أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
"تصبحون على عودة"!!
بقلم : حسن عبادي ... 17.04.2018

هاتفني قبل ثلاثة أسابيع زميل الدراسة إبراهيم خلايلة بخصوص نشر مسرحيّة ألّفها بعنوان "أساطير الإنس والجانِ في دولة برهان الزمانِ"، سألته عن موضوعها فأجابني: "العودة". حاولت التشبيك بينه وبين جمعيّة أهليّة محليّة، إلّا أنّه، ولأسفي الشديد، تعذّر تحقيق ذلك بسبب شحّ الميزانيّات.
نظرًا لموضوع المسرحيّة لم يرد بالحسبان التوجّه إلى المؤسّسة الرسميّة، لذا تواصلت مع رجل أعمال فتحمّس للفكرة دون تردّد، مشترطًا تمويل طبع المسرحيّة ببقائه مجهول الهويّة لإيمانه بما قاله جبران خليل جبران عن العطاء: "هنالك الذين يعطون ولا يعرفون معنى الألم في عطائهم ولا يتطلّبون فرحًا ولا يرغبون في إذاعة فضائلهم، هؤلاء يعطون ممّا عندهم كما يعطي الريحان عبيرَه العطر في ذلك الوادي، بمثل أيدي هؤلاء يتكلّم الله، ومن خلال عيونهم يبتسم على الأرض. أمّا أنتم الذين يتناولون العطاء والإحسان -وكلّكم منهم- فلا تتظاهروا بثقل واجب معرفة الجميل لئلّا تضعوا بأيديكم نيرًا ثقيل الحمل على رقابكم ورقاب الذين أعطوكم، بل فلتكن عطايا المعطي أجنحة ترتفعون بها معه، لأنّكم إذا أكثرتم من الشعور بما أنتم عليه من الدين فإنّكم بذلك تظهرون الشكّ والريبة في أريحيّة المحسن الذي أمّه الأرض السخيّة وأبوه الربّ الكريم".
قيل "أعطني مسرحًا أعطك شعبًا عظيمًا"، فالمسرح هو الشرارة التي تُلهم الإنسان العطاء وتدفعه نحو الرقيّ الفكريّ، إلّا أنّ المسرح المحلّيّ يعاني من التضييق والتهميش بسبب شحّ الموارد ونقصها، إضافة إلى كونه بعيدًا عن الأجندة وسلّم الأفضليّات، رغم كونه محرّكًا أساسيًّا للحياة الثقافيّة.
صدرت المسرحيّة عن دار النشر الحيفاويّة "مجد" لصاحبها الفنّان ظافر شوربجي(تحوي في طيّاتها 60 صفحة، لوحة الغلاف: الفنان زياد حمّود; تدقيق لغوي: وسام دلال خلايلة). أمّا مؤلفها فهو إبراهيم خلايلة من مواليد قرية مجد الكروم الجليليّة، خرّيج الجامعة العبرية في القدس بموضوع العمل الجماهيريّ، أحد مؤسّسي فرقة "الحكواتي" المسرحيّة الفلسطينيّة والمسرح الوطنيّ الفلسطينيّ في القدس. شارك في التأليف الجماعيّ، كما شارك في التمثيل في أعمال فرقة الحكواتي المسرحيّة: "محجوب محجوب"، "جليليّ يا عليّ"، "ألف ليلة وليلة من ليالي رامي الحجارة"، "قصّة العَين والسنّ". إضافة إلى تأليفه مسرحية "تغريب العبيد" ومسرحيّة "العصافير".
تتناول المسرحيّة "العودة" كموتيف مركزيّ، فالمنافي البعيدة ومخيّمات الشتات تزخر بجموع من تَرَكُوا روحهم وديعة في أرض الوطن، يعدّون الأيام والسنين، يعيشون هواجس العودة، عودة الروح إلى الجسد. هو حنينٌ صاخب بالعودة إلى أسمائهم الأولى، كلّما سمعوا نشيدًا وطنيًّا يذكّرهم بغربتهم، يستيقظ الطفل فيهم وتسرقهم أحلام اليقظة بعيدًا الى مواكب السفن العائدة وهي ترسو على شواطئ يافا وحيفا وعكا، محمّلة بأفواج العائدين، يلاحقهم كابوسٌ مزمن: الخوف أن يغادروا هذه الدنيا قبل تحقيق العودة... كلٌّ إلى "راس عروسه".
كان منهم من عاد عودة مؤقّتة كانت أشبه بحلم ليلة صيفيّة، ومنهم من عاد عودةً إفتراضيّة من نسج الخيال. أمّا القسم الأخير فقد عاد إسمًا على شاهدٍ في مقبرة القرية..
إنّها الأمل الذي يحرّك المشاعر ويثير الشجون ويخفّف من مرارة الغربة ...إنّها زيت المصباح الذي ينير الطريق نحو الوطن... إنّها الأمنية الحزينة التي يردّدها أهلنا في المنافي والشتات: "تصبحون على عودة"... و"بالعودة"!
وأخيرًا،
عندما يشرب الضيف القهوة في الشتات يقول لمُضيفِه "بالعودة"! وبدوري أقول لإبراهيم: "بالعودة"!
* (من الجدير بالذكر أنه سيبدأ عرض المسرحيّة في منتصف شهر أيار المقبل بإخراج الفنّان منير بكري)

1
نبيل طربيه
23.04.2018 - 10:25 

ما احوجنا إلى مثل هذه المقالات التي تضع القارئ أمام أهم القضايا بل القضية بأل التعريف لما فيها من الآلام والآمال في آن معا وتحفز الأجيال الجديدة للبحث عن جذورها في هذا الزمان الذي نشهد فيه جهل أبنائنا بأهم قضاياهم والتي تعد مصيرية بامتياز ..بارك الله فيك أستاذنا العزيز حسن عبادي .وجزاك كل خير , كما لا بد من كلمة طيبة بحق أولائك الذين يمدون اليد الداعمة دون انتظارمقابل لا لشيء إلا لأنهم عبير الحدائق يعطون ويسعدون . لا يزال الخير فينا وسيظل ما شاء الله.