بقلم : صالح النعامي ... 27.07.2009
يمكن تفسير قرار الحكومة الإسرائيلية إقامة المزيد من الأحياء الإستيطانية في مدينة القدس المحتلة تحديداً بعيد يوم على مطالبة الإدارة الأمريكية بوقف الأنشطة الإستيطانية في المدينة المقدسة وبقية مناطق الضفة الغربية على أنه تحدي مدروس يهدف إلى تحقيق عدة أهداف في آن معاً. فمما لا شك فيه أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرر خوض لعبة إنزال الأيدي في مواجهة الرئيس باراك أوباما على إعتبار أن الإنتصار في هذه المواجهة يضع حداً لقدرة أوباما على التدخل في قضية المستوطنات. وقد كان واضحاً أن نتنياهو استجاب لنصائح الكثير من مستشاريه وعدد من كبار المعلقين الإسرائيليين الذين أوصوه بتحدي أوباما وحسم المواجهة معه في وقت مبكر. ومن العوامل التي شجعت نتنياهو بشكل خاص على تحدي أوباما على هذا النحو السافر هو حقيقة الإنطباع المتبلور لدى صناع القرار ومفاده أن أوباما ضعيف و لا يعدو كونه نمر من ورق. والذي عزز تبلور هذا الانطباع هي التقارير التي وصلت تل أبيب مؤخراً وتفيد بأن أوباما يخرج عن طوره في محاولته تهدئة روع قادة المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة وأنصار إسرائيل الكثر في مجلسي النواب والشيوخ.
**أوباما يتلوى
وحسب أحد التقارير التي اطلع عليها نتنياهو فقد شبه أوباما لدى اجتماعه مع قادة المنظمات اليهودية مؤخراً الخلاف بينه وبين نتنياهو بشأن المستوطنات بأنه " خلاف داخل العائلة "، وطمأن مستمعيه بأنه سيصر على ربط وقف الاستيطان باستعداد العرب للتطبيع مع إسرائيل وضرب المقاومة بوصفها " إرهاباً ". ومن الأسباب التي أغرت نتنياهو بتحدي أوباما الانتخابات التي ستجرى قريباً لاختيار جميع أعضاء مجلس النواب الأمريكي وثلث مجلس الشيوخ. فعلى الرغم من أن الكثيرين " أبنوا " منظمة رؤساء المنظمات اليهودية المعروفة بـ " أيباك " مبكراً بعيد انتخاب أوباما، إلا أن كل المؤشرات تفيد بأن هذه المنظمة لازالت قادرة على الإمساك بخيوط اللعبة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة بشكل محكم. فجميع أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب معنيين بأن يتم إعادة انتخابهم لولاية ثانية وبالتالي فإن هؤلاء يدركون أن عليهم مراعاة إتجاه بوصلة المصالح الإسرائيلية إرضاءً لأيباك، وبالتالي لم يتردد 73 من أعضاء مجلس الشيوخ في التوقيع على عريضة تطالب أوباما بعدم ممارسة أي ضغط على إسرائيل في موضوع الإستيطان، وفي المقابل أوصوه بمطالبة الفلسطينيين بسلسلة لا نهائية من المطالب، وكلها تتقاطع مع المطالب التي يرفعها عادة غلاة المتطرفين من اليمين المتطرف الإسرائيلي. ومن المفارقة أن معظم الذين وقعوا على هذه العريضة هم من الحزب الديموقراطي الذي يقوده أوباما. ومن العوامل التي شجعت نتنياهو على تحدي أوباما حقيقة وجود إجماع صهيوني غير مسبوق داخل إسرائيل حول قضية الإستيطان في القدس، فليس فقط الإئتلاف الحاكم يؤيد بدون تحفظ المشاريع التهويدية في المدينة، بل أن المعارضة بقيادة تسيفي ليفني شددت بشكل لا يقبل التأويل أن إسرائيل موحدة خلف الحكومة في رفض أي تدخل أمريكي يتعلق بقضية الإستيطان.
**إرث بوش
وإلى جانب كل ذلك عدد من كبار قادة الإدارة الأمريكية السابقة الرواية الإسرائيلية التي تقول أن إدارة الرئيس بوش منحت إسرائيل الحق في مواصلة البناء في التجمعات الإستيطانية الكبرى وداخل القدس المحتلة، ومن أمثال هؤلاء المسؤولين كل من نائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق إليوث أبرامز وممثل الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة جون بولتون. لكن في اعتقادنا أن أكثر ما أغرى نتنياهو بتحدي أوباما هو انعدام أي ردة فعل فلسطينية وعربية رسمية إزاء قرارات الحكومة الإسرائيلية. فعلى الصعيد الفلسطيني الرسمي، ففي الوقت الذي تواصل فيه الجرافات الإسرائيلية الليل بالنهار لإقامة المزيد من الوحدات السكانية في المستوطنات التي باتت تنتشر في جميع أرجاء مناطق الضفة الغربية تصر السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس على مواصلة التنسيق الأمني مع إسرائيل وبإشراف الجنرال الأمريكي كيث دايتون. من هنا فعلينا ألا نتوقع أن يدخل أوباما في أزمة مع إسرائيل بسبب الإستيطان في الوقت الذي تكافي السلطة الفلسطينية التي تدعي تمثيل الفلسطينيين نتنياهو على تكثيف الاستيطان بتعميق التنسيق الأمني الذي يستهدف المقاومة الفلسطينية. وللأسف الشديد فإنه في الوقت الذي يتواصل فيه الإستيطان والتهويد تسارع بعض الأنظمة العربية لاستقبال المسؤولين الصهاينة، بل وصل الأمر ببعض المسؤولين العرب إلى حد المطالبة بالمسارعة بالإنفتاح على إسرائيل.
**هدف إستراتيجي
بالطبع فإن إسرائيل لا تكثف الإستيطان في القدس تحديداً لمجرد رغبتها في تحدي أوباما بل لتحقيق هدف إستراتيجي من الطراز الأول يتمثل في قطع الطريق على أي محاولة في المستقبل لمنح الفلسطينيين حق سياسي في القدس ومحيطها. من هنا فإننا نجد أن المشاريع التهويدية التي تعكف عليها إسرائيل حالياً تركز على البناء في الأحياء الفلسطينية التي تقع في أطراف المدينة، مثل جبل المكبر وسلوان وأبو ديس وقلنديا، وذلك لأنه ورد في بعض الصيغ التي اقترحت حل الخلاف بشأن مستقبل القدس أن يتم إعلان هذه الأحياء كعاصمة للدولة الفلسطينية. لذلك يأتي تكثيف الأنشطة الإستيطانية التهويدية في هذه المناطق تحديداً لقطع الطريق على إي إمكانية لتحويل هذه الصيغة إلى صيغة عملية وواقعية.