تناولا طعام الإفطار في مطعم يقع في مجمع (شارون) _ الإسم يُذكرنا باسم المجرم شارون قاتل الأطفال في ( قبيّة)، وغيرها_ ونفذا عمليتهما بعد أن تناولا طعام الإفطار، ومن مزايا هذه العملية الجسورة أنها تقع في حزيران، ونحن نستذكر (حزيران) في هذه الأيام، والهزيمة المهينة عام 67، وضياع ما تبقّى من فلسطين، والجولان، وسيناء...
انتشى قادة الكيان الصهيوني ( بمأثرتهم) العسكرية ، فداوود يصرع جوليات..وهكذا يواصل المشروع الصهيوني المغروس في قلب الوطن العربي، المتغذّي من وقائع يؤسطرها، ويتعيّش عليها، ويعمل على تحويلها إلى حالة انكسار نفسي في نفوس ملايين العرب..عدوانيته التي تستدعي ردعها بفعلنا نحن العرب، وليس بالقرارات الدولية غير المجدية، وغير العادلة.
لكن المفاجأة تقع: يتقدم الفدائي بسلاحه المتواضع، ويباغت جنرالات العدو، وكيانه الذي اقتنع بوهم التفوّق، وتبدأ مسيرة مقاومة فدائية..ما زالت متواصلة.
حرب تشرين 1973 أعادت بعض الاعتبار المستحق للجندي العربي، فقد تمرّغ غرور جنرالات جيش العدو في رمال سيناء، وأوحال الجولان، وثلوج جبل الشيخ...
ولكن الإنقاذ ينتشلهم من صدمتهم.. بما اقترفه السادات الذي تعامل مع حرب تشرين ( كمعركة) تحريك تقرّبه من أميركا، وتخرج مصر بقيادته من ( بحرها) العربي، وانتمائها، ونهجها التحرري الناصري...
عندما ( رُحلت) الثورة الفلسطينية من بيروت، بعد معركة مجيدة تواصلت قرابة الثلاثة أشهر، فرك المتآمرون على قضية فلسطين أيديهم، وتنفسوا الصعداء، وفي المقدمة منهم قادة الكيان الصهيوني و حكّام السعودية_ كان فهد السعودي صاحب المبادرة التآمرية التي حملت اسمه، ورفضتها الثورة الفلسطيني في مؤتمر قمة فاس 81 _ واستبشروا بأن الثورة الفلسطينية انتهت، والمقاومة أقفل ملفها، وزمن استخدام قضية فلسطين لتأجيج حركات المقاومة، وشعارات التحرر، ومعاداة الكيان الصهيوني، وأمريكا، وقوى الرجعية العربية ..قد انتهى!
مُزقت قوات الثورة الفلسطينية، وشُرّدت أشلاء في بلاد العرب، وهكذا خيل لمعسكر الأعداء أن قضية فلسطين، الدينمو الموّلّد في عقول وضمائر ملايين العرب..قد انتهت تماما!
لكن الانتفاضة الفلسطينية ( الكبرى) انفجرت بزخم أذهل الكيان الصهيوني، وأبهر العرب المؤمنين بعروبة فلسطين..وأحبط المتآمرين عليها!
ولأن قوى الشر المتآمرة على فلسطين، وعلى قضايا الجماهير العربية، لا يمكن أن تستسلم، فقد حفرت من وراء ظهر شعب الانتفاضة، واستثمرت خطيئة احتلال الكويت، و..الحرب على العراق، وما لحق به من دمار، وحالة الانقسامات العربية..فكان مؤتمر ( مدريد)..ومن ثم ، دُبّر ( اتفاق) أوسلو من وراء ظهر الشعب الفلسطيني، وضيعت الانتفاضة، وبدأت ( رحلة) الركض وراء الأوهام ، و..ضربت فيما بعد انتفاضة الأقصى وبددت من أجل مواصلة الركض وراء سراب ( سلام الشجعان)..واستفحلت المتاهة.
جاء الانقسام هدية كبرى للاحتلال، وتمزيقا لصفوف شعبنا داخلاً وخارجا، وانضاف له انكشاف ما سُمي بالربيع العربي عن مأساة كبرى أدخلت أقطارا عربية في سنوات ظلام تكفيري، تحديدا في سورية، ترعاه أمريكا، وتموله السعودية وقطر، وتدعمه عسكريا وسياسيا تركيا، وينتفع به الكيان الصهيوني ( المتعاطف) إنسانيا مع ( المجاهدين) رافعي راية الخلافة و..دولة الإسلام!!( يقدم لهم العلاج، والخبرات، والمعلومات عن الأهداف العسكرية السورية التي يطلب منهم تدميرها..خدمة للأهداف المشتركة!!)
في زمن السواد المهيمن بغيومه في سماء الوطن العربي، اندفع الكيان الصهيوني في تهويد القدس، والاستيلاء على ما ( تبقّى) من الأرض في الضفة الفلسطينية، وزجّ الألوف في السجون، رجالاً، ونساءً، وأطفالاً..بحيث وصل رقم من سجنهم منذ احتلاله للضفة الفلسطينية 800 ألف مواطن فلسطيني!!
فجأة_ ودائما يفاجئ الشعب العربي الفلسطيني أعداءه، وأصدقاءه_ اندفع فتيه وفتيات من القدس، حيث لا يتوقع العدو، وأخذوا يضربون جنود الاحتلال والمستوطنين بسكاكينهم..ومع تصاعد هذه العمليات المبهرة الفردية، ولكن المتواصلة، حملت الانتفاضة الجديدة عنوانا لها: انتفاضة السكاكين...
عمليات إعدام علنية اقترفها جنود الاحتلال المسعورون، حرق بالنبرين لفتيان، وبيوت.اقترفها المستوطنون..والعالم صامت، وعرب التآمر على سورية، وليبيا، والعراق، ومصر، وتونس..سادرون في تآمرهم، وإجرامهم، وفلسطين لا تعنيهم، وشعبها الثائر،( يستحق) برأيهم ما يعانيه، لأنه سبب كل الحركات الثورية في بلاد العرب، وهو مسبب وجع الرأس لهم!
بعد عدّة أشهر، وشراسة في القمع، وغالبا قتل مواطنات ومواطنين لا يحملون السكاكين بهدف بث الذعر في نفوس الفلسطيني، وبعد مشاهد إهانات لسيدات فلسطينيات، وأطفال وطفلات..بشّر قادة الكيان ( جمهورهم) بأن انتفاضة السكاكين باتت وراء الظهر، وإمعانا من نتنياهو( لجمهوره) أحضر لهم وزيرا للدفاع البلطجي ليبرمان ليزيدهم طمأنة...
عملية البطلين محمد أحمد موسى مخامرة وابن عمه خالد محمد موسى مخامرة، وفي قلب ( تل أبيب)، وبالسلاح المصنوع يدويا، ودخولهم من الضفة إلى قلب الكيان الصهيوني، وتنفيذهم للعملية قرب وزارة دفاع العدو، ورغم كل حراساته، وأجهزته الأمنية، دفعت نتنياهو للتعبير عن صدمته، وأخرست البلطجي ليبرمان..فهذا ( الاستقبال) الفلسطيني الصفعة له ما كان متوقعا البتة!
لكن أي فلسطين، وآي عربي مؤمن بالمقاومة، وأي قارئ لتاريخ عرب فلسطين المقاوم منذ مطلع القرن العشرين حتى يومنا..بالتأكيد كان يسخر من تصريحات جنرالات العدو المُحتل المطمئنة بأن مرحة الإرهاب بالسكاكين قد انتهت!
دخل المقاومان الفلسطينيان مرتديين بدلتين بربطتي عنق، وهما شابان متعلمان، أحدهما يدرس الهندسة في جامعة مؤتة في الأردن..وتناولا طعام الإفطار في مجمع ( شارون)، وترحما على الشهداء الذين سبقوهم، وهتفا بصمت باسم فلسطين وعروبتها..ونهضا وشرعا في إطلاق رصاص غضبها على من طمأنهم جنرالاتهم بأن انتفاضة القدس قد أخمدت بعنف جنود وأجهزة الاحتلال والمستوطنين.
هذه العملية الجسورة الاقتحامية رسالة لعدّة أطراف:
أولاً للاحتلال: لا بقاء لاحتلالكم، والمقاومة لن تتوقف، فضلا عن إنها لن تهزم، وستجعلكم تعيشون دائما في قلق وعجز وارتباك...
ثانيا: للرجعيين العرب تتقدمهم أسرة آل سعود المطبعين مع الكيان الصهيوني علنا وبصفاقة: لن تتمكنوا من الاحتماء بالكيان الصهيوني، فهذا الكيان ( أوهى من بيت العنكبوت)..وأنتم مهزومون في كل موقع حللتم فيه، من سورية إلى اليمن إلى فلسطين، مرورا بلبنان المقاومة..وأنتم مفضوحون في كل ما تقترفون من المخازي، وآخر فضائحكم في هيئة الأمم، وهو ما كشفه بان كيمون عن ابتزازكم المالي تجنبا لكم من الإدانة بقتل أطفال اليمن...
ثالثا: فلسطينيا داخليا: نحن لن نبقى أسرى الانقسام، والمقاومة لن تتوقف، وأوسلو لم يعد علينا سوى بالخراب، والمقاومة ستتواصل...
رابعا: للعالم: شعب فلسطين لن يستكين، والتفرج عليه وهو يُقتل يوميا لم يحرك الضمائر، ولذا لن ننتظر شفقة أحد، وكل الحلو المطروحة لن تمر، لا ( المباررة السعودية ) المسماة بالعربية، ولا المبادرة الفرنسية التافهة، ولا أي مبادرة تنتقص من عروبة فلسطين، ومن حريتها وحرية شعبنها..
المقاومة خيارنا: نقطة أول السطر.
العملية الجريئة في( تل أبيب): المقاومة مستمرّة...!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 10.06.2016