً في بلادنا أنتم صنعتموها، وأنتم من سلط علينا حثالة الطغاة والجنرالات خدمة لمصالحكم، وأنتم بالتالي المسؤولون عن الخراب والدمار والفساد والانهيار في بلادنا، وأنتم المسؤولون عن موجات اللاجئين التي تجتاح بلادكم. دعونا نختار حكامنا بأنفسنا. دعونا نقرر مصيرنا بأنفسنا. دعونا نستثمر ثرواتنا وخيراتنا بأنفسنا. دعونا ندير شؤوننا بعيداً عن سياطكم وإملاءاتكم وسرقاتكم، ولن يهرب أحد منا الى دياركم. أنتم من تطلقون كلابكم علينا ثم تشتكون من صراخنا وآلامنا.

1