أحدث الأخبار
الخميس 10 تشرين أول/أكتوبر 2024
الشهيد ليس رقماً!!
بقلم : حسن عبادي ... 15.05.2023

زوّدتني الكاتبة الجليليّة أسمهان خلايلة بنُسخ من روايتها "طيور المساء" (159 صفحة، تصميم الغلاف: مبدّا ياسين، الناشر: دار الهدى للطباعة والنشر كريم 2001 م. ض – كفر قرع) لتشارك في مبادرتي "لكلّ أسير كتاب"، وفعلاً شاركت في الحلقة (134) (31 آذار 2022)؛ وكتبت في حينه: "تروي الكاتبة حكاية مجزرة كفر قاسم، تلك المذبحة التي نفّذها حرس الحدود الإسرائيلي في 29 أكتوبر 1956، غداة العدوان الثلاثي على مصر، ضد مواطنين فلسطينيين عُزَّل راح ضحيتها 49 قتيلًا، منهم ثلاثة وعشرون طفلًا دون الثامنة عشر، ومنهم نساء حوامل، وحاولت حكومة الكيان التستر على المجزرة ومنع نشرها.
تنهي الرواية على لسان أبو فارس: "الحمد لله، شوفي يا أمّ فارس ما أحلى جَمعة أهل بلدنا وضيوفنا! أشعر الآن أنّ الشهداء ينامون مطمئنّين في قبورهم، ولن تغيب شمس كفر قاسم!".
أخذتني قراءة الرواية ثانيةً للوحة تُزيّن حائط مكتبي بريشة صديقي الفنان ظافر شوربجي كُتِب عليها: "الموتى لا يرجعون إلى بيوتهم في المساء".
سأتناول بدايةً "لوحة الغلاف": يُعتبر الغلاف عتَبةً نصّية وعملًا موازيًا لمتن المؤلّف وأصبحت له وظائف ودلالات، وحين أمسك بكتاب أبدأ بتمعّن غلافه، ويجذبني ذاك الغلاف الذي يرتبط بالمضمون، وحين أنهيت قراءة الرواية ثانيةً تساءلت: هل قرأ الفنان مبدّا ياسين النص قبل تصميمه للغلاف؟ هل يدلّ على المجزرة و/أو كفر قاسم و/أو طيور المساء؟
تمعّنت بها جيّداً ولم أشاهد صورة مجموعة للطّيور العائدة ولا مساء ولا كفر قاسم؛ وجدت صورة عجوز تتوكّأ على عكّازها وكأنّي بها من النّاجين من المجزرة وشاهدة على الجريمة، تحمل مفتاحها الّذي يتدلّى من يدها ينتظر عودة مشتهاة، وصورة لقبر يُنبت شجرة تغذّيها جثث الشّهداء الّتي روت دماءهم تراب القبر ترافقه رائحة الموت ِ
إنّها صورة معبّرة ولكنها تصلح لمقام ومكان آخر، رسم الفنّان مبدّا ياسين لوحة جميلة ومعبّرة، ولكنّها تفتقد الطيور العائدة بالفرح والأمل بمستقبل أجمل، والمفاتيح جاءت مبتذلة ونشازاً.
التقيت يوم 18 نيسان في سجن نفحة الصحراوي بالأسير الرسّام جمال هندي وتناولنا فكرة رسم أغلفة الكتب، فكرة تصميم الغلاف وأهميّته كعتبة نصيّة، وتصميمه لغلاف كتاب "لماذا لا أرى الأبيض 2" للكاتب الأسير راتب حريبات، حيث قرأه مخطوطةً قبل التصميم وناقشناها معاً (اطلّعت على المخطوطة ولوحة الغلاف، والكتاب لم يصدر بعد) ووصلنا إلى نتيجة مفادها أنّه من الضروري للفنّان الاطّلاع على فحوى الكتاب وليس بندقة لوحة لغلاف كتاب لأنّها راقت للكاتب أو الناشر أو كوسيلة تسويقيّة. صِدقًا، لم أستوعب بعد تلك العلاقة بين لوحة الغلاف والرواية.
أما المحور الثاني فعنونته "الرواية التاريخيّة"؛ تُعبّر عن واقع تاريخيّ في خيال الروائي ليتحّذ من الأحداث ركيزة لإيصال رسالته بنصّ أدبيّ بعيد عن التكلّس في سرد الوقائع التاريخيّة التي تأتي جافة، فالرواية التاريخيّة عمل فنيّ يتّخذ من التاريخ مادة خامّة للسرد الروائي يشوبها الخيال والإبداع دون الالتزام بحذافير الأحداث، حيث تحمل الرواية تصوُّر الكاتب عن المرحلة التاريخيّة وتوظيفه لهذا التصوّر في حديثه عن ذلك العصر، فيتخّذ من التاريخ مرجعًا وركيزة لحبكته الروائية. ممزوجة بالخيال والإثارة.
وهنا وفقّت الكاتبة باختيارها موضوع الرواية، موضوع لم يُطرق كثيراً، بقي مغيباً ومهمّشاً، فجاءت لتضيء زوايا معتمة من مجازرنا، وهي كثيرة، ونكبتنا مستمرة، فالروايات ليست مجرّد كتب وأحداث خياليّة وتأريخ، والشعب الذي لا يملك أدبًا لا يملك تاريخًا ولا حضارة.
أما المحور الثالث فهو "العرس الجماعي" في الذّكرى الثّلاثين للمجزرة ووفاءً للشّهداء. دلالته رمزيّة، تولد الحياة من رحمها المقاومة، فالتجربة حارقة ومميتة، أهلنا لا ينهزمون تمامًا، بل يشحنون طاقاتهم من أجساد وأرواح من رحلوا ليُعبّدوا طريق الأمل والحريّة... فهناك حياة بعد موتهم، وهنا تكمن القدرة على التجدّد والاستمراريّة والقيامة من الموت للشعب الفلسطينيّ؛ مثل طائر الفينيق، وليصرخوا في وجه السفّاح، قاتل الأجنّة والأطفال والنّساء والرجال، أننّا هنا باقون، شوكة في حلوقكم، سنكبر ونتزوّج ونُنجب وستعود الطيور لتتجدّد الحياة.

لغة الرواية سلسة وتتبيلها بالأمثلة الشعبية جاء موفّقاً؛ "جاجة حفرت على راسها عفرت"، "الحكي مش مثل الشوف"، "اللي بوكل العُصي مش مثل اللي بعدّها"، "هون حكينا وهون طمّينا"، "هربنا من تحت الدلفة لتحت المزراب".
ملاحظات لا بد منها؛
كان من الحريّ تحرير الرواية وتنقيحها قبل النشر، فوقعت بعض الأخطاء المعرفيّة واللغوية/ المطبعيّة وكان بالإمكان تجنّبها؛
وقعت المجزرة يوم 29.10.1956 وليس في أواخر صيف عام 1956.
استعمال مصطلح "الكيان الصهيوني" عدّة مرات جاء مبتذلاً.
أخطاء لغويّة ومطبعيّة كثيرة.
استعمال الهوامش أثقل النص؛ فإمّا أنّ الكاتبة مستهترة بالقارئ وفهمه أو أنّها تفتقد الثقة بنفسها، وهي، بمعرفتي بها، ليس كذلك. وعلى سبيل المثال لا الحصر: "الربى واللبا" (ص. 15)، "شرايط" (ص.29)، "لوح الدراس" (ص. 30)، "تعاليل الأعراس" (ص.53)، "خُشّة" (ص.65)، "المُقريّة" (ص. 83)
استعمال اللهجة المحليّة للحوار لم يكن موفّقاً فغاب عن الكاتبة اختلاف لهجة أهل المثلّث الجنوبي وأهل الجليل.
وهناك تساؤلات لا بد منها؛
لماذا استعانت الكاتبة باسم عائلة فاطمة صرصور وباقي الأبطال بأسمائهم الشخصيّة فقط؟ لماذا "الإرضاع" علانية على الملأ (ص.75)، لماذا أخطأت في ذكر قرية بير السكة وكأنها مجاورة لكفر قاسم وهي تبعد عنها 37 كم؟ (ص.100، ص.103) وغيرها.
وأخيراً؛ راق لي جداً ما جاء في صفحة 12: "الشهداء يستحقّون أن تُدوّن أسماؤهم الحقيقية لترسخ في ذاكرة الأجيال. ويحفظها التاريخ". كنت قد قلت مراراً وتكراراً "الأسير ليس رقماً" وكذلك الأمر مع شهدائنا.
***مداخلتي في ندوة مناقشة رواية "طيور المساء" للكاتبة أسمهان خلايلة يوم الخميس 11.05.2023 في ندوة اليوم السابع المقدسيّة.

1