كلما أعيد شريط الذكريات من حياتي أكتشف أن الأجمل منها ضاع في رمشة عين دون أن أنتبه لذلك، ضاع في أشياء تبدو لي الآن جد تافهة، وبدون معنى يذكر، ياله من إحساس ، عندما تكتشف بعد هذا العمر أنك كنت مجرد لاعب قمار هاو في طاولة قمار من حديد.
هل رأيتم كيف تجري الأمور في الحياة، بدء بالطفولة المنغمسة باللهو واللعب، مرورا بالدراسة وما يتطلب ذلك من جد وعزم، تم تأتي الجامعة لتتحول إلى طالب باحث عن الحقيقة من خلال بناء تصور إديولوجي جديد وأنت تعتقد اعتقادا راسخا أنك وحدك من يملك الحقيقة وتدافع عنها بكل عواطفك، وبعد ها تخرج إلى الشارع الكبير لتكتشف أن العالم أكبر منك ومن كل طموحاتك، فتكتشف مجتمعا مركبا، ناقما، وأسرة تنتظر منك تحقيق معجزة وأنت لاتملك سوى ورقة عبارة عن شهادة جامعية لاتسمن ولا تغني من جوع، ودولة عاجزة عن احتضانك، لأنها تفتقد إلى كل وسائل الإحتضان، دولة عاقر بالمفهوم البيولوجي وكل مشاريعها بعيدة كل البعد عن حقوق الإنسان.
ونحن ننتقل من مرحلة إلى مرحلة، ومن عمر إلى عمر، فأين الأجمل ياترى ؟
لم يكن لدينا الوقت لطرح هذا السؤال بهذا الشكل المرعب، فقد كنا نجري تائهين، نقفز من مكان إلى مكان كالفراشات نبحث فقط على أجمل زهرة، لنمتص رحيقها ونمضي بسلام، ولم نلتفت يوما إلى الوراء، ولم يكن لدينا الوقت حتى لنلتفت، لأننا كنا منشغلون بأشياء نعتقد اعتقادا أنها الأهم في حياتنا، فالرجل أو المرأة كانا يبحثان عن مايسميه الجميع بالمستقبل، هذه الكلمة الفضفاضة التي تدل على شيء سيتحقق من الأيام القادمة، وماذا سيكون؟ وكيف سيتم تحقيقه ؟ وهذه هي أكبر خدعة سنعيشها جميعا خلال مسار حياتنا الطويل، فنكتشف أن هذا الذي إسمه المستقبل هو مجرد محاولة بناء أسرة صغيرة جدا ، مكونة من مجموعة من الأفواه، والمطالب والتناقضات وعليك أن تتحول إلى بغل يتناوبون عليك في الركب وكل واحد بطريقته الغريبة الصماء.
اليوم، بعد كل هذه السنوات التي مرت دون أن نشعر بذلك، يبدأ الحديث عن أجمل العمر، فتختلف الآراء، فهناك من يقول لقد مرت تلك الفترة، وهناك من يسميها بالفترة الذهبية وهي أيام الشباب، لأنها فترة الجمال والقوة، وهناك من يعتبرها فترة الطفولة لإننا كنا نجري لانتوقف كالأحصنة، ولكن هناك من يعتبر أن سن الخمسين هو أجمل العمر، لأن فيه يكتشف الإنسان حقيقته في هذا الكون، فيحاول قدر المستطاع أن يسير في الظل لأنه هو الوحيد الذي يصاحبه في كل خطواته.
يبدو أن البحث عن أجمل العمر، هو مجرد لعبة من أجل التسلية الفكرية والعاطفية، لأن الحياة في الأول والأخير هي سلسلة من السنوات التي تمر بسرعة، و يكون العمر فيها يتحرك كالبهلوان في مرحلة تم يتحول إلى عاشق كاسر في مرحلة الشباب وكالحكيم في مرحلة النضج إذا توفرت الشروط لذلك، ويبقى أجمل العمر بالنسبة لكل واحد منا مجرد أمنية أو حلم ، وقد نعيش هذا العمر دون أن نشعر بذلك، لأن شوكة الحياة كانت أقوى، فنظل نتأوه ونتمنى، نفرح مرة ونبكي مرات، فينتهي العمر في لحظة دون أن ننتبه إلى الإشارات.
*كاتب صحفي مغربي
الأجمل من العمر!!
بقلم : عبد الكريم ساورة ... 06.05.2024