أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
رؤية صهيو-أمريكية "جديدة ومبدعة" للصراع!!

بقلم : د.خالد الحروب ... 18.11.2009

الأطروحات التي يتواقح عدد من متطرفي الصهيو-أمريكية في تقديمها من وقت لآخر في الدوائر السياسية والأكاديمية مدهشة ومثيرة للأعصاب لجهة افتراضاتها الضمنية بأن القراء والمتلقين يمتازون بمستويات غباء فادحة. هناك جزء من هذه الافتراضات يتفق مع الواقع وهو ما يُراد استثماره للحد الأقصى, خاصة عندما تستهدف أطروحاتهم الجمهور الأمريكي العام الذي يمتاز بجهل كبير عندما يتعلق الأمر بالشؤون الدولية والخارجية. نعلم جميعا كيف أن نسبة عالية من سكان نيويورك وبعد عام كامل من إرهاب الحادي عشر من سبتمبر لم تتمكن من تحديد موقع العراق على الخارطة, أو معرفة الفرق بينه وبين إيران, بل وأين يقع الشرق الأوسط كله. وهذه السمة كارثية بكل المعاني فهي التي تساهم في فوز رؤساء مثل جورج بوش الابن, يشاطرون ناخبيهم الجهل بالعالم. فهؤلاء الرؤساء والسياسيون من حولهم هم من يتخذ القرارات المصيرية التي تؤثر في وجهة العالم, حربا, أم سلما. في حوار إذاعي مع "خبير في القاعدة وإيران" منذ سنوات وعلى إحدى المحطات الشهيرة تمحورت آراء الخبير حول "التحالف الإستراتيجي والأيديولوجي" بين الاثنتين. وكيف أن "أيديولوجيا" القاعدة تلتقي مع أيديولوجيا إيران حتى دينيا, حيث إن إيران هي مكان اختفاء واختباء بن لادن, وأن هذا الأخير سيكون بحسب الفكر الشيعي "الإمام الغائب". مثل هذه التهويمات والخزعبلات تُباع على الجمهور الأمريكي على أنها "آراء خبيرة" وتُؤسس بالتالي للتوجهات العامة إزاء القضايا الخارجية.
من آخر صرعات التجهيل التي تقودها الدوائر العنصرية المعادية لكل ما هو فلسطيني وعربي ومسلم والمحيطة بدوائر صنع القرار في واشنطن كتاب حول الصراع بين فتح وحماس عنوانه (Hamas vs. Fatah: The Struggle for Palestine) من تأليف جوناثان شانسيز من معهد السياسة اليهودي, وكان قد خدم في مكتب الاستخبارات والتحليل في وزارة الخزانة الأمريكية. وهو زميل في أيضا في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المعروف بميوله اليمينية المتطرفة في تأييد إسرائيل.
"النظرية" التي يطرحها الكتاب تقول إن خبراء الشرق الأوسط والرأي العام العالمي والإعلام أدركوا "الصراع العربي الإسلامي" بطريقة خاطئة تماما عندما "افترضوا" أنه يقوم على صراع بين إسرائيل والفلسطينيين. في "حقيقة وجوهر" ذلك الصراع تكمن في أنه "صراع فلسطيني-فلسطيني" يعود إلى التنافس الفلسطيني الداخلي في عهد الانتداب البريطاني واستمر إلى يومنا هذا. والتنافس والعداء بين حماس وفتح ليس إلا الحلقة الأكثر وضوحا في ذلك الصراع. ومن هنا ولهذا السبب فإن السلام بين إسرائيل والفلسطينين لم يتم لأن الصراع الفلسطيني الداخلي لم يتوقف لحظة ولم يوفر للفلسطينيين فرصة للنظر إلى يد إسرائيل الممدودة للسلام طوال فترة الصراع. لو كف الفلسطينيون عن الصراع الداخلي لكان السلام قد حل من عقود طويلة.
في تفصيل تلك النظرية هناك جهد "مبدع" بالفعل في كيفية تحوير الحقائق وتسويد التاريخ المعاصر للفلسطينيين وتبييض صفحة إسرائيل بالكامل. وهو جهد دفع دانيل بايبس, عميد أعداء الفلسطينيين والعرب في الولايات المتحدة, إلى تقريض الكتاب والإشادة به في التقديم الذي صدره في الصفحات الأولى. فالكتاب برأي بايبس يتحدى ما هو سائد حيث التركيز على الفلسطينين الذين هم تجمع (population not people) صغير وغامض كان سيظل مهملاً لولا التركيز الإعلامي عليهم. طبعا لا يشرح لنا بايبس لماذا يعتبر الفلسطينيين "تجمعا" صغيرا وغامضا وعددهم يبلغ ضعف عدد سكان إسرائيل, وكلهم, أو غالبيتهم الكاسحة, عرب من ناحية قومية وإثنية, بينما يعتبر الإسرائيليين شعبا "كبيرا" وغير غامض, وهم القادمون من كل جنسيات وإثنيات الأرض؟
يتابع الكتاب تفاصيل الصراع بين حماس وفتح وكأنه الحرب العالمية الثالثة ويستخدم لفظة "الحرب", أي الحرب بين حماس وفتح (war) إمعانا في المبالغة. كما يصف استيلاء حماس على السلطة في غزة بأنه "غزو" تاركا الانطباع للقارىء غير المتخصص بأن جحافل وجيوش حماس الجرارة جاءت من خارج فلسطين وغزت جنوبها. في نفس الوقت فإن "الوجود" الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية لا يرتقي لوصف "الاحتلال" وهي اللفظة التي لا ترد في الكتاب. فتلك الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل وتحتلها هي أراض "متنازع عليها" كما تؤكد على ذلك قائمة "التعريفات" الواردة في أول الكتاب, حيث نتعرف إلى أن "الضفة الغربية: هي الأراضي المتنازع عليها التي سيطرت عليها (لاحظ: وليس احتلتها) إسرائيل في حرب الأيام الستة ...", ونفس التعريف نقرأه عن قطاع غزة. وفي نفس تلك القائمة نقرأ تعريف فتح كالآتي: "حركة فلسطينية إرهابية علمانية تأسست في أواخر 1950 على يد ياسر عرفات ...". أما "كتائب شهداء الأقصى" التابعة لفتح فهي: "الجناح الإسلامي المسلح لحركة فتح, المسؤول عن التفجيرات الانتحارية وهجمات أخرى على المدنيين الإسرائيليين".
يترجم المؤلف بأمانة هذه التعريفات في فصول الكتاب الذي تظهر الشعب الفلسطيني كمجموعة متوحشة من البشر لا هدف لها إلا قتل الأبرياء الإسرائيليين, وينتهي إلى تصريح بالغ العنصرية يؤكد وجود "ثقافة عنف فلسطينية", وكأن الفلسطينيين وُلدوا مجبولين على العنف, ولم يخضعوا لاحتلال عنصري ومتوحش فرض عليهم مقاومته بكل الوسائل. الاحتلال هو الغائب الأكبر عن الكتاب فهو ليس المشكلة, أس المشكلة في الفلسطينيين. حتى عندما يستعرض المؤلف الأحوال المأساوية في قطاع غزة بعد فهي ناجمة عن إدارة الفلسطينيين لأنفسهم ولا علاقة للاحتلال وسيطرته ووضعه الغزيين كلهم في سجن كبير.
يجهد المؤلف نفسه بطريقة رثة لإثبات علاقة حماس بالقاعدة وأنهما يتبنيان نفس الإستراتيجية. ولا يتوقف عند حقيقة أن حماس تختلف في جذورها الفكرية, وفي عدم توسيع نطاقها للعمل العسكري خارج فلسطين. فاسم القاعدة هو كلمة السر التي تسعر من الخوف والعداء عند قراء الكتاب الأمريكيين وعندما يتم وصلها بأية مجموعة أو دولة أو أشخاص فإن التأثير يكون فعالاً. وحتى يقنعنا المؤلف منطقيا بحدوث التحالف المستقبلي بين حماس والقاعدة فهو يشير إلى حماس تتعاون مع إيران التي هي بلد شيعي, فلماذا لا تتعامل مع القاعدة وهي منظمة "إرهابية" سنية؟ برافو!