أحدث الأخبار
الجمعة 21 حزيران/يونيو 2024
الرحيل بعيدا عن أوميلاس!!
بقلم : توران قشلاقجي ... 12.06.2024

كتبت الروائية الأمريكية الشهيرة أورسولا لي غين، قصة قصيرة بعنوان «السائرون بعيدا عن أوميلاس»، تعتمد فكرتها الأساسية على أن السعادة والرفاهية التي نتمتع بها غالبا ما تكون مبنية على الألم والمعاناة. وتتحدث لي غين في قصتها عن مدينة تعتمد سعادتها على إذلال وألم طفل واحد. استلهمت لي غين اسم أوميلاس من لافتة طريق في ولاية أوريغون الأمريكية تحمل اسم «سالم» (Salem)؛ حيث كتبت سالم بشكل معكوس وأضافت حرف «O» لتصل إلى كلمة أوميلاس. وكلمة سالم كما تعلمون تعني «السلام».
تبدأ لي غين قصتها بالجمل التالية الرائعة المقتبسة من وليام جيمس؛ «لنفترض عالما يعيش فيه الملايين من الناس بسعادة طوال الوقت، ولكن بشرط واحد؛ يجب أن تكون في مكان بعيد روح ضائعة تعاني لوحدها، حتى لو شعرنا بالرغبة في تجربة السعادة المقدمة لنا للحظة، فإن أول شعور محدد ومستقل سنشعر به هو مدى قبح السعادة التي يتم الحصول عليها من خلال عقد مثل هذه الصفقة عن علم. كل المُثُل السامية والمثيرة للإعجاب هي ثورية، إنها تقدم نفسها كأسباب محتملة للتجارب المستقبلية وليس كآثار للتجارب السابقة».
لم تُخترع في العالم وسادة أكثر راحة من الضمير النظيف، إن فكر المحافظين الجدد والصهيونيين يتغذى على الألم والدم، ويعد سفك دماء الأطفال والنساء ضروريا للحفاظ على الفاهية والرخاء
بالفعل، توجد خلف كل الحضارات البراقة أرواح ضائعة تعاني من آلام مدمرة. وتقريبا كل المُثُل والأفكار السامية انبثقت من ألم ومعاناة هذه الأرواح الضائعة، ومن النفوس العظيمة التي ترفض تملق العار المبني على هذا الألم، حتى الصفقة القذرة التالية والتملق. يتكون تاريخ البشرية من تأرجح الناس بين التملق والتمرد على هذه الصفقة المشينة. العالم الحديث أنتج صناعة ضخمة من الأكاديميات ووسائل الإعلام والفنون التي تبرر هذه المساومات القذرة. هذه الصناعة تعمل بكل قوتها لإقناع كل فرد منا بقبول هذه المساومات باستخدام مفاهيم مثل، العقلانية والمصلحة والتوازن. في نهاية اليوم، وباستثناء بعض الاعتراضات الخافتة، نقبل جميعا هذه المساومات، وبينما نحن مشغولون بتذوق قطعة لحم شهية، نشاهد القنابل أمريكية الصنع التي تمزق أجساد أطفال غزة على شاشات التلفزيون، في مكان بعيد ومظلم، مثير للاهتمام ومثل ضوء «يشع» في ظلمة بعيدة عنا، لكن لدينا دائما بعض الأعذار، نملك بضعة «لكن…» نستخدمها لمواجهة صور الأطفال الممزقة، والآباء المحبطين، والأمهات الحزينات. وهكذا نُقنع أنفسنا مرة أخرى، أو يقنعوننا، بأن هذه السعادة التي نعيشها، المبنية على آلام الآخرين، هي حق لنا، حق مستحق. لكن في الواقع، لا يوجد سوى الرب وأنت في الكون.
هل تعرف الرب؟ لا أتحدث عن الآلهة المضحكة والهستيرية التي يبشر بها الكهنة والحاخامات والشيوخ الذين يجلسون على عروشهم، ويرسلون رماحا نارية إلى العالم، وإنما عن ربك. ذلك الإله الذي يسكن داخلك، في عروقك، في أعصابك، الذي يسكن قلبك، صوته هو ضميرك. أيا كان ما تسميه، أنا أتحدث عن الرب الذي يجعل حضوره محسوسا في قلبك مثل صوت ثابت، مثل الرنين، حتى تتمكن من الوقوف إلى جانب الواقع والحقيقة، والمظلومين وأصحاب الحق. لا تحتاج إلى مجلدات من الكتب والكنس والكنائس والمساجد والمعابد الفاخرة لتسمع هذا الصوت، وتقف في الجانب الذي يدعو إليه، لا يوجد سوى الرب وأنت في الكون.
لذا، أنت لا تحتاج إلى أحد سوى الرب، لكي تنظر بعينيه، وتتكلم بصوته، وتمسك بيده حتى ترمي الحجر على الشيطان، وتذرف الدموع على أطفال غزة الصغار الذين تمزق إسرائيل أجسادهم بالقنابل الأمريكية، لم تُخترع في العالم وسادة أكثر راحة من الضمير النظيف، إن فكر المحافظين الجدد والصهيونيين يتغذى على الألم والدم، ويعد سفك دماء الأطفال والنساء ضروريا لهم للحفاظ على رفاهيتهم ورخائهم. إنني أُقبّل أفئدة كل من ينظر بعيني الرب، وينصت لضميره، ويقف إلى جانب فلسطين ضد هذا الفكر الفاشي الدنيء.

*كاتب تركي
1