تكالبت الدنيا على الشعب السوري الابي من كل صوب وحدب، وعظم الخطب ،وزلزلة الارض من تحت اقدام السوريين حتى غدوا بلا مأوى يقيهم حر الشمس وبرودة الليل، والشتاء على الابواب. ان معاناة الشعب السوري اليوم أشبه، بل ربما اكثر ايلاما وقسوة مما تعرّض له الشعب الفلسطيني عام النكبة(1948)، على ايدي العصابات الصهيونية ومناصريها من عرب وعجم وقتها .
ان مأساة الشعب السوري اليوم ،لن يبالغ احد في وصفها "نكبة"، لما اوقعت من خسائر في الارواح ،يقال انها قاربت مليوني قتيل وجريح من ضمنهم حوالي 300 الف قتيل، عدا المفقودين والمعتقلين ،إضافة الى تهجير اكثر من سبعة ملايين لاجئ سوري، غالبيتهم العظمى الى تركيا ثم الاردن ولبنان ومئات الآلاف منهم فضّلوا الهجرة الى اوروبا في هجرة جماعية نادرة من نوعها، يقدّر المختصون، ومنهم الالمان ،تعداد اللاجئين المتوقّع وصولهم الى بلادهم بحوالي المليون.
ان مأساة السوريين لم تتوقف عند هذا الحد فقط ،بل وصل الامر الى حدوث دمار كامل تقريبا لمدن وقرى سورية كثيرة ، اضافة الى تخريب البنى التحتية فيها ،وقطع الطرق ،وحرق المحاصيل واتلافها ،وتلويث البيئة، مما اضرّ كثيرا بمتطلّبات الناس الاساسية، وقطع ارزاق من بقي صامدا او محاصرا في وطنه، ناهيك عمّا لحق ولا يزال بقضية التعليم وبقاء اجيال من ابناء السوريين بعيدا عن مقاعد الدراسة، مما سيزيد نسبة الامية في المجتمع السوري وتأخّره علميا وحضاريا.
لكن الخطير في الامر، رغم مرارة وقسوة ما سلف ،الاحتلال الروسي الجديد لسوريا بذريعة الدفاع عن نظام الاسد الحليف الاستراتيجي لموسكو، الذي كما يبدو وجد الفرصة سانحة للتدخل دفاعا عن مصالحه الاستراتيجية في الشرق الاوسط واهمها الاحتفاظ بقواعده العسكرية على الاراضي السورية ،ووجود دائم للروس في حوض المتوسط ،أي في المياه الدافئة.
الاحتلال الروسي البغيض هذا جاء مصداقا لمقولة "النكبة السورية" ،فسوريا اليوم والغد ،بخاصة بعد التأكد من وجود قوات روسية (يقال ايضا ايرانية)على الارض ، غدت دولة محتلة ،وهذا يعني في المصطلح السياسي فقدانها لسيادتها الكاملة على اراضيها ،بل ايضا دولة فاشلة كما هو حال الصومال والعراق ولبنان وغيرها .
ان التدخّل العسكري الروسي هذا في الشأن السوري الداخلي ،قد يؤدي الى فتح باب تدخلات اجنبية اخرى في المستنقع السوري، مثل تركيا وايران والكيان الاسرائيلي، وربما ايضا ما يعرف بدول التحالف التي تدعي ان مهمتها في سوريا والعراق تقتصر على محاربة تنظيم الدولة الاسلامية "داعش"، تلك الدول، وعلى راسها الولايات المتحدة التي عبّرت عن امتعاضها ورفضها لما تقوم به روسيا من ضربات جوية في سوريا.
ان الخاسر في كل هذه المعادلة هو الشعب السوري، الذي خسر الغالي والرخيص ،وغدا العوبة لدى صناع القرار في الدول العظمى ،ودافعا لعقد المؤتمرات والظهور الاعلامي لقادة وزعماء ، فالشعب السوري المنكوب هذا يحتاج لعشرات السنين حتى يستعيد عافيته، بل هو امام خيارات كثيرة افضلها مر، فبقاء الاسد في السلطة مدعوما بالروس والايرانيين وغيرهم خيار كارثي له، فرحيله اصلا مطلب الثورة ابتداء، ورحيل الاسد ووصول المعارضة او الثوار الى الحكم لن يغيّر كثيرا في الخارطة السياسية السورية ،وانما سيكرّس سياسة المحاصصة والتبعية للغرب، واقصاء القوى الشريفة والخيّرة في المجتمع السوري وعلى رأسها القوى والحركات الاسلامية كما حصل في مصر ،وليس مستغربا غلبة مشروع دعاة التقسيم الطائفي ايضا في سوريا.
هي نكبة اذن حلّت بالشعب السوري، بعدما بدأت ثورة على الظلم والقهر والفساد والمحسوبية والتواطؤ السياسي والامني مع الكيان الاسرائيلي، سيتعافى منها السوريون لكن بعد حين ،أما جرحها فلن يندمل !!
النكبة السورية!!
بقلم : د.ابراهيم أبو جابر ... 07.10.2015