أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
عربة بوعزيزي .. أم سحر الساحرين!!

بقلم : عبله عبدالرحمن  ... 30.08.2011

كثيرا ما تتعالى الأصوات حول شؤون عامة في قضايا وطنية وسياسية حتى داخل المنزل الواحد، وكثيرا ما يكون الجدال صارما وغير قابل للتراجع إذا كان الضدين يقفان في أقصى الشرق والغرب، فتشُرّق وتغرُّب الآراء، وربما تقود إلى خلاف، لا بد فيه من تدخل أطراف أخرى في الإصلاح، دائما ما دخلت في صراعات، حول الرئيس عرفات وقراراته، ودائما ما كنت لا أرى إلا ما يراه هو وكثيرين مثلي، كأن الأحداث تعيد نفسها، وكأننا أصبحنا في حالة تبرير مستعر حول المؤامرة، والتشكيك مما يحدث في الشارع العربي،وفي الطريقة التي يتساقط فيها الأصنام واحدا تلو الآخر.
أحيانا تصرخ حد الألم، وأنت ترى الغالبية من الناس لهم رأي آخر حول ما يجري من أحداث دموية على ارض عربية، ب( ليس وقته الآن)! كيف لا يرون الدم المباح، ويرون فقط تعرض النظام للمؤامرة، أي عيون يرون فيها وأي إحساس بات باردا حتى لا يرون حق الناس بالخروج إلى الشارع للمطالبة به ودفع الظلم عنهم، أي عيون يملكون وهم يبررون اختراق المساجد، وقتل الأطفال، وما خفي كان أعظم، كثيرا ما يحز بالنفس التشكيك الباعث في وقود الثورة ومن يقف وراءها، وكأن من ثارت عليهم الشعوب وخرجت أفواجا وبالملايين لافتراش الشارع، هم من الزعماء الذين لا يشق لهم غبار بالعدل والخوف على مصالح الرعية.
وكيف لو طال هذا التشكيك حتى مصطلح الثورة ، كونها لم تأتي نتيجة مخططات تسبق العمل الثوري، ولم تأتي نتيجة ثورة الأحزاب التي تفضي إلى السعي لكرسي الحكم، ولكننا نقول لهم لا تستكثروا علينا مصطلح ثورة، ثورتنا شعبية وجاءت من قلب المعاناة والإحساس بالظلم والتهاون بالحقوق وتغييب العدالة في كل حالاتها.
أيما يطلقون من مسميات، على ما يجري بأنه فتنة أو خروج، أو هوجة أو ثورة على الوضع العربي وايما كان التشكيك، الذي بات يتعالى شيئا فشيئا ويمس نقاء الثورات السلمية والشعبية ومن يقف وراءها، وكأن ما يحدث مجرد سيناريو مخطط له ويتم تمويله من قبل أطراف كثيرة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فلماذا يذهبون إلى ما هو ابعد من المشهد الإدراكي في التحليل والتنقيب لحال الإنسان العربي الذي فقد كرامته وشخصيته وحتى لقمة العيش لصالح فئة قليلة تأخذ ولا تعطي،فالشعوب العربية لا يسكنها أي وازع بالندم على حكام الظلم وتخزين الأموال وقهر الشعوب. بوعزيزي وما كان منه في لحظة إحباط أفقدته حياته، وما صار منه بعد ذلك من رمز للتضامن واحتجاج الشباب العربي الذي خرج إلى الشارع ولبى نداء بطالته وحرمانه من ابسط حقوقه وهو العمل.
وربما يشفع لهذه الثورات خروجها المفاجئ حتى للأنظمة الحاكمة،كما هو مفاجئا للنخب السياسية والثقافية التي ما فتئ البعض منها يشكك بدوافع هذه الثورات ونجاحها في الإطاحة برؤوس كانت عصية على أن تهرب أو تحرق أو تبرك على سرير المرض وأخيرا أن تكون جرذا تحت الأرض،والقائمة قد تطال غيرهم، فهل هذا سحر الساحرين أم عربة بوعزيزي وصرخته المدوية صدقا وأملا.
أيما كان التشكيك ومصدره، فان العالم العربي بات يشهد شعارا واحدا وجديدا( ارفع رأسك فوق.. أنت عربي).
وبحسب دراسة نشرت في صحيفة فرنسية، قام بها عدد من أساتذة جامعيين فأن هناك سبع أسباب للغضب العربي، ليس مهما أي هذه الأسباب يحتل المرتبة الأولى أو السابعة، فكلها أسباب جديرة بالذكر،متمثلة بقمع الأنظمة العربية وتصلبها وفسادها وتهالكها والتوريث الجمهوري والترتيب لتمرير السلطة لذرية الحاكم وانعدام العدالة وانتشار الفساد وعدم توزيع الثروات بشكل صحيح وعادل، وغياب الحريات الأساسية ووسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة والالكترونية وتآكل الطبقة الوسطى المتعلمة، وأخيرا بطالة خريجي الجامعات.
ليس غريبا أن تخرج دراسة فرنسية بالأسباب التي أدت إلى خروج الناس إلى الشوارع، ولكن الغريب أن تكون هذه الأسباب شاملة ووافية لحال المواطن العربي أينما كان، منكسرا بالفقر والبطالة والتراجع وباحثا عن كرامته وحقه بالحرية.
على الحكام ممن ننتظر جلوسهم على كراسي الحكم التفكير مليا بقبول تداول السلطة، وبما تريده الشعوب وليس ما يريدونه هم، لان البقاء للشعوب.