رغم مرور أكثر من شهر ونصف على إسقاط نظام الأسد في سورية، وزوال السبب الرئيسي لنزوحهم، لا يزال الآلاف يقيمون في مخيم الركبان الواقع عند المثلث الحدودي بين سورية والأردن والعراق في منطقة صحراوية، وغالبيتهم لا يستطيعون العودة إلى منازلهم كونها مدمرة، أو لضعف إمكانياتهم المادية مقارنة مع تكاليف رحلة العودة.
ويتطلع نازحو الركبان، كما الكثير من النازحين في مخيمات شمال غرب سورية، للعودة إلى مناطقهم، لكنهم يشعرون بأن ظروف حياتهم في المخيمات لن تختلف كثيراً عن الحياة في مدنهم وبلداتهم، كون معظمهم لا يملكون بيوتاً صالحة للسكن، الأمر الذي يجعلهم يتطلعون للحصول على مساعدات لترميم البيوت أو ينتظرون إعادة الإعمار.
وتشير الإحصاءات إلى أن نحو 8 آلاف نازح سوري كانوا يعيشون في مخيم الركبان، فيما لا يعرف بعد عدد من غادروه بعد إسقاط نظام الأسد.
ينوي النازح أحمد غنام الذي ينحدر من ريف حماة، مغادرة المخيم بعد انتهاء فصل الشتاء، نظراً لصعوبة ترميم منزله المدمر حالياً، إضافة إلى تكاليف النقل المرتفعة. ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه كان يتوقع دخول قوافل من المنظمات الإنسانية والهلال الأحمر السوري لمساعدة النازحين، والمشاركة في نقلهم، لكن هذا لم يحدث، متسائلاً: "إذا كانت ظروف عيشنا ليست محط اهتمام هذه المنظمات فما هي طبيعة عملها؟".
ويؤكد فاضل العبود، المنحدر من قرية قريبة من مدينة السخنة بريف حمص الشرقي، أن العودة مرهونة بوجود مسكن، ويقول لـ"العربي الجديد": "مع زوال الحصار، السكن في البيت الطيني أفضل من السكن في بيت متهدم، أو منطقة تملؤها الألغام. المنطقة قرب السخنة خطرة للغاية، وأترقب حلول الصيف كي أعود لأرمم غرفتين في منزلي للسكن، وأملنا أن تحدث انفراجة في المستقبل. مجرد التفكير في أن البيت الطيني في المخيم أفضل من بيتي يزعجني، لكن ما باليد حيلة. أعتقد أنه مع عودة الناس إلى مناطقهم ستتوفر الخدمات، وتعود القرى إلى الحياة، بينما هي الآن مساكن أشباح وخراب".
بدوره، غادر فيصل العبد المخيم بعد سنوات من البقاء فيه. ويقول لـ"العربي الجديد": "الحياة في مخيم الركبان أشبه بالكابوس، فالحصار المفروض جعلنا نعاني من فقر مدقع، ومن نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية. كنا نعيش على الحد الأدنى من الأساسيات، ومعاناة الأطفال والنساء كانت تفطر القلوب. قررت العودة إلى تدمر (وسط) رغم كل المخاطر، لكني صدمت عندما وجدت منزلي مسروقاً، ولم يتبق فيه شيء. رغم ذلك، يظل العيش في منزلي المسروق أفضل من العيش في خيمة لا تحميني من برد الشتاء أو حر الصيف، على الأقل أشعر بشيء من الأمان والاستقرار رغم كل الألم".
يضيف العبد: "لا يزال آلاف النازحين في الخيام نظراً لكون منازلهم في القرى والبلدات التي ينحدرون منها مدمرة، وهم عاجزون عن استئجار منازل جديدة، والغالبية يعانون من صعوبات مالية تمنعهم من الوصول إلى مناطقهم".
ويقع مخيم الركبان في منطقة صحراوية قرب الحدود السورية الأردنية، ويعد واحداً من أكثر مخيمات النزوح صعوبة من حيث الظروف المعيشية، وقد تم إنشاؤه في عام 2014، وكان يسكنه عشرات آلاف النازحين الذين فروا من مناطق سيطرة النظام السوري ومن تنظيم داعش.
يقول محمود شهاب، الذي كان يقيم في المخيم، لـ"العربي الجديد": "جرت موجات خروج عدة من المخيم، لكن ما يعرقل العودة حالياً هو التكاليف المرتفعة للنقل، والتي تصل إلى نحو 10 ملايين ليرة سورية، بينما أوضاع النازحين متردية، وأغلبهم لا يملكون المال أو الإمكانات. بعض الخدمات لا تزال متوفرة في المخيم، مثل الفرن، والمستوصف، والشرطة لا تزال فعالة".
يتابع شهاب: "جميع العائلات النازحة لا ترغب بالبقاء في المخيم، لكن بعضها لا يملك بديلاً، لا سيما من فقدوا منازلهم، ومن لا قدرة لهم على استئجار منزل. نطالب المنظمات والجمعيات الإنسانية والخيرية بمساعدتهم عبر نقلهم إلى أماكن سكن أفضل، أو تقديم مساعدات نقدية لهم".
وبرزت خلال الأيام الأخيرة مبادرات اجتماعية، لا سيما من أهالي ريف حمص، لمساعدة أقربائهم المقيمين في المخيم على العودة، شملت جمع مساعدات وتبرعات، ونقل أمتعتهم من خلال السيارات الخاصة. يقول الناشط عمر الحمصي لـ"العربي الجديد"، إن "مبادرة مدنية يقوم عليها أشخاص من تدمر، ويتم دعمها من أفراد يقيمون خارج سورية، تكفلت بتغطية تكاليف أجور نقل بعض العائلات. ينبغي توسيع هذه المبادرات لتفكيك المخيم في أسرع وقت ممكن، ونقل النازحين منه إلى أماكن يمكنهم العيش فيها ضمن ظروف إنسانية".
وعانى سكان مخيم الركبان خلال السنوات الماضية من تفشي الجوع والأمراض والحرمان، وتقطعت بهم السبل بعد أن حاصرتهم قوات النظام المخلوع من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) من جهة أخرى، ثم تفاقمت الأمور عندما أغلق الأردن حدوده في 2016، لمنع تدفق اللاجئين السوريين.
الفقر والدمار يمنعان نازحين سوريين من مغادرة مخيم الركبان!!
بقلم : حسام رستم ... 27.01.2025
*المصدر : العربي الجديد