أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
تفاصيل حضارية !!

بقلم : رنا محمد  ... 07.12.2009

كنا في الصالون نحتسي قهوة الظهر كنوع من أنواع النشاط قبل البدء بجولة أعمال بعد الظهر. فجأة ملأ صوت فيروز المكان، فنظرنا لبعضنا ـ زوجي وأنا ـ مستغربين مصدر الصوت القريب جداً، خرجنا للشرفة فوجدنا أنه قادم من سيارة (بيك آب) عابرة في الشارع مليئة بالغاز!.
وفاجأنا أكثر ما رأينا: بياع الغاز استبدل صوته العظيم: «غاز غاز» بصوت فيروز، فبدل صراخ صوت البائع، يرفع صوت فيروز عالياً فينتبه الناس ويعرفون أنه بائع الغاز.
دُهشنا وكدنا نطير من فرحنا ونحن نرى هذا المظهر الحضاري الذي تنعم فيه مدينتا، والذي اعتاد الناس عليه بسرعة.
لكن أمراً بقي عالقاً في حلقي: كيف تطير بنا الحضارة من أسفل السلم إلى أعلاه، دون أي تدرج أو ارتقاء تدريجي في الموضوع.
فلا زلت أتعارك كل يومين مع الجيران بخصوص الأوساخ التي يرمونها علينا، فلا الكلمة الطيبة نفعت معهم ولا الجيرة ولا اللسان المعسول ولا الشجار والشكاوي.
لا زال زوجي يعاني يومياً من رائحة السجائر في السرافيس والباصات منذ الصباح، وفي حال طلب بلطف و(حَرَج) من الشخص الذي يدخن إطفائها يعلو صوت الآخر بالصراخ: «إذا مو عاجبك فيك تنزل» لكأن الراكب ضيف ثقيل في بيته.
لا زالت أمي تعاني كل يوم من المواصلات، ولا تسلم كل (كام يوم) من وقعة هنا، أو فركشة هناك، بسبب سير وسيلة النقل قبل جلوسها، دون مراعاة أنها (ست كبيرة)... إضافة لوسائل النقل السيئة و(الخضخضة) التي يعانيها الراكب فيها، والسرعة التي يسيرون بها.
لا زالت كل الشوارع مرصوفة بأكياس النفايات المنبوشة من قبل القطط، فلا حيل للمواطن أن يمشي إلى الحاوية، وكل حاوية على رأس كل حي ما بجوارها أكثر وأقذر مما بداخلها.
ولا زال الماوزت شغل الناس الشاغل، وأكبر حلم لديهم أن يشملهم قانون الدعم المادي للمازوت... ووزارة الكهرباء، تلك الوزارة الرحيمة على المواطن، تعلن أنها ستقطع التيار الكهربائي كي توفر على المواطن أجور دفع الفواتير!! فهم الآن يعتمدون في التدفئة على الكهرباء، باعتبار أن الدعم المادي المؤجل للمازوت لا زال في تأجيل!.. والمسئولين عبر وسائل الإعلام يعطون التصريحات المخجلة مستسخفين المواطن ومستهزئين بعقله.
ولا زالت الأرصفة كراج للسيارات، بدل أن تكون مكان للمشاة...
ولا تزال شركة الخليوي الفريدة (الفريزة الحمراء!) والوحيدة تستغل المواطن سواء بالثواني التي تُعامل معاملة الدقائق، أو بسوء تعامل موظفيها وموزعيها مع مشتركيها، أو بالرصيد الذي ينتهي من حساب المشترك، والله أعلم وين... الخ.
والواسطات... والمحسوبيات... والرشاوي... و... و...
وفجأة قفزنا كل تلك القفزة الغريبة والغير متوقعة، بياع الغاز يعلن عن غازه بصوت فيروز.
يا له من أمر جميل... جميل حقاً، رغم كل المفارقات الغريبة والتفاصيل الحضارية التي تجاهلنا وجودها قفزنا فوقها.
تفاصيل حضارية !!
رنا محمد
كنا في الصالون نحتسي قهوة الظهر كنوع من أنواع النشاط قبل البدء بجولة أعمال بعد الظهر. فجأة ملأ صوت فيروز المكان، فنظرنا لبعضنا ـ زوجي وأنا ـ مستغربين مصدر الصوت القريب جداً، خرجنا للشرفة فوجدنا أنه قادم من سيارة (بيك آب) عابرة في الشارع مليئة بالغاز!.
وفاجأنا أكثر ما رأينا: بياع الغاز استبدل صوته العظيم: «غاز غاز» بصوت فيروز، فبدل صراخ صوت البائع، يرفع صوت فيروز عالياً فينتبه الناس ويعرفون أنه بائع الغاز.
دُهشنا وكدنا نطير من فرحنا ونحن نرى هذا المظهر الحضاري الذي تنعم فيه مدينتا، والذي اعتاد الناس عليه بسرعة.
لكن أمراً بقي عالقاً في حلقي: كيف تطير بنا الحضارة من أسفل السلم إلى أعلاه، دون أي تدرج أو ارتقاء تدريجي في الموضوع.
فلا زلت أتعارك كل يومين مع الجيران بخصوص الأوساخ التي يرمونها علينا، فلا الكلمة الطيبة نفعت معهم ولا الجيرة ولا اللسان المعسول ولا الشجار والشكاوي.
لا زال زوجي يعاني يومياً من رائحة السجائر في السرافيس والباصات منذ الصباح، وفي حال طلب بلطف و(حَرَج) من الشخص الذي يدخن إطفائها يعلو صوت الآخر بالصراخ: «إذا مو عاجبك فيك تنزل» لكأن الراكب ضيف ثقيل في بيته.
لا زالت أمي تعاني كل يوم من المواصلات، ولا تسلم كل (كام يوم) من وقعة هنا، أو فركشة هناك، بسبب سير وسيلة النقل قبل جلوسها، دون مراعاة أنها (ست كبيرة)... إضافة لوسائل النقل السيئة و(الخضخضة) التي يعانيها الراكب فيها، والسرعة التي يسيرون بها.
لا زالت كل الشوارع مرصوفة بأكياس النفايات المنبوشة من قبل القطط، فلا حيل للمواطن أن يمشي إلى الحاوية، وكل حاوية على رأس كل حي ما بجوارها أكثر وأقذر مما بداخلها.
ولا زال الماوزت شغل الناس الشاغل، وأكبر حلم لديهم أن يشملهم قانون الدعم المادي للمازوت... ووزارة الكهرباء، تلك الوزارة الرحيمة على المواطن، تعلن أنها ستقطع التيار الكهربائي كي توفر على المواطن أجور دفع الفواتير!! فهم الآن يعتمدون في التدفئة على الكهرباء، باعتبار أن الدعم المادي المؤجل للمازوت لا زال في تأجيل!.. والمسئولين عبر وسائل الإعلام يعطون التصريحات المخجلة مستسخفين المواطن ومستهزئين بعقله.
ولا زالت الأرصفة كراج للسيارات، بدل أن تكون مكان للمشاة...
ولا تزال شركة الخليوي الفريدة (الفريزة الحمراء!) والوحيدة تستغل المواطن سواء بالثواني التي تُعامل معاملة الدقائق، أو بسوء تعامل موظفيها وموزعيها مع مشتركيها، أو بالرصيد الذي ينتهي من حساب المشترك، والله أعلم وين... الخ.
والواسطات... والمحسوبيات... والرشاوي... و... و...
وفجأة قفزنا كل تلك القفزة الغريبة والغير متوقعة، بياع الغاز يعلن عن غازه بصوت فيروز.
يا له من أمر جميل... جميل حقاً، رغم كل المفارقات الغريبة والتفاصيل الحضارية التي تجاهلنا وجودها قفزنا فوقها.

المصدر : موقع نساء سوريه