حجة (اليمن) - تبلغ رندا من العمر ثلاث سنوات، لكن وزنها لا يتجاوز الأربعة كيلوغرامات، إذ تعاني الطفلة اليمنية من سوء تغذية حاد وخيم تفاقمه ظروف إقامتها في مخيم للنازحين في حجة في شمال اليمن، الغارق في المآسي.
وفوق ملاءة رمادية رقيقة على سرير حديدي قاس في خيمة والديها، تبكي رندا لطلب طعام غير متوفر، ثم تتوقّف للحظات لتلتقط أنفاسها بصعوبة والدموع تنهمر على خديها الصغيرين. تبكي مجددا، تتوقف للحظات، وتعاود الكرّة. لكن الطعام لا يأتي.
رندا، صاحبة السروال البرتقالي الفضفاض، واحدة من ملايين الأطفال اليمنيين الذين يعانون من ويلات نزاع دام على السلطة منذ أكثر من سبع سنوات بين قوات حكومية ومتمردين مدججين بالأسلحة يسيطرون على العاصمة ومناطق أخرى.
وحذّرت الأمم المتحدة مرارا من مجاعة كبرى تهدّد البلاد، لكن هذا الخطر بات أكثر قربا مع تراجع المساعدات التي تقدّمها الدول المانحة للمنظمات الإغاثية.
ففي إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي هذا الأسبوع، قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانيّة مارتن غريفيث إنّ أموال وكالات الإغاثة "تنفد بسرعة، مما يضطرها إلى تقليص برامج إنقاذ الأرواح".
وكانت الأمم المتحدة ناشدت الدول المانحة قبل نحو عام التبرع بسخاء لجمع مبلغ 3.85 مليار دولار لتمويل عمليات الإغاثة في أفقر دول شبه الجزيرة العربية، لكن مجموع التعهدات في مؤتمر دولي بلغ في النهاية 1.7 مليار دولار.
وأصبحت رندا، وملايين آخرين من المدنيين، أول من يدفع ثمن تراجع المساعدات. وتقول صالحة ناصر عن ابنتها "لم ينفعها أيّ دواء. جسمها لا يزال بهذا الشكل. كل مرة تزداد حالتها سوءا ونذهب بها إلى العيادة ولا يستقبلونها".
وأوضحت "يطلبون إرسالها إلى المستشفى ونحن لا نملك المال لتحمل نفقة المواصلات. ظروفنا صعبة للغاية. نحتاج إلى المساعدة لنذهب بها إلى مستشفى صنعاء" على بعد نحو 150 كلم جنوبا.
وفي مخيّم الخديش حيث تقيم رندا مع والدتها ووالدها العاطل عن العمل، تعيش أكثر من 2600 أسرة في خيم متناثرة فوق أرض قاحلة بعضها دون سقف، وسط فقر مدقع، وتحت وطأة الجوع وصعوبة إيصال المساعدات الإنسانية إليهم جرّاء الصراع.
وخيمة رندا، كغيرها من الخيام، عبارة عن مجموعة من الأقمشة المعلّقة فوق حبال في الهواء بطريقة عشوائية، وأمامها خزان مياه صغير، ومجموعة من قطع الحطب داخل حفرة صغيرة.
الاضطرابات التي تلوح في الأفق في خدمات المياه والصرف الصحي بسبب نقص الأموال يمكن أن تحرم تقريبا 3.6 مليون شخص من مياه الشرب الآمنة
وهناك المئات من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد في مخيمات النزوح بمحافظة حجة القريبة من الحدود السعودية والتي تشهد معارك متواصلة، بحسب مدير مديرية عبس القريبة من موقع المخيم، أحمد الأشول.
وبسبب الجوع، يصعب على الأطفال في المستشفى النوم، فوق أسرتهم المغطاة بالأقمشة البنفسجية. ويتعالى بكاء العديد منهم في غرفة مخصصة للذين يعانون من سوء التغذية، تضم نحو 20 سريرا، امتلأت عن آخرها.
وقال الطبيب "في بعض الأحيان نستقبل أكثر من 300 حالة في الشهر وهؤلاء هم من تمكنوا فقط من الوصول إلى المستشفى لأنه لا يزال هناك العديد من الحالات غير القادرة على الوصول إلى المستشفى" بسبب عدم امتلاكهم الأموال للتنقل.
وبحلول نهاية يناير الماضي، كان ما يقرب من ثلثي برامج المساعدات الرئيسية للأمم المتحدة قد تقلّص بالفعل أو أغلق بالكامل، وفقا لغريفيث وهو المبعوث السابق للأمم المتحدة إلى اليمن.
وكان برنامج الأغذية العالمي قرّر في ديسمبر الماضي تقليص الحصص الغذائية لثمانية ملايين شخص. وابتداءً من الشهر المقبل، "قد لا يحصل هؤلاء الثمانية ملايين شخص على طعام على الإطلاق، أو مجرد حصة مخفضة"، كما حذّر غريفيث.
وقد تضطر المنظمة الأممية في مارس "إلى إلغاء معظم الرحلات الجوية الإنسانية" في اليمن، مما قد يتسبّب في "مشاكل هائلة لعملية الإغاثة وتنقل موظفينا"، بحسب المسؤول الأممي. وتقول الأمم المتحدة إنّ سنوات الصراع والتدهور الاقتصادي ووباء كوفيد - 19 "دمرت اليمن".
وعانى 16.2 مليون يمني من بين نحو 30 مليونا، من انعدام الأمن الغذائي العام الماضي. وتتوقع المنظمة الأممية أن يعاني ما يقرب من 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، و"قد يموت 400 ألف طفل إذا لم يتلقوا المساعدة الإنسانية العاجلة والعلاج".
16.2 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي العام الماضي وقد يموت 400 ألف طفل إذا لم يتلقوا المساعدة الإنسانية العاجلة والعلاج
كما أنّ "الاضطرابات التي تلوح في الأفق" في خدمات المياه والصرف الصحي بسبب نقص الأموال "يمكن أن تحرم قريبًا 3.6 مليون شخص من مياه الشرب الآمنة ، مما يعرضهم - وخاصة الأطفال دون سن الخامسة - لخطر أكبر للإصابة بأمراض مميتة"، وفقا لغريفيث.
ويفاقم الجوع المعاناة الناتجة عن المعارك اليومية والتي ازدادت حدتها في الأشهر الأخيرة وسط تصعيد من قبل أطراف النزاع.
وتم الإبلاغ عن أكثر من 650 ضحية مدنية في يناير الماضي، بحسب الأمم المتحدة، ما يعني مقتل أو إصابة 21 مدنيا كل يوم. وهذه أعلى حصيلة ضحايا خلال ثلاث سنوات بحسب الأمم المتحدة.
وقال غريفيث لمجلس الأمن "تطارد الحرب الأشخاص في منازلهم ومدارسهم ومساجدهم ومستشفياتهم وأماكن أخرى يجب حماية المدنيين فيها".
وتابع "إذا لم تتم معالجة ثغرات (التمويل)، فسيكون ببساطة حكمًا بالإعدام على الأشخاص الذين استنفدوا آليات التأقلم والذين يعتمدون على المساعدة من أجل بقائهم على قيد الحياة".
الجوع يدفع بالملايين من اليمنيين إلى حافة الموت!!
بقلم : الديار ... 19.02.2022