بقلم : بشرى الهلالي ... 02.02.2012
لها.....
في برنامجك المفضل (سويت 16)، يجري الاحتفال بعيد ميلاد الفتاة السادس عشر باقامة حفلة متميزة يتم فيها دعوة المطرب المفضل لدى الفتاة، ومنحها هدية لاتقل عن سيارة آخر موديل اضافة الى هدايا وامتيازات أخرى، وعادة ما تكون تلك الفتاة من عائلة غنية تستطيع انفاق عشرات الالاف من الدولارات وربما المئات لاقامة حفل عيد ميلاد اسطوري ينقل عبر التلفاز. وأنا.. في عيد ميلادك السادس عشر، لاأملك أن اقدم لك سوى ما تبقى من شريط ذكرياتي، بدءا من شهقتي التي رافقت اول صرخاتك. لن أنس ذلك النهار مهما حييت، ففي اللحظة التي فصلتني اغماءة مميتة عن هذا العالم، وثبت صرختك عاليا لتعيد النبض الى اطرافي، قبل ان اراك سمعت نداءك: ابق معي، فالعالم اكبر من ان اجتاز دربه وحيدة من دون أم!
مرت الساعات ثقيلة بين اللاوعي واليقظة بانتظار ان ينتهي العزل في العناية المركزة، وعند الغروب، رأيتك للمرة الاولى، لمست بيد مرتجفة قسمات وجهك الصغير، فسرت في القلب والروح رعشة شوق لاحتضانك. منذ ذلك اليوم، وأنا أتساءل مع نفسي كلما رأيتك، هل حقا قطعوا حبلك السري؟ فمع وقع خطواتك يرتجف قلبي، ويشهق لهفة لسواد عينيك. ربما تآكل شريط الذاكرة يا ابنتي، فغابت ملامح الكثير من الايام تحت سياط الوجع، لكنه مازال حافلا بخطوتك الاولى، ولثغة حروفك المبعثرة، ومرحك الذي أضاء عتمة أيامي. وطيلة هذه السنوات أصحو كل صباح وأشعر بأني أمتلك العالم وأنا أنظر الى وجهك تغفو عليه ابتسامة، فأي ملاك ذلك الذي يبتسم نائما؟ وفي المساء، اعود بعد نهار محفوف بالتعب والقلق بانتظار ان يشرق وجهك من خلف فتحة الباب، ويحتويني حضنك الدافئ.. وتربت يدك الناعمة على كتفي، فأرى فيك أمي.. وأجدني طفلة تشرب دفأك حنانا.
ماذا أقدم لك في سنواتك الاولى في عالم الكبار؟ هل استطيع ايقاف عجلة الزمن كي لايشوب سواد عينيك حزنا، أم أصارعه لئلا تتسلل عجلة أخطائي فتدخل دورة أيامك؟
يحيرني صمتك الشفاف وهدوؤك النبيل، ويقتلعني بكاؤك المكتوم في غفلة من الفرح الذي اجاهد لنثره على وسادتك، فأجمع احلامي في زهرية بيضاء كقلبك واقدم لك يدا مازالت قادرة على برمجة حركة الاصابع فقط لتكون قادرة على حملك في لحظة ضعف. ربما أخفقت في ترتيب أوراق أيامي التي تناثرت في رياح الخوف والرصاص والقلق من غد مجهول الملامح، لكن ساعاتي صارت تتسابق مع دقائقها لاحتواء زمنك، فلأجلك تنهض صباحاتي وتحملني خطواتي الى طرق شديدة الوعورة، وبوجودك تذوب وحدتي فأضمك هبة أمطرتها السماء علي في صحاري العمر القاحلة.
فماذا أهديك.. نجوما فضية، ام أعيادا ملونة، ام أناشيد سماوية؟ لا أملك الا ظهرا أقسم أن يقاوم ثقل الايام فلا ينحني، فقط ليستطيع حملك الى برّ الأمان.. فكل عام وانت بالف خير يا أميرتي.. يا أجمل ستة عشر عاما في حياتي.