أحدث الأخبار
الخميس 06 آذار/مارس 2025
رايخ» ترامب: الرئيس يريد إسقاط النظام!!
بقلم : حسام الدين محمد ... 06.03.2025

يتخيّل فيلم «حرب أهلية»، للمخرج أليكس غارلاند، حصول حرب أهلية في أمريكا بعد رفض رئيس التخلّي عن السلطة. تتمرّد عدة ولايات أمريكية ضد الرئيس، ويتحوّل الصراع على السلطة إلى حرب أهلية تبدو مشاهدها في الفيلم وكأنها مأخوذة من سوريا ما بعد الثورة، التي جرت على نظام بشار الأسد، فتتفكك الولايات المتحدة، وتسيطر ميليشيات أهلية، وتقع أحداث عنف وحشية، لينتهي الفيلم بمصرع الرئيس.
فتحت الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب المجال لأحداث كانت تبدو خيالية في السابق، وكان أحدها فعلا هو التمهيد لرفض ترامب التخلّي عن السلطة، فقد أعلن مستشاره السابق، وأحد أهم منظّري اليمين المتطرّف في العالم، ستيف بانون، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، أن الرئيس الأمريكي «يستطيع الترشح لولاية ثالثة»، بل إنه توقع أن يقود ذلك إلى سيطرة اليمين على البلاد لخمسين سنة مقبلة، وهي طريقة مموهة، على ما يبدو، لتوظيف فكرة «قائدنا إلى الأبد» التي نحتها النظام السوري لتأليه رئيسه المتوفى حافظ الأسد.
تلقف ترامب الفكرة، رغم تناقضها مع دستور الولايات المتحدة، وأعادها مؤخرا طارحا فكرة ترشحه لولاية ثالثة في 2028، متبعا ذلك بعبارة على صفحته على منصة «تروث» التي يملكها، قال فيها: «يحيا الملك»، كما نشر مقطع فيديو أشار فيه إلى «إنشاء رايخ موحد»، بعد فوزه بالرئاسة، في إحالة إلى دعاوى «الرايخ» النازي، ووعد أدولف هتلر أتباعه، باستمرار هذا الحكم لألف عام!
انتبه الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان، إلى هذه المسألة في حوار أجرته معه صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخرا قائلا إن ترامب «يريد أن يصبح رئيسا مدى الحياة»، وعقّب وزير العمل الأمريكي السابق روبرت رايش على تصريحات الرئيس بالقول إن «الخيار الآن هو بين الديمقراطية أو الديكتاتورية»، فيما طالبت نائبة جمهورية تدعى لورين بويبرت زملاءها، في المقابل، بـ»التجمع وراء الرئيس ترامب لتأمين فترة ولايته الثالثة».
إعادة الرئاسة الإمبراطورية!
رأى كتاب آخرون اتجاها لانقلاب كبير في السياسة الأمريكية والعالمية، وقد استعان إدوارد لوس، في مقال رأي في «فايننشال تايمز»، بجملة من لينين، زعيم ثورة 1917 البلشفية الروسية، يقول فيها، إن عقودا من الزمن لا يحصل فيها شيء وإن أسابيع تحصل فيها عقود. ما يحصل حسب لوس هو أن ترامب يلغي الإصلاحات التي قامت بها الدولة الأمريكية لضبط تصرّفات المخابرات، والشرطة الفيدرالية، والأمن الداخلي. يعيد ترامب «الرئاسة الإمبراطورية» ويطوّع أجهزة الدولة لحسابه، خالصا إلى أنه خلال عشرين يوما من حكمه تبدو الأمور وكأن واشنطن السابقة صارت مثل العهد الملكي قبل الثورة الفرنسية، كما أنه يسمح لنفسه وعائلته بالتربّح من كونه رئيسا.
لاحظ الصحافي الأمريكي كريس هدجيز تشابهات في الطريق الذي يسلكه ترامب مع «الحركات الثورية» على اليمين أو اليسار، التي تقوم بتفكيك البنى البيروقراطية السابقة، مذكرا بما فعله النازيون في ألمانيا والبلاشفة في روسيا. بعد استيلائهم على السلطة، حيث قاموا بتطهير عنيف لمؤسسات الدولة لأنهم رأوا في تلك المؤسسات عدوا لهم يعرقل سيطرتهم المطلقة على السلطة.
قامت إدارة ترامب، حتى الآن، بطرد الموظفين المسؤولين عن التحقيق في أخطاء الحكومة، وتطهير وكالات المخابرات الخارجية والشرطة الفيدرالية ووزارة الأمن الداخلي ممن يعتبرون معادين لترامب، وأطلق الرئيس الأمريكي عملية «إعادة تنظيم واسعة» لوزارة الدفاع، فأقال ضباطا كبارا، وعمل على تسريح آلاف الموظفين، وبدأ طور إرضاخ القضاء، وأكبر إنجاز تم في هذا الأمر هو ارتفاع عدد القضاة المحافظين في المحكمة العليا، ما ساهم في تأمين حصانة قانونية لترامب من الدعاوى ضده، والمساعدة بالتالي في انتخابه.
«الدولة العميقة» لعبادة القائد!
ما يجري حسب هيدجز هو طرد الموظفين الذين يطبقون القوانين والبروتوكولات والقواعد التي تعيق السيطرة الديكتاتورية، لإعادة تشكيل «الدولة العميقة» لخدمة عقيدة عبادة القائد. يذكّر اقتراح عضو الكونغرس الجمهورية كلوديا تيني باعتماد «قانون تأسيس عيد ميلاد ترامب ويوم العلم»، كعطلة فيدرالية للاحتفال بالأمثلة التاريخية لزعماء الأنظمة الديكتاتورية، ولا يصعب تخيّل أن تكون المسيرات الرسمية المنسّقة، التي كرّستها تلك الأنظمة، مع رفع الصور العملاقة لترامب، الزعيم العظيم صاحب شعار «ماغنا» (لنجعل أمريكا عظيمة مجددا)، ستكون الخطوة التالية.
حجر الزاوية القانوني لهذا التفكيك للدولة نظرية صاغها قاض في المحكمة العليا تقول إن كل شيء غير مصنف كسلطة تشريعية أو قضائية يجب أن يكون منوطا بالسلطة التنفيذية التي يمكنها تنفيذ جميع قوانين الولايات المتحدة خارج كل ما لم يسند صراحة للكونغرس، أو القضاء. وهذا، كما يقول هيدجز، «تبرير قانوني للديكتاتورية»، وأن فيه أصداء من الماضي النازي، حين استخدم «قانون استعادة الخدمة المدنية المهنية» في عام 1933 لطرد المعارضين السياسيين غير الآريين من الخدمة المدنية.
تطبّق سياسات ترامب «مشروع مؤسسة التراث 2025»، ومنها تسريح عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين واستبدالهم بموالين، وإضعاف الحمايات العمالية وحقوق الموظفين الحكوميين، وقد تم تسليم راسل فوت، أحد المهندسين الرئيسيين لهذا المشروع مكتب الإدارة والميزانية. تعتبر الانتخابات أسّ الديمقراطية، وبمقاييس التصويت، يرى جاريد دايموند، في كتابه «ثورة: كيف تأقلمت أمم مع الأزمات والتغيير»، أن أمريكا بالكاد يمكن اعتبارها ديمقراطية، وحسب كل المقاييس تقع أمريكا في قاع البلدان الديمقراطية، التي تتميّز باتجاه سياسي متعاظم لجعل قسم كبير من السكان لا يصوّتون، فعلى عكس الديمقراطيات الأخرى التي تقوم هي بتسجيل الناخبين (في ألمانيا كل البالغين يستلمون بطاقة تعلمهم بموعد الانتخابات التي يمكنهم التصويت فيها). في أمريكا تاريخ طويل لمنع جماعات بأكملها من التصويت. أكبر هذه الجماعات كانت النساء (بدأ السماح لهن بالتصويت عام 1919)، والأفارقة الأمريكيين، والأقليات والمهاجرين، الذين تعددت الطرق لمنعهم من التسجيل (مثل سجل الضرائب، والقراءة، ومنع التصويت لمن لم يكن جده ناخبا مسجلا!).
تاريخ طويل من انحدار الديمقراطية
لفهم تداعيات هذا يشير دايموند إلى أن الإجراءات الانتخابية في أمريكا تتحكم فيها الإجراءات الحزبية المحلية، ولفهم أثر ذلك يمكن التذكير بنتيجة شطب 100 ألف صوت محسوبة على ناخبين ديمقراطيين في ولاية فلوريدا، خلال انتخابات عام 2000 ما أدى لفوز جورج بوش (الذي قاد بلاده لحرب على العراق وأفغانستان) على آل غور (الذي كانت لديه أجندة جذرية مناهضة للاحترار العالمي)!
بعد قانون الانتخاب لعام 1965، زاد عدد المسجلين الأفارقة الأمريكيين من 31% إلى 73% وزاد عدد المنتخبين منهم في الولايات المحلية من 500 إلى عشرة آلاف، ولكن المحكمة العليا الأمريكية قامت في عام 2013 بوقف هذا القانون بحجة حصول ذلك التقدم في تسجيل الأفارقة الأمريكيين!
يمكن فهم الاتجاه السياسي الأمريكي الحالي، من خلال الإحصاءات التي تفسّر أثر علاقات القوة على الانتخابات على تخوم الغنى/ الفقر، البيض/ الأفارقة الأمريكيين والمهاجرين والنساء: 80% من الأمريكيين أصحاب الدخل العالي يصوّتون مقابل 50% من الأمريكيين أصحاب الدخل المنخفض.
العامل الآخر الذي يدفع بالديمقراطية الأمريكية إلى الانحدار هو، الارتفاع الهائل في تكاليف الحملات الانتخابية، ما جعلها محكومة بشكل متزايد بتأثير الشركات الكبرى وعمالقة المال، وهو ما شهده العالم بصيغ مذهلة في تأثير أباطرة المال، مثل أيلون ماسك، على النتائج، وصولا إلى تحكمه المباشر في كل تفاصيل الحكم في أمريكا. يضيف دايموند عوامل أخرى، منها أن الحراك الاجتماعي ـ الاقتصادي في أمريكا، أي قدرة الفقراء على تسلّق السلم الاجتماعي ـ الاقتصادي، هو الأقل بين الديمقراطيات في العالم.
على عكس ما هو شائع، فإن الاستثمارات في مستقبل الأمريكيين تتراجع بحدة، في التعليم (12 ولاية أمريكية تنفق على السجون أكثر من التعليم وأجور المعلمين في أمريكا أقل من أي ديمقراطية أخرى)، والبنى التحتية، والأبحاث غير العسكرية. تشرح هذه العوامل، أسباب الانحدار الديمقراطي في أمريكا، وتفسّر جزئيا أسباب صعود ترامب لكنها لا تجيب على سؤال: هل صوّت الأمريكيون لإنهاء ديمقراطيتهم وإبدالها بسلطة مطلقة؟

1