بقلم : سهيل كيوان ... 07.10.2010
قبل أيام وضعت صديقة (فيس بُوكّية) من الشام صورة لوالدها على صفحة (الفيس) كتبت تحتها 'آخر صورة للمرحوم والدي'...
أسرعت لكتابة تعزية لها مثل كثيرين، ورحت أتأمل صورة المرحوم التي شدتني وذلك أنه يشبهني وأشبهه.
تأملته جيداً وسألت نفسي...هل هو عربي رغم لون عينيه الأخضر؟ وماذا كان سيكون رد فعله لو سأله أحد المتزمتين العرب..قل لي من فضلك ما هي نسبة العروبة في دمك..؟ يبدو لي أنك لست عربياً أصيلا لأن لون عينيك وشعر رأسك ليس عروبياً! قد يرد أحدهم على سؤال كهذا بذبح السائل فيأتي أخوة وأبناء عمومة القتيل ليثأروا له، ويرد أقرباء هذا بالانتقام، وهكذا تتسع دائرة العنف وينحاز إلى كل طرف منظرون وأصحاب فتاوى واجتهادات وفضائيات ويتطور الأمر إلى حرب أهلية بين العرب على خلفية لون العيون...رغم قول الشحرورة 'كل العيون بحبها بالمختصر ..زرق سود..لا فرق عندي ولا نظر.. 'وما هي مناسبة هذا الكلام..؟ بكل بساطة فقد عيّرني أحد العروبيين بلون عينيّ! فسألت نفسي هل لعرب هذا الزمن طعم ولون ورائحة وملامح محددة!؟ بالنسبة للطعم فلن نعرف طالما لم نذبح ولم نطه عروبياً خالصاً على طريقة الإمبراطور بوكاسا، ولكن بالنسبة للرائحة فإن لنوع الغذاء تأثيراً واضحاً!..مثلاً من يشرب حليب النوق يوميا ستختلف رائحة عرقه وبوله عن ذلك الذي يشرب البيرة أو النبيذ! تأكدت من هذا بنفسي بعدما شربت حليب نوق مدة أسبوعين، مصدره شاب أحضر أربعة عشر ناقة ونجيبين من النقب الى قريتي في الشمال وجعل منها قافلة ومساراً سياحيا لبضع كيلو مترات يعتاش منه إضافة الى بيع حليبها، بل وفوجئت بالطلب الكبير على بولها، فهناك من يتذوقه ويقول إن هذا مفيد للجلد وللشعر وجهاز الهضم...والمهم أن الرائحة الجديدة أعادتي الى أيام الطفولة يوم كنا نسير ونركض مسافات في الوعور لنصل إلى مضارب البدو...
تأملت صورة المرحوم ذي العينين الخضراوين ورحت أتساءل..هل هذا عربي؟ وهل هناك صفات يختص بها العربي عن غيره من البشر؟ وهل ما كان صالحاً منذ ناقة صالح الناهضة من الصخرة ما زال صالحاً على عرب ما بعد الكابوتشينو والنيس كافيه وليالي القدس في فيينا.
هل تكفي اللغة لتجعل من الصومالي والفلسطيني والشامي والألماني والأمريكي واليمني والخليجي عرباً حتى لو اختلفت ألوانهم وثقافاتهم وطباعهم؟ وهل يبقى عربيا من فقد القدرة على التعبير بالعربية أو التفكير على الطريقة العربية؟ وهل توجد طريقة تفكير عربية مشتركة بين المقيم في خباء قلب الصحراء وبين المقيم في قارب على ضفة النيل والقاعد في شقة في باريس؟هل المستعرب الذي يتقن العربية لغة وعادات هو أكثر عروبة من عربي ولد في أمستردام لا يتقن اللغة ولا يغض طرفه عن شرفة جارته؟ هل العروبة هي منظومة قيم أم مجموعة ألوان وروائح وسحنات وذقون ودماء؟ وهل بقيت قيم نستطيع القول إنها من اختصاص العرب دون غيرهم بعدما تحولت الأرض بترابها وفضائها وبشرها إلى آنية مستطرقة؟ ثم ماذا مع أولئك الذين لا يؤمنون بالوحدة العربية ويصرون على تفوق إقليمهم أو مصرهم! هل يفقدون عروبتهم؟ وماذا مع الذين يرون طائفتهم فوق عروبتهم سواء كانت اسلامية أو مسيحية أو غيرها! وماذا مع أولئك الذين لا يعرقون ولا تحمر عيونهم حياء أو غضباً حتى لو ذبح وشرد نصف الأمة؟ وماذا مع الذين يقولون إن العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة!ماذا مع الذين لا يدينون بالإسلام؟ وماذا مع المسلمين من غير العرب؟ وماذا مع العرب الذين يحملون أسماء أعجمية؟ وماذا مع الملحدين العرب أليسوا عرباً؟ بل ماذا مع الخونة المستعدين لتجييش الجيوش مع الأعداء ضد أبناء جلدتهم هل يُحسبون عرباً ؟
تنثال التداعيات وأنا أتأمل الصورة.. لماذا نفتخر نحن العرب بقطز وصلاح الدين وابن سينا والخوارزمي وابن خلدون وطارق بن زياد والكثيرين غيرهم من غير العرب ولكن عند أول ملعقة سم مدسوسة ينقلب بعضنا وباسم العروبة يحرض على المسلمين من غير العرب؟ يفتخر العرب بإنجازات علمية منذ قرون ومعظمها ليست للعرب بل للمسلمين وهي بسيطة جدا إذا ما قورنت بما اخترعه الغرب والشرق في القرن الأخير بل وحتى في العقد الأخير بل وربما في الأشهر الأخيرة.
أتساءل..ماذا لو اخترعنا نحن العرب كيس النايلون البسيط الذي نضع فيه ساندويتش الزوادة مثلا؟ يا إلهي كم كنا سنتحدث عن هذا الاختراع العظيم. كم مليون مرة سيذكر كيس النايلون في مقالاتنا وأشعارنا وقصصنا وخطبنا الحماسية وحتى في مآتمنا! ألا فليسمع الأمريكي المغرور أنه لولا فضل هؤلاء المتهمين بالإرهاب لما عرفت البشرية أين تضع ساندويتشاتها. أف..كم كنا سنفخر بالنايلون، وكم كانت إسرائيل ستحرض على استعمال سلة القش والقماش والأكياس الورقية وتطرح البدائل نكاية بالعرب، ولكنها في النهاية تيأس...لا غنى للناس عن النايلون! فكيف بربكم لو اخترعنا الكهرباء ؟...
هذه التداعيات انثالت علي عندما رأيت صورة الرجل المرحوم الذي يشبهني..فقد ذكرني بنقاش حاولت تجاهله مع مثقف عروبي أحترمه، قال لي خلال نقاش احتد بيننا: إسمح لي أن أقول لك إنك لست عربيا خالصاً...أنظر الى لون عينيك...
- يا سلام...إذا كانت هذه مقاييس العروبة فإن فؤاد بن اليعزر ورفائيل إيتان وعوفاديا يوسف أكثر عروبة من محمد الماغوط ونزار قباني ومن صاحب قصيدة سجل انا عربي.....
أعتقد أن أكثر الدماء التي تسري في جسد الأمة في هذا العصر لا تحمل خصائص دماء امرىء القيس وحاتم الطائي وهاشم،في جسد الأمة دماء عرب وفرس وأتراك وقوقاز وهنود وأفغان وأفارقة وأوروبيين ويهود وغيرهم، أعطينا وأخذنا الكثير. ولا أعتقد بوجود أمة نقية على وجه الأرض وخصوصا العرب، بل إن أحد أسباب قوة العرب وتألق نجمهم في حقبة ما هو اختلاطهم بغير العرب وإنتاج ذلك النسيج الأممي الرائع الذي يشبه أمريكا هذا العصر، ولكن يبدو أن الإفلاس يدعو بعض العروبيين للبحث عن لون العينين ولون البشرة وكأن الأمة ما زالت لدى سمرات الحي تنقف حنظلا.
قيض لي أن أزور عاصمة الأمويين قبل سنوات، وهناك رأيت من العيون الخضر والزرق ما لا يمكن أن أراه في (رمات غان) قلب الصهيونية النابض والتي تعج بملامح العراقيين، ورأيت في عجلون الأردنية من الأزرق والأخضر أكثر بكثير مما قد أراه في (روش هعاين- راس العين) ذات الملامح اليمنية...
على كل حال كانت مزحة من زميلي المثقف العروبي استفزتني...ولكنه تراجع بعدما فطنته بأن ثلاثة من أشقائه التسعة لهم عيون ملونة بالإضافة إلى بعض أخواله وخالاته وعدد كبير من أبناء عشيرته العربية رغم القوس قزح الذي في عيونها...