بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 19.05.2009
بالأمس القريب تحالف الغرب مع العرب، مع إيران، وإسرائيل ضد العراق، وحشدوا عليه القوات، وهاجموه ضمن قوى التحالف الدولي الهادف إلى رد العراق عن احتلال الكويت، ولجم عدوانه، ولكن هذا الحلف العربي الإيراني الإسرائيلي الغربي ضد العراق ظل قائماً رغم اندحار الجيش العراقي من الكويت، ولم يقف أمر التحالف الغريب المشوه عند هذا الحد، بل تعدى ذلك إلى حصار العراق العربي ذي الغالبية المسلمة كل تلك السنوات العجاف التي جاع فيها العراقيون، وضجّوا، لتجيء الغزوة الأمريكية الثانية مدعومة بالتحالف العربي، والإيراني، والإسرائيلي، ومن مفارقات الزمن أن تدخل القوات الأمريكية الغازية مدينة بغداد العرب، وسط تهليل العرب والمسلمين وتكبيرهم على نصرهم المظفر على العراق، لترفرف راياتهم على مدنه المدمرة، وعلى جثث أبنائه الممددة في الشوارع.
لا ينكر عاقل على وجه الأرض أن المستفيد الأول من قصم ظهر العراق، وقضم أطرافه هم اليهود في دولة إسرائيل، الذين قطفوا ثمار النصر ميدانياً، وسياسياً، وعقائدياً، وهم يفرطون عناقيد عنب دولة عربية شكلت بعبعاً مخيفاً لهم، ويعصرونها خمراً في شرابهم المقدس دون أن تتلوث أيديهم، أو تشوه صورة حلفائهم بمشاركتهم المباشرة، فقد اكتفوا بالتحرك من وراء الكواليس، ولا يهمهم ذلك؛ ما دامت النتائج المرجوة قد تحققت، ليتحقق معها تطور القدرة اليهودية في إسرائيل على صناعة الأحلاف، وتحديد أهدافها، وأوليات عملها، وترتيب أعضائها، وحشد المؤيدين لها، والمتعاطفين معها، والمنظرين، والمدافعين عنها، لقد أضحت الدولة العبرية صاحبة الخبرة الأولى في العالم في صناعة الأحلاف.
الحلف الجديد الذي تسعى الدولة العبرية إلى تشكيله في المنطقة بزعامة "نتانياهو" يستهدف إيران كعدو إستراتيجي لإسرائيل، يجب القضاء عليه، والحد من تطوير قدراته النووية، ومنافسته للدولة العبرية، لذا فهي تسعى بكل الطرق لإثارة الدول العربية ضد إيران، بل توظيف التخوف العربي من إيران في تشكيل الحلف الجديد، فصارت تقترح، أو تشترط لحل القضية الفلسطينية أن يعلن عن تشكيل هذا الحلف العربي الإسرائيلي على الملأ، مع تواصل الحرص على تكبير الخلاف الثانوي بين العرب وإيران، وتغليبه على الصراع الرئيسي مع إسرائيل، الصراع الذي يصفع وجه العرب كل يوم على خدهم الأيمن، والأيسر.
قد تنجح إسرائيل في صناعة حلفها، وقد تضرب إيران بأيدي عربية، وسلاح عربي، وبالمال العربي، أو بالتحالف الغربي العربي، وليس مهماً لإسرائيل من سينتصر، المهم هو أن العرب سيدفعون الثمن، ولا يقطفون الثمر، والأهم هو أن اليهود في الدولة العبرية سيقطفون ثمار التدمير، وثمار إعادة التعمير، ليهللوا، ويقبلوا حائط مبكاهم، ويبجلوا كتبهم الدينية "التناخ" و"التلمود" اللذان منّا على الشعب اليهودي بالنصر تلو النصر على الغرباء الأعداء.