أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
عناد وتمرّد!!
بقلم : حسن عبادي ... 08.01.2020

قرأت رواية "عنيدة فتمرّدت" للكاتبة الجزائريّة إيمان محمد الشريف (الصادرة عن "دار خيال للنشر والترجمة" وتحتوي 186 صفحة ولوحة غلاف موفّقة) تحكي قصّة تمرّد جلنار وحربها الشعواء ضدّ تجّار المخدّرات ومروّجيها للانتقام منهم لقتلهم والدتها وحرمانها شبابها، حيث عاشت مع أمّها بعيدًا عن أبيها الذي تزوّج وعاش بعيدًا مع عائلته، تقرّر تعقُّب العصابة فتلتقي بوالدها وتسكن معه ليتحقّق انتقامها بالقبض عليهم ومحاكمتهم، وإنقاذ أختاها – ندى وهدى- من براثن المخدّرات والسموم.
كي تكون أديبًا، في يومنا، عليك أن تكون مثقّفًا، ولكي تكون مثقّفًا عليك أن تكون قارِئًا ثم قارِئًا ثم قارِئًا، وبعدها يمكنك الإمساك بقلمك وتخوض معترك نشر خواطرك؛ يبدو أنّ الكاتبة شاهدت مسلسلات وأفلام بوليسيّة لتبني عليها محور روايتها؛ هدف الرواية البوليسيّة الكلاسيكيّة هو معرفة الحقيقة، عَبر بطلها المحقّق، العبقريّ الذي يتقصّى الأحداث والشخوص لينجح في حل لغزها الجنائيّ، وعنصر التشويق هو العامل الرئيس ولكن هنا نجدها تستغني عن خدمات المحقّق الميتولوجي أمثال أرسين لوبين، هيريكيول بوارو وشرلوك هولمز، لتستبدلهم ببطلتها جلنار التي كانت الضحيّة!
يطغي عنصر الانتقام على الرواية، بطولها وعرضها، فيصير الضعف والموت مهمّشًا أمّا القوّة والبقاء للأقوى، وينتصر الانتقام والعناد والمُكر، "انتقام إمّا أن يكون نهايتي أو بداياتي".
تتناول الكاتبة ظواهر اجتماعية كالرشوة "لن تقوم بتوقيعها، أعطني المعاملة.. ما هذا؟ إنّها غير قانونيّة، أوراقها غير كاملة، وتحاول رشوتها حتّى تقوم بتوقيعها ..أخرج حالًا"(ص.15)، الفوارق الطبقيّة في المجتمع، فهي تصوّر الأغنياء بغناهم الفاحش مقابل الفقراء بفقرهم المدقع،
الفقر الذي يوّدي لمهنة "بائعة هوى"، النظرة النمطيّة لمن ترتدي الخمار أو النظّارة: "إمّا أنّها مشوّهة الوجه أو قبيحة"!، تهريب وتجارة السموم والمخدّرات "يجمعون أموال طائلة.. يستمتعون بملذّات الحياة على حساب بيعهم لسمّ قاتل يجعل المرء لا عقل له"، "سُلطة" رجال العصابات والعالم السفلي والمتعاونين معهم من المتنفّذين، فواسطتهم قويّة وملفّاتهم الإجراميّة تُغلق مقابل رشاوى.
نجحت الكاتبة، أحيانًا، من خلال الرسم بالكلمات لما يجول في خاطر بطلتها: "رسمتها بشمس مشرقة متفائلة.. وأحاطتها بسحب متناثرة حولها بحبّ.. وبعدها بدأت ترسم الأشجار والأزهار والورود.. والفراشات متطايرة.. والعصافير محلّقة بسعادة لا مثيل لها.. بوسط كل هذا طفلة بريئة.. بيديها باقة من الزهور الجميلة.. مبتسمة ابتسامة مذهلة.. متطلّعة إلى الفراشات والعصافير بسعادة طفوليّة بريئة" (ص.50)
لغتها بسيطة جدًا وسلسة، شاعريّة أحيانًا:
"إنها وردة رقيقة
رحيقها نعومة
شذاها شفافية
رقتها عذوبة
تأسر القلوب
وتسحرها
بنظرة من رموشها الطويلة
لها عطر
يسكن القلوب بخفية
فيصبح العطر هواء
تلك القلوب التي تتنفّس أنفاسها" (ص.103)
كذلك الأمر حين وصفت ساعة وفاة والدة جلنار: "أغمضت عينيها وفقدت الوعي، بكت الغيوم لأجلها عزفت الرياح معزوفة حزينة، سقطت أوراق الشجر متألّمة عليها، ذبلت الورود، انهمرت دموع العصافير، توارت الشمس خلف السحب، معلنة فصل جديد من الأحزان"(ص.116).
لجأت الكاتبة لطريقة البحث العلميّ، تلخّص أحداث الفصل المنتهي واستخلاص عِبَره، تبني الخطّة القادمة لتُخبر القارئ ما يتوجّب على بطلتها فعله وتُقدّمه لقمة سائغة لمتلّقيها لتتأكّد من أنّه يفهم ما ترمي إليه!
أقحمت الكاتبة بعض "القصص" الجانبيّة كمساعدة بطلتها لوردة وعائلتها الفقيرة بمعونة ماديّة وشراء "شقّة جميلة في حيّ رائع"؟!؟ وغيرها.
استعملت إيمان التكرار في الكثير من الحالات لتوصل فكرتها، وكأنّي بها تحاول أن تلقّنها للقارئ، كمعلّمة في مدرسة ثانويّة، دون لزوم، وتحاول تحليل شخوصها وخصائصهم "نرى هنا شخصيّة متهوّرة ولكن على الرغم من تهوّرها هناك روحا بقلبها رحيمة طيّبة...نرى امرأة متحديّة بدمها روح التحدّي.. لا يهمّها الزمن.. المهم أن تصل إلى مبتغاها" (ص. 79)، كذلك الأمر في نهاية الفصل الحادي عشر: "اعلم يا قارئي أنّ المرأة تختلف دائمًا عن مثيلاتها.. لأنّه ليس كلّ امرأة لا تحتفظ بالأسرار...ابقوا معي لنشاهد مزيدًا من شخصياتها، مزيدًا من جنون ذاك المجهول، مزيدًا من المعلومات عن أختيها.. مزيدًا عن مصير تلك العصابة" وكأنّنا نشاهد "برومو" لحلقة قادمة لمسلسل؟!؟ كذلك الأمر حين تقول: "نرى هنا امرأة خائفة.. سيطر عليها الخوف فجأة حين انهارت قوتها وثباتها وسقطت على أرض المعركة مهزومة وانتصر الخوف...لا تتعجّب من شخصيّة هذه المرأة، إنها موجودة في كلّ امرأة لأنّ الخوف جزء منها وبداخلها هي بحاجة لحماية رجل" (ص.124)!! وكأنّي بها تكتب رواية للفتيان.
تحاول الكاتبة بثّ المواعظ والنصائح للقارئ! فتتناول علاقة الأهل بالأبناء وتربيتهم، ومشاغل الجيل الشابّ، المساءلة العائليّة، النصح بالابتعاد عن السموم والمخدّرات. تصل تلك المواعظ أوجها حين تقول: "نصيحة أخويّة مني لكم جميعًا.. لا تكونوا مثلي ضعفاء الإيمان فيأخذكم الشيطان بيديه إلى الهاوية، لا تكونوا مثلي حين يئست من حياتي وبحثت عن شيء ينسيني كل شيء وتعاطيت المخدرات، لا تحاولوا تعاطيها... عزيزي القارئ كلمة أخيرة لك.. أنت في زهرة شبابك فلا تقتل هذه الزهرة بتعاطيك المخدرات فتقتل نفسك دون علمك" (ص.145). كذلك الأمر: "حافظي على نفسك لأنّك امرأة والمرأة شبيهة بالوردة المغلقة التي لا تعرف الفراشات لونها ولم تستنشق رحيقها، لا تدعي أي رجل يظنّك سهلة في متناول يده، لا تكشفي عن مظهرك الحقيقي كوني غامضة متستّرة بلباسك المحتشم لا تدعي أحدًا يراك ويتمتّع بجمالك لأنّه لا حق لأحد بذلك سوى زوجك...لا تقتلي قلبك ولا تظلميه" (ص.161).
تصول وتجول الكاتبة حولها فتجد المجتمع مصاب بِداء السموم والإدمان عليهما، أختاها وصِهرها، وتنادي بمحاربتهم وملاحقة تُجّارها ومًهرّبيها والمتعاونين معهم، فهم قتلوا والدتها لأنّها كشفت سرّهم، وحاولوا تدمير حياة أختاها، ممّا جعل بطلتها تتمرّد لتنتقم من أجل عالم أفضل ولجأت للنهاية السعيدة: تكشف الجريمة ومنفّذيها ليعاقبهم القانون، تنقذ بطلتها ندى وهدى من براثن المخدّرات، تتزوّج أمير الذي أحبّته وتصير أمًّا، تعود علاقة أمير بوالديه بعد قطيعة طويلة وتنتصر المرأة التي في داخلها "إنّها المرأة والمرأة غيّرت العالم بيديها وبهمس شفتيها".
سمّت الكاتبة بطلتها جلنار -زهرة الرمّان-؛ فتاة بسيطة عاركت الحياة ومصاعبها التي جعلتها عنيدة فلم تستسلم، تمرّدت وانتصرت، انتصار الخير على الشرّ، ورد اسمها 540 مرة!!! عبر صفحات الرواية بتكرار مُحبط ولو جاء ذكرها مرّة واحدة فقط لكان وقعها وأثرها وحضورها أكبر بكثير.
ملاحظات لا بدّ منها؛ أثارني واستفزّني التكرار والتفصيل المُمِل، مع شرحها المخبريّ، أحيانًا، وكأنّي بها لا تثق بقارئها وثقافته، ممّا عرقل سيرورة القراءة وكسر عنصر التشويق. حبّذا لو تجنّبت الأمر ويبدو أنّه نتاج كونها في البدايات ممّا قد يشفع لها.
قرأت الرواية بشغف، شدّتني وشوّقتني للتعرّف على المجتمع الجزائري، لكن أزعجتني الأخطاء النحويّة واللغويّة والإملائيّة - المطبعيّة فاختلط الحابل بالنابل مما ظلم الكاتبة. حبّذا لو تحوّلت دور النشر من مطابع تطبع كلّ ما يصلها دون تدقيق وتنقيح وتحرير إلى ناشر حقيقيّ يحترم الكاتب والقارئ...وضادنا.
*إيمان محمد الشريف كاتبة واعدة، ما زالت في البدايات، وبداية موفّقة.

1