مسكين معبد «بل»، وأخيرا وصلته يد «داعش» الإجرامية، فهيا للأساطيل والجيوش، واتركوا الأسد بحاله الآن، فلا وقت إلا لإنقاذ ما تبقى من»بل»!
أدعو الذين يتباكون على التراث الإنساني، وعلى آثار تدمر التي تهدم وتفجّر أن يتوقفوا لحظة عند كلمة «إنساني»، ربما نسي بعضهم أن الإنسان أغلى من التحف التاريخية، مهما كانت قيمتها المعنوية والمادية، وأنه يجب الحفاظ على دم الإنسان أولا وقبل أي شيء. أما الذين لا تهزّهم مشاهد السوريين وهم يُدفنون أحياء تحت أنقاض بيوتهم، فهؤلاء شركاء في الجريمتين، جريمة قتل السوريين وتشريدهم، وكذلك جريمة هدم الآثار التاريخية.
عندما يتباكون على آثار تدمر، ثم يقولون «إن بقاء الأسد في السلطة هو جزء من الحل»! فإن موقفهم هذا يشير إلى ما في نفوسهم من حسابات لا تمت للإنسانية بصلة، بل هي في جوهرها عنصرية ودنيئة!
من لا يرون أن دماء مئات آلاف السوريين تستحق الغضب لأجلها، ثم يذرفون الدموع على معبد «بل»، من واشنطن إلى موسكو مرورا بأوروبا! هذا يقول، إنهم في أعماقهم لا يقيمون وزنا للإنسان عموما وللعربي والمسلم خصوصا، هذا يعني أنهم يقولون «اذبحوا بعضكم البعض، ولتعش مصالحنا وترتوي من دمائكم!
هذا يقول إن مصالحهم تتقاطع مع مصالح العصابة الحاكمة، وإنه لا يهمهم أن تستمر الحرب عقودا أخرى، فاستمرارها خير لهم، لأنها سوق لا تشبع من أسلحتهم ومناوراتهم وحسابات نفوذهم.
من لم يهزّهم اختناق واحد وسبعين إنسانا في شاحنة تهريب، من رجال ونساء وأطفال، ولم تهز ضمائرهم لحظات الرعب التي مر بها هؤلاء البشر، وهم يشعرون كيف يموتون مع أحبائهم لحظة بعد لحظة حتى حل الصمت المطبق على جميعهم، في ظلمة صندوق الشاحنة، هؤلاء الذين لم تستفز مشاعرهم فاجعة بهذا الحجم الإنساني، فليبلوا مشاعرهم تجاه «بل» وليشربوها.
نعم يجب حماية «بل» وغيرها من آثار وفنون وتاريخ بشري، ولكن ماذا مع حماية الإنسان!
ألا يهزّكم نزوح ملايين السوريين إلى البحار والظلمات ووقوعهم تحت رحمة عصابات القتل والعنصرية! ألا يحرك ضمائركم أطفال يتشردون بين قطارات أوروبا والأسلاك الحدودية الشائكة، بينما كل همكم هو بقاء الأسد في السلطة «كجزء من الحل»، لقد طلعت روائحكم النتنة أكثر من قمامة بيروت.
نعم «داعش» مجرم بحق البشر والحجر، ولكن هل أنتم أفضل أو أقل إجراما منه! الأرقام تقول إنكم مجرمون أضعافا مضاعفة وليس فقط في قتل الناس، بل في تدمير ونهب الآثار أيضا في العراق (مثل نهب المتاحف أمام عيون الجيش الأمريكي) ثم في سوريا!.
من يدفن آلاف السوريين تحت الأنقاض والنار والغازات السامة بطيرانه، أكثر وحشية ممن يهدم تمثالا من الطين! من يحتجز عشرات آلاف السجناء السياسيين ويعذب بعضهم حتى الموت، أو يرغم المعارضين على الهرب من بلادهم، لا يقل إجراما عمن يقطع رأس أسير أو يحرقه.
من منع إقامة منطقة عازلة لحماية المدنيين السوريين منذ البداية، بل وزوّد نظام الإجرام بطائرات حديثة لتقتيل شعبه، هو شريك في الجرائم، وعندما يتباكى على الآثار ويجند أساطيله، فهدفه بالتأكيد لا يمت للإنسانية بصلة!
من يقولون إن محاربة «داعش» هي الأولوية القصوى قبل البتّ بمصير الأسد، هؤلاء لا يبحثون عن حل، بل عن حرب تستمر لعقود أخرى كي تستمر مصالحهم.
شعار أولوية محاربة «داعش حق» يراد به باطل، يراد به تجاهل جرائم الأسد وجرائم داعميه، ومنحه غطاء وفرصة لاستعادة قواه.
إذا كان «داعش» لا يعرف معنى المسؤولية أو الرحمة ويقتل ويضطهد الأقليات ويتاجر بالنساء! فهو عصابة! فماذا معك يا رئيس الدولة «المنتخب»! أنت متحضر وفي قلبك رحمة وعاقل، أنت علماني متنور ولست ظلاميا، أنت درست في بريطانيا طب العيون ومنفتح، تحافظ على حقوق الأقليات وحقوق المرأة! هذا يعني أنك مسؤول أكثر من رئيس عصابة على الأقل!
بإمكان الأسد وقف النزيف، بالإعلان عن استعداده للاستقالة وتسليم مقاليد الأمور لحكومة انتقالية لوقف الحرب الأهلية، أن يعلن على الملأ « إذا كانت استقالتي ستوقف الدمار والتهجير وإذلال السوريين! فأنا مستعد للاستقالة»! بإمكانه أن يعلن» إذا كان الخلاف بين روسيا وأمريكا والسعودية وإيران وقطر ودول الخليج وأوروبا هو أن أبقى أو لا أبقى في رأس سلم الحكم خلال الفترة الانتقالية، فأنا ولأجل شعبي أعلن استقالتي، فالمهم وقف هذا النزيف»!. طبعا هذا لو كان زعيما حقيقيا، ولكنه ليس كذلك ولن يكون.
كلما مال الأسد وآل للسقوط دعموه بضراوة من هنا وأخرى من هناك، تقاطعت مصلحة واشنطن وموسكو وطهران وتل أبيب وأنظمة عربية بأن يبقى الأسد، فصاحوا «محاربة داعش هي أولوية قبل البت بمصيره»، هذا حتى يستنزف ما تبقى من موارد شعبه، وحتى يزرع المزيد من الأحقاد بين مركبات الشعب لمئات السنين، ويركع أكثر وأكثر لداعميه، وحتى يختنق حلم أي عربي يفكر بالحرية. ورغم كل هذا، فالشعوب لن تعود إلى القمقم، قد يعرقل البكاؤون على «بل» مسيرتها نعم، وربما خلطت جرائم النظام و»داعش» الأوراق! ولكن في النهاية لا بد أن تحقق الشعوب الحرة أحلامها طال الزمن أم قصر.
موتوا كلكم وسلامة معبد "بل"!!
بقلم : سهيل كيوان ... 03.09.2015