يكفي أهل غزة ما يلمسوه من ابتسامات ويسمعوه من كلمات الثناء ممن يلتقونهم في أسفارهم من مختلف الشعوب، فبمجرد أن يُعلن الفلسطيني أنه من غزة فإنه يستقبل سيلاً من عبارات التضامن مع مقاومة غزة التي عجز جيش الاحتلال على قهرها، لكن العبارات تلك يفتقدها الفلسطيني الغزي إذا ما دفعته الحاجة لإتمام معاملة عبر إحدى سفارات فلسطين حول العالم، حيث يواجه معاناة شديدة فقط لكونه من غزة، فيسعى مضطراً للبحث عن سبيل داخل السفارة لإتمام معاملته.
إحدى النماذج هي المعاملة التي يتلقاها مسافرو غزة من سفارتهم في القاهرة، حيث تقف السفارة عاجزة أمام احتجاز العشرات منهم لساعات أو أيام في قبو مطار القاهرة، فيشعرون بأنهم أيتام لا أب لهم، فيتعامل معهم مندوب السفارة وكأنه ممثل للخارجية المصرية وليس الفلسطينية، وكأن خدمتهم ورعايتهم ليست من مهام تلك السفارة، كما أن عجز السفارة عن الضغط على السلطات المصرية لإعادة فتح معبر رفح الذي يمثل شريان حياة غزة، واكتفائها بإطلاق بيانات صحفية حول جهودها المضنية لفتح معبر رفح لا يقنع الفلسطيني الذي لا يلمس أثرا فاعلا لتلك السفارة على أرض الواقع.
الحال داخل غزة لا يختلف كثيراً، فمنذ ثمانية سنوات والسلطة الفلسطينية تنتهج ثنائية في تعاملاتها بين الضفة وغزة، حيث تجبي ضرائب باهظة من تجار غزة قاربت السبعين مليون دولار شهرياً بحسب صحيفة الرأي الحكومية بتاريخ 13/05/2015م، في مقابل إعفاءات ضريبية لمواطني الضفة كالإعفاء الذي أقرته السلطة الفلسطينية لمزارعي الضفة قبل أيام، بينما المواطن الفلسطيني لا يلمس أثراً لأية خدمات حكومية في غزة، فتفاقم المشكلات الخدماتية بدءاً من المياه غير الصالحة للشرب والنقص الحاد في الأدوية التي وصل تعدادها إلى 118 صنف دوائي مفقود تماماً من مستشفيات غزة، مروراً بمشكلة حرمان آلاف الغزيين من جوازات السفر، وليس انتهاءً بمشكلة انقطاع الكهرباء التي تضاعفت تكلفتها بسبب ضريبة "البلو" التي تجبيها السلطة الفلسطينية من غزة، وفي ذات الوقت نجد ذات السلطة قد أعفت عددا كبيرا من أهالي الضفة من أثمان الكهرباء المستحقة قبل سنوات قليلة.
هذه الأمثلة تشير إلى تمييز واضح من قيادة السلطة الفلسطينية في تعاملها مع أهل غزة مقارنة بأهل الضفة المحتلة. لكن العنصرية السياسية تجاه غزة ازدادت حدّتها بعد تسلم حكومة التوافق الفلسطينية مسئولياتها في حزيران الماضي، فقد أحجمت تلك الحكومة عن القيام بأي خطوة من شأنها تخفيف حصار غزة، كالعمل على فتح معبر رفح أو صرف مرتبات أربعين ألف موظف حكومي من غزة، فأصبح الغزيون فعلياً بلا حكومة ووزارات غزة بلا وزير وبلا موازنة تشغيلية، ولم يسمع فلسطينيو غزة عن اهتمام السلطة الفلسطينية بهم سوى حين بدأ الحديث عن إعادة إعمار غزة فسارعت السلطة بالتأكيد على وجوب مرور الإعمار من خلالها، في إشارة إلى الضرائب الإضافية التي ستجبيها تلك السلطة من عملية إعمار غزة.
عنصرية السلطة الفلسطينية بحق غزة دفعت قسراً العديد من أهل غزة للتفكير في تبعات انفصالها عن الضفة، حيث أصبح المواطن الفلسطيني يتساءل عن البدائل التي تكفل رفع الحصار، وتوفر حياة كريمة لمليوني فلسطيني في غزة، وبات بعضهم يتساءل ما الضير في إعلان كيان أو دولة في غزة ؟ ولماذا يتم تعليق طموحات جيل فلسطيني كامل في غزة على شماعة مصالحة بات كثيرون مقتنعين بإحجام رئيس السلطة الفلسطينية عن تطبيقها.
التمييز الذي تمارسه السلطة الفلسطينية تجاه غزة يثير ريبة حول نواياها من إلقاء مسئولية غزة عن كاهلها، وهنا نشير إلى ما أوردته صحيفة القدس العربي في سبتمبر الماضي حول عرض الرئيس المصري المعروف بعدائه الشديد لحماس على رئيس السلطة الفلسطينية فكرة إقامة دولة في غزة وجزء من سيناء مقابل التنازل عن حدود 1967، ما يعني بأن فكرة فصل غزة تُثار من قِبل أنصار السلطة الفلسطينية وليس أنصار المقاومة.
واقع الحال يؤكد بأن الفلسطينيين في غزة لا زالوا متمسكين بحق العودة إلى ديارهم في صفد وحيفا ويافا وبنهج المقاومة سبيلاً للتحرير، إلا أن ذلك لا ينفي حلمهم بإقامة كيان حر مستقل يرعى شئونهم دون تمييز، ويكفل عيشاً كريماً لأبنائهم.
التمييز ضد غزة ... خطوة نحو الانفصال!!
بقلم : ماجد الزبدة ... 13.05.2015
إعلامي فلسطيني