أحدث الأخبار
السبت 14 كانون أول/ديسمبر 2024
هكذا خدع بشار الأسد الجميع في الساعات الأخيرة قبل فراره من سورية
بقلم : الديار ... 13.12.2024

لم يُطلع رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد أحداً تقريباً على خططه للفرار من سورية عندما كان نظامه يتداعى، بل اختار خداع مساعديه ومسؤولي حكومته وحتى أقاربه أو لم يتم إعلامهم بالأمر على الإطلاق، وذلك بحسب ما قاله أكثر من عشرة أشخاص على دراية بالأحداث لوكالة رويترز. فقد أكد بشار الأسد قبل ساعات من هروبه إلى موسكو، لنحو 30 من قادة الجيش والأمن في وزارة الدفاع في اجتماع يوم السبت، أن الدعم العسكري الروسي قادم في الطريق وحث القوات البرية على الصمود، وفقاً لقائد حضر الاجتماع وطلب عدم الكشف عن هويته.ولم يكن الموظفون المدنيون على علم بشيء أيضاً. فقد قال مساعد من دائرته المقربة إن الأسد أبلغ مدير مكتبه، يوم السبت، عندما انتهى من عمله بأنه سيعود إلى المنزل، ولكنه توجه بدلاً من ذلك إلى المطار قبل أن تصل إليه فصائل المعارضة السورية. وأضاف المساعد أن بشار الأسد اتصل أيضاً بمستشارته الإعلامية بثينة شعبان وطلب منها الحضور إلى منزله لكتابة كلمة له. وعندما وصلت، لم يكن هناك أحد.
ولم تتمكن "رويترز" من الاتصال بالأسد في موسكو التي منحته اللجوء هو وأفراد عائلته بقرار من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتظهر المقابلات التي أجريت مع 14 شخصاً مطلعين على الأيام والساعات الأخيرة التي قضاها الأسد قبل إسقاط نظامه وفراره من دمشق صورة شخص يبحث عن مساعدة خارجية لتمديد حكمه الذي دام 24 عاماً قبل أن يعتمد على الخداع والسرية للتخطيط لخروجه من سورية في الساعات الأولى من صباح الأحد الماضي.
وطلبت أغلب المصادر، التي تضم مساعدين في الدائرة الداخلية للرئيس السابق ودبلوماسيين إقليميين ومصادر أمنية ومسؤولين إيرانيين كباراً، حجب هوياتهم لمناقشة المسائل الحساسة بحرية. وقال المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي، نديم حوري، وهي مؤسسة بحثية إقليمية "لم يبد الأسد أي مقاومة. ولم يحشد قواته. لقد ترك أنصاره يواجهون مصيرهم بأنفسهم".
وقال ثلاثة مساعدين إن الأسد لم يبلغ حتى شقيقه الأصغر ماهر، قائد الفرقة المدرعة الرابعة، بخطة خروجه. وقال أحدهم إن ماهر غادر بطائرة هليكوبتر إلى العراق ثم إلى روسيا. وعلى نحو مماثل، ترك الأسد وراءه ابني خاله إيهاب وإياد مخلوف عندما سقطت دمشق في أيدي قوات المعارضة حسبما قال مساعد سوري ومسؤول أمني لبناني. وأضافا أن الاثنين حاولا الفرار بسيارة إلى لبنان لكنهما وقعا في كمين على الطريق نصبه مقاتلو المعارضة الذين أطلقوا النار على إيهاب وقتلوه وأصابوا إياد. ولم يرد تأكيد رسمي لوفاة إيهاب ولم تتمكن "رويترز" من التحقق من الحادث على نحو مستقل.
وقال دبلوماسيان إقليميان إن بشار الأسد فر من دمشق يوم الأحد الثامن من ديسمبر/ كانون الأول بطائرة اختفت من على الرادار بعد إغلاق أجهزة الإرسال والاستقبال، هرباً من مقاتلي المعارضة الذين اقتحموا العاصمة. وتوجه الأسد بالطائرة إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية في مدينة اللاذقية على الساحل السوري، ومن هناك إلى موسكو.
وكان أفراد أسرة الأسد، زوجته أسماء وأبناؤهما الثلاثة، في انتظاره بالفعل في العاصمة الروسية، بحسب ثلاثة مساعدين مقربين ومسؤول إقليمي كبير. وتشير مقاطع مصورة لمنزل الأسد، التقطها مقاتلو معارضة ومواطنون احتشدوا في المجمع الرئاسي بعد رحيله ونشروها على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أنه غادر على عجل، إذ ظهرت الأطعمة المطهوة التي تركت على الموقد والعديد من المتعلقات الشخصية التي تركها خلفه، مثل ألبومات الصور العائلية.
لن يكون هناك إنقاذ عسكري تقدمه روسيا، التي ساعد تدخلها في عام 2015 في تحويل مجرى الحرب لصالح الأسد، أو من حليفته الأخرى إيران. وقال أشخاص أجرت "رويترز" مقابلات معهم إن هذا الأمر اتضح لرئيس النظام السوري المخلوع في الأيام التي سبقت هروبه، عندما سعى للحصول على المساعدة من مختلف الجهات في سباق يائس للتشبث بالسلطة وتأمين سلامته.
وقال ثلاثة دبلوماسيين إقليميين إن الأسد زار موسكو في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد يوم من هجوم قوات المعارضة على محافظة حلب في الشمال، لكن دعواته للتدخل العسكري لم تلق آذاناً في الكرملين الذي لم يكن راغباً في التدخل. وقال رئيس الائتلاف الوطني السوري، هادي البحرة، نقلاً عن مصدر داخل الدائرة المقربة من الأسد ومسؤول إقليمي، إن بشار الأسد لم ينقل حقيقة الوضع إلى مساعديه. وأضاف البحرة "أبلغ قادته ومساعديه بعد زيارته لموسكو أن الدعم العسكري قادم، كان يكذب عليهم وكانت الرسالة التي تلقاها من موسكو سلبية".
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحافيين يوم الأربعاء إن روسيا بذلت الكثير من الجهود في المساعدة على استقرار سورية في الماضي، لكن أولويتها الآن هي الصراع في أوكرانيا. وبعد أربعة أيام من تلك الرحلة، في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول، التقى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بالأسد في دمشق. وبحلول ذلك الوقت، كانت قوات المعارضة بقيادة "هيئة تحرير الشام" قد سيطرت على حلب، ثاني أكبر مدينة في سورية، وكانت تتقدم جنوباً مع انهيار قوات النظام.
وقال دبلوماسي إيراني كبير لـ"رويترز" إن الأسد كان منزعجاً بشكل واضح خلال الاجتماع واعترف بأن جيشه ضعيف لدرجة لا تسمح له بأي مقاومة فعالة. لكن اثنين من المسؤولين الإيرانيين الكبار قالا إن الأسد لم يطلب مطلقاً من طهران نشر قوات في سورية، وأضافا أنه كان يفهم أن إسرائيل قد تستخدم أي تدخل من هذا القبيل كذريعة لاستهداف القوات الإيرانية في سورية أو حتى إيران نفسها. وامتنع الكرملين ووزارة الخارجية الروسية عن التعليق على هذا التقرير، في حين لم يتسن الحصول على تعقيب حتى الآن من وزارة الخارجية الإيرانية.
سقوط الأسد
رأى الأسد في نهاية المطاف أن سقوطه بات حتمياً وقرر الفرار لينتهي بذلك حكم عائلته الذي بدأ في عام 1971. وقالت ثلاثة مصادر مقربة منه أنه كان يرغب في البداية في اللجوء إلى الإمارات بعدما سيطرت المعارضة المسلحة على حلب وحمص وكانت تتقدم نحو دمشق. وأوضحت المصادر أن الإماراتيين رفضوا طلبه خوفاً من ردود الفعل الدولية على إيواء شخصية خاضعة لعقوبات أميركية وأوروبية بسبب اتهامات باستخدامه أسلحة كيميائية في القمع. ولم ترد حكومة الإمارات على طلب للتعليق بعد.
وقال دبلوماسي روسي طلب عدم ذكر اسمه إن موسكو لم تكن مستعدة للتخلي عن بشار الأسد رغم عدم رغبتها في التدخل العسكري. وذكر مسؤولان إقليميان أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي حضر منتدى الدوحة يومي السبت والأحد، قاد الجهود الدبلوماسية لتأمين سلامة الأسد عبر التواصل مع تركيا وقطر للاستفادة من علاقاتهما لتأمين خروج الأسد الآمن إلى روسيا. وقال مصدر أمني غربي إن لافروف فعل "كل ما في وسعه" لضمان رحيل الأسد بسلام.
وقالت ثلاثة من المصادر إن موسكو نسقت أيضاً مع دول مجاورة للتأكد من عدم اعتراض أو استهداف طائرة روسية تغادر المجال الجوي السوري وعلى متنها الأسد.
ولم تتمكن "رويترز" من التواصل مع "هيئة تحرير الشام" للتعليق. وقال مسؤول حكومي تركي إنه لم يكن هناك طلب روسي لاستخدام المجال الجوي التركي لصالح رحلة الأسد، رغم أنه لم يتطرق إلى ما إذا كانت أنقرة قد عملت مع "هيئة تحرير الشام" لتسهيل خروجه.
وقال محمد الجلالي، آخر رئيس وزراء في عهد الأسد، إنه تحدث معه عبر الهاتف يوم السبت في العاشرة والنصف مساء. وتحدث الجلالي في تصريح إعلامي حول المكالمة الأخيرة بينه وبين الأسد قائلا "أخبرته بصعوبة الأوضاع وأن هناك نزوحاً شديداً من مدينة حمص باتجاه اللاذقية وأن هناك آلاف السيارات التي تغادر حمص باتجاه الساحل السوري وأن هناك حالة من الهلع والرعب في الشارع". وأضاف الجلالي "قالي بكرة بنشوف". وأوضح أنه حاول الاتصال بالأسد مجددا بحلول فجر الأحد لكنه لم يرد.
(رويترز، العربي الجديد)

1