بقلم : سهيل كيوان ... 24.03.2011
لقد استغل منصبه وقوته غير المتكافئة مع الضحية واعتدى عليها مرتين، رغم أن موقعه كمسؤول يملي عليه بأن يكون نموذجا للآخرين، ولهذا يجب إنزال عقوبة مشددة بحقه كي يكون عبرة لغيره'، هكذا وبعد ديباجة كبيرة من التقييمات والتبريرات حكمت المحكمة على الرئيس الإسرائيلي السابق (موشيه كتساب) بالسجن الفعلي لمدة سبع سنوات ولسنتين مع وقف التنفيذ وغرامة مالية للحق العام بقيمة مائة ألف شيكل (حوالى ستة وعشرين ألف دولار)، وليس هذا فقط فبإمكان الضحية أن تتقدم بشكوى مدنية ضده وتطالبه بتعويضات مالية أخرى لأنه 'دمر لها حياتها' كما تقول.
وكان كتساب قد فعل فعلته عندما شغل منصب وزير السياحة ولكن الضحية سكتت وواصلت العمل في مكتبه ولم تتقدم بشكوى إلا بعدما صار رئيساً للدولة، عدم 'صياح' الضحية وانتظارها سنوات لتقديم شكوى لم يسعف رئيس الدولة أو يبرئه، فحاجتها للعمل في مكتبه كما يبدو جعلتها تسكت إلى أن قررت التقدم بشكوى أدت الى سجنه.
سوف يستأنف (كتساب) الذي أجهش بالبكاء وهو يقول 'لقد أخطأتم أنا مظلوم'...إلى محكمة العدل العليا، فإما أن تبقي الحكم كما هو أو تخففه وقد تزيد.
وقد أتت محاكمة كتساب في يوم قامت فيه إسرائيل بغارات على قطاع غزة ذهب ضحيتها عدد من المقاومين من الجهاد الإسلامي ولكن إلى جانب المقاومين استشهد وأصيب عدد من الأطفال.
وعندما احتج بعض أعضاء الكنيست العرب وسألوا رئيس الحكومة كم طفلاً قتلت هذا اليوم! رد نتنياهو 'العرب في إسرائيل يحظون بحقوق وحرية تعبير أكثر من العرب في أي دولة عربية' بإشارة واضحة إلى ما يحدث في العالم العربي!
صحيح هناك هامش من حرية التعبير ولكن إلى جانبه توجد ممارسات عنصرية بشعة خصوصا في قضايا الأرض والمسكن والتوظيفات تذهب بهذا الهامش الديمقراطي إلى الجحيم، وآخر القوانين العنصرية المقترحة هذا الأسبوع هي أن يدفع صاحب البيت الذي يبنى من غير ترخيص أجرة هدم بيته، وهذا موجه إلى عشرات آلاف البيوت العربية التي اضطر أصحابها لبنائها بغير ترخيص بسبب السياسة العنصرية المنهجية في التخطيط وعرقلة توسيع مسطحات البناء في التجمعات العربية.
ورغم هذه الممارسات فحكومات إسرائيل تحظى بتعاطف شعوب الغرب عندما تحاكم ساستها وقيادييها أمثال كتساب، وشخصياً لا أخفي مشاعر الحسد لنظام يحاكم رئيس دولته ويبعثه إلى السجن وأنا أعرف ما يدور في العالم العربي أو جزء منه، محاكمة كتساب وأمثاله من مسؤولين تعني أنه لا أحد فوق القانون وتعني وجود دولة مؤسسات، وهذا بلا شك يجرنا الى المقارنة.
عندما نقول هذا يقوم أحدهم ليذكرنا ببديهية أن النظام عنصري والحاكم قد يعاقب العربي بأشد من عقاب اليهودي على التهمة نفسها، وهذا صحيح ومثبت، فهناك دراسات وإحصاءات تثبت هذا، بل وليس بما يتعلق بالعربي فقط بل هناك تفاوت بالحكم بين الاشكناز والسفاراديم فعندما يكون المتهم يهودياً من أصل شرقي يكون الحكام أكثر تشدداً تجاهه.
ورغم نظام العنصرية والأبرتهايد الذي يرتكب بصورة شبه مستمرة جرائم ضد الإنسانية وإرهاب دولة ضد الشعب الفلسطيني، لا بد أن نسأل أنفسنا بل ومن حقنا وواجبنا أن نسأل، أليست محاكمة المسؤولين هي واحدة من أهم أسباب قوة هذا الكيان، أليس بهذا قوة للنظام عندما يكون كل شيء خاضعاً للرقابة والشفافية ولا يستطيع أحد مهما كان منصبه أن يتصرف فوق القانون، حتى بيبي نتنياهو تلاحقه الصحافة في هذه الأيام وتبحث من أين ومن الذي يموّل رحلاته الكثيرة إلى خارج البلاد ومكوثه في أرقى فنادق العالم.
نتساءل ونحن نرى الدماء المنسكبة في العالم العربي في هذه الأيام هل كان بإمكان رئيس أو وزير أو ابن رئيس أو نسيبه أو ابن خاله أن يسرق مليارات من مال الشعب لو أن هناك حداً أدنى من الرقابة.
لقد تسببت الدكتاتوريات العربية بهشاشة عظام الأمة وضعفها وسهولة اختراقها، حتى من قبل أجهزة مخابرات معادية، فعندما يشعر المواطن أن الوطن مختصر بحفــــنة مــــن الناس فقط يضعف انتمــــاؤه ويكون فريسة سهلة لأعداء وطنه.
في مسرحية ضيعة تشرين يصرخ الفنان دريد لحام صرخة المواطن المهزوم الشهيرة (أو صرخة الماغوط)...'ولك عن شو بدّي دافع.. عن نمرة رجلي اللي فاتت على السجن ثمانية وثلاثين وطلعت ستة وأربعين' (لا أذكر الرقم بالضبط).
عندما نرى الجماهير الليبية تحتشد في الساحة الخضراء ويخاطبها العقيد قائلا 'الجماهير هي أكبر دفاع جوي' نصاب بالقشعريرة، فهذا القائد وبعدما أوصل بلاده إلى الكارثة مستعد أن يضحي بشعبه ومحبيه (إذا كانوا حقاً يحبونه) كي يبقى في السلطة.
نعرف حق المعرفة أن (الحلفاء) لم يتدخلوا محبة بعيون الليبيين فقد انتظروا حتى حاصرت كتائب العقيد بنغازي وسمع العالم تهديده لشعبه بمذبحة باتت حتمية 'بيت بيت وغرفة غرفة'!
وواضح أنه لو تمكن من دخول بنغازي لوقعت فظائع كما يحدث في مصراتة والزاوية والزنتان، النقمة كلها يجب أن تنزل على هكذا قيادات ترغم شعوبها على الاستجارة بالغريب للحماية من الذبح لأنها طالبت بالحرية وتداول السلطة!
فساد الأنظمة يجعلها ترتعد من بضع كلمات يكتبها أطفال على جدران الأبنية كما في درعا السورية...جملة مثل 'الشعب يريد إسقاط النظام' أقامت قيامة النظام وجعلته يرتجف هلعاً ويتهم المعارضين بالخيانة وحياكة الدسائس، حتى كلمة 'حرية' تثير أعصاب النظام وتزعجه!
الآن نعرف كيف تم اغتيال بعض القادة الفلسطينيين أثناء مكوثهم في تونس ويجب المطالبة بالتحقيق ومعرفة المسؤولين الذين تواطأوا مع الإسرائيليين ومعاقبتهم، الآن نفهم أكثر تصرفات نظام مبارك البائد المستعد لتوجيه تهمة الإرهاب الجاهزة لشعبه مقابل سكوت الغرب عن ممارساته القمعية وفساده!
الثورة العربية الكبرى ستغير وجه أمتنا، وعندما نسمع ونقرأ عن رئيس يحاكم بتهمة التحرش الجنسي، أو إقالة رئيس أركان أو وزير دفاع أو قائد طيران لأنه عقد صفقة مشبوهة، سنعرف أننا أصبحنا أقوياء وقادرين على التقدم الحقيقي ومواجهة المخاطر الخارجية والتغلب عليها، وأن دماء شهداء الثورات العربية لم تذهب هباء.