عام 1880 دارت معركة كبيرة بين القوات الأفغانية والجنود البريطانيين في سهل "مايواند" في أفغانستان، لم يشهد مثلها الاستعمار البريطاني من قبل، وكانوا قاصدين بها الاستحواذ على ولاية قندَهار الأفغانية.المعارك التي استمرت منذ 1839 إلى 1842 بين كل من الإمبراطورية البريطانية والراج البريطاني (الهند البريطانية)، وإمارة أفغانستان، عُرفت باسم "الحرب البريطانية الأفغانية الأولى"، وتلك التي نشبت مجدداً عام 1879 عرفت باسم "الحرب البريطانية الأفغانية الثانية".
حرب ثانية أيضاً وقعت بين بريطانيا وأفغانستان عام 1878 واستمرت إلى عام 1880. بدأت الحملة الأولى من هذه الحرب في شباط/نوفمبر عام 1878 بالغزو البريطاني لأفغانستان، حيث انتصر البريطانيون فيها بسرعة وأجبروا أمير أفغانستان آنذاك، شير علي خان، على الهروب. وفي أيار/مايو 1879 وقعت حرب أخرى وانتهت الحملة الثانية في أيلول/سبتمبر 1880 بهزيمة البريطانيين على يد محمد أيوب خان.
اقتحمت ملالي ميدان المعركة واتجهت نحو القوات البريطانية صارخة: "الله أكبر"، حتى أصبحت في طليعة المحاربين، وأخذت تهتف: "إذا لم تستشهد في مايواند، فحفظك الله للعار"
أما الحرب البريطانية الأفغانية الثالثة وقعت عام 1919 وتُعرف في أفغانستان باسم "حرب الاستقلال". بدأت هذه الحرب في 6 أيار/مايو 1919 عندما اجتاحت إمارة أفغانستان الهندُ البريطانية، وانتهت بالهدنة في 8 آب/أغسطس 1919، وقد أدت إلى استعادة الأفغان السيطرة على الشؤون الخارجية من يد بريطانيا، واعتراف البريطانيين بأفغانستان كدولة مستقلة.
*معركة مايواند
من أشهر المعارك التي انتصر فيها الأفغان خلال الحرب الثانية كانت معركة "مايواند"، التي وقعت في 27 تموز/يوليو 1880. دارت المعركة في منطقة تحمل نفس الاسم (مايواند) في ولاية قندهار جنوبي أفغانستان.
في ذلك اليوم قصدت القوات البريطانية والهندية الاستيلاء على ولاية قندهار، بهدف فصلها عن الأراضي الأفغانية. كان البريطانيون قد أعلنوا قبل ذلك في لندن أنه تم فصل قندهار عن أفغانستان، لتصبح ولاية مستقلة يحكمها شير علي خان (حاكم أفغانستان من 1863 إلى 1879). هذا الإعلان انعكس بقوة في أفغانستان، وأُعلن الجهاد ضد البريطانيين في البلاد. بعض الجنود الأفغانيين ذهبوا إلى سهل مايواند ليلاً ليبيتوا هناك، ويبدأوا المقاومة في الصباح الباكر.
وقعت المعركة بين الجيش الأفغاني تحت قيادة محمد أيوب خان (أمير أفغانستان من 1879 إلى 1880) نجل الأمير الأفغاني شير علي خان، والجيش البريطاني بقيادة الجنرال دونالد ستيوارت، وانتهت هذه المعركة بهزيمة قاسية للقوات البريطانية، رغم أنها بدأت بانتصار وتفوق البريطانيين.
في هذه المعركة، برز اسم فتاة تدعى "مَلالي مايواند". ملالي التي تعرف لدى الأفغانيين باسم "مَلاله" أيضاً، قامت بحثّ القوات الأفغانية على مواصلة المقاومة في المعركة، وقامت بسقي الجنود، ما جعلها بطلة وطنية وشعبية أفغانية، فباتت تُشتهر بلقب "جان دارك أفغانستان".
تم تأليف العشرات من الكتب في بريطانيا عن معركة مايواند، حيث تعتبر الهزيمة الكبرى والمفجعة خلال حكم الملكة فيكتوريا البريطانية. وإحدى الإشارات الشهيرة إلى هذه الحرب في الأدب العالمي هي إصابة "الدكتور واتسون"، الطبيب المعروف في حكايات رجل التحري شيرلوك هولمز، وموته، وقد ذكرها قبل ذلك كاتب الروايات البريطاني آرثر كونان دويل في روايته "دراسة في اللون القرمزي". أما بالنسبة للأفغان أنفسهم فيعتبر الانتصار في هذه المعركة نقطة حاسمة في تاريخ نضالهم ضد الاحتلال البريطاني.
*مَلالي مايواند
ولدت ملالي عام 1861 في قرية "خيج"، على بعد حوالى 3 أميال جنوب غرب مايواند. عندما كانت الفتاة في التاسعة عشرة من عمرها، اندلعت معركة مايواند، أكبر معركة في الحرب البريطانية-الأفغانية الثانية، أو حرب الأفغان ضد الاحتلال البريطاني لبلدهم. عائلة ملالي (نوري) كانت من العوائل الشهيرة وجيدة السمعة في المنطقة، حيث ما زالت هناك قلعة باسمها في سهل مايواند.
قضت ملالي نحبها في هذه المعركة على يد القوات البريطانية. ووفقاً لمصادر محلية، كان من المفترض أن يكون يوم معركة مايواند يوم زفاف ملالي، لكنه تحول إلى يوم وفاتها في سبيل الوطن
انضم والد ملالي الذي كان راعياً، وخطيبها، إلى جيش أيوب خان في معركة مايواند. وكما العديد من النساء الأفغانيات، شاركت ملالي في الحرب من خلال رعاية الجرحى، وتوفير المياه للمقاتلين. لكنها خلال المعركة، وعندما رأت تفوق البريطانيين على مواطنيها الأفغان، وحين لاحظت أن الرجال الأفغان سيخسرون المعركة، وحامل الراية يَسقُط، تقدمت للأمام ورفعت الراية. وتقول كثير من الروايات إنها استخدمت حجابها كعلَم، إذ مزقت قطعة من ثوبها، ووضعتها على السيف، ورفعته إلى الأعلى، وبدأت بالهتاف.
اقتحمت ملالي ميدان المعركة واتجهت نحو القوات البريطانية صارخة: "الله أكبر"، حتى أصبحت في طليعة المحاربين، وأخذت تهتف: "إذا لم تستشهد في مايواند، حفظك الله للعار"، و"إما أن نطرد الإنكليز من الوطن أو نضحي بأنفسنا من أجله"؛ الشعارات التي كان يرددها الجنود الأفغان في معاركهم ضد الاحتلال البريطاني. هتافات ملالي تركت ما تركت من آثار على المقاتلين لاأفغان الذين كانوا على وشك الهزيمة، فحثتهم على الصمود والعزيمة إلى أن انتصروا في النهاية على القوات البريطانية، واستعادوا قندهار من بريطانيا.
"قفز الجميع دون خوف من الموت، وخرجوا من حصونهم وهاجموا جيش العدو. أثناء ذلك سقط المقاتلون الأفغان على بعضهم بعضاً مثل أوراق الشجر في سهل مايواند، لكنهم تقدموا حتى استولوا على معقل العدو، ففرّ العدو من معقله وانتصر الأفغان. في هذه الحرب، قُتل حوالى 12 ألفاً من قوات العدو بسيف المقاتلين الأفغان. وهكذا أصبحت ملالي القوةَ الدافعة وراء الانتصار في حرب مايواند الشهيرة، وبذلك حفرت اسمها في قلب تاريخ نضال الشعب الأفغاني"، وفق مقال نشر من قبل موقع أفغان جيرمان أونلاين، وقد تم اقتباس مقاطع منه في مقطع فيديو منشور من قبل وكالة أفغانستان بريس.
أما ملالي فقضت نحبها في هذه المعركة على يد القوات البريطانية. ووفقاً لمصادر محلية، كان من المفترض أن يكون يوم معركة مايواند يوم زفاف ملالي، لكنه تحول إلى يوم وفاتها في سبيل الوطن.
بعد معركة مايواند تم تكريم ملالي من أجل جهودها، ودُفنت في قريتها، خيج، حيث لا يزال قبرها هناك، ويعتبره السكان المحليون ضريحاً يزورونه ويحيون ذكراها. كما أن هناك مدارس ومستشفيات ومؤسسات سميت باسم هذه البطلة الوطنية في أفغانستان، ويتم سرد قصتها في الكتب المدرسية الأفغانية، ويطلق الأفغان اسمها على بناتهم تكريماً لشجاعتها.
یذكر الباحث الأفغاني بوهاند عبد الشكور رشاد أن عائلة ملالي مازالت تسكن إلى اليوم في قرية "دخوغيانو كاريز" في سهل مايواند.
رفعت حجابها علَماً وقُتلت في يوم زفافها... جان دارك أفغانستان!!“
بقلم : خديجة حيدري* ... 12.09.2021
*صحفية ومترجمة إيرانية، عملت في وسائل إعلام إيرانية وعربية..**المصدر : رصيف22