بقلم : نواف الزرو ... 22.10.2012
تعتبر المعطيات المتعلقة بالميزان الديموغرافي –السكاني في فلسطين، من اشد الاسرار الامنية صونا لدى المؤسسة الاسرائيلية، مراعية في ذلك كل الابعاد الجغرافية والامنية والسيكولوجية والسياسية والاعلامية وتداعياتها المحتملة، وكان هناك عدد كبير ممن اطلقوا عليهم"انبياء الغضب الديموغرافي"، حذروا مرارا وتكرارا من التكاثر والتزايد السكاني العربي، واعتبروه تهديدا استراتيجيا لوجود"اسرائيل"، وتحدثت توقعاتهم عن توازن سكاني ربما في العام 2020 او 2025 او 2030، والتواريخ متحركة حسب الحاجات الامنية والسيكولوجية، وكان الجنرال احتياط شلومو غازيت على رأس هؤلاء قد حذر من"أن المشكلة الأساسية التي تهدد إسرائيل هي الخطر الديموغرافي وتحويل الأكثرية اليهودية إلى أقلية، ما يستدعي من وجهة نظره أقامه ديكتاتورية اسرائيلية من أجل تحديد نسبه التكاثر العربي، ومضامين هذه الديكتاتورية مترجمة على الارض مرعبة، تمتد من الحصارات العمرانية ومنع رخص البناء، وتضييق الخناق الاقتصادي على العرب بغية اجبارهم على خفض نسبة التكاثر، واغلاق فرص التعلم والعمل امامهم وغير ذلك من الاجراءات القمعية.
ولكن قبل ايام حدث ما لم يرغبوا به، فنحن اليوم امام انقلاب في الميزان الديموغرافي يسبق تنبؤاتهم المشار اليها، فكشف الصحافي المعروف عكيفا إلدار في تقرير خاص نشر في صحيفة هآرتس-الأثنين2012/10/16 النقاب عن"إن خبرا اقتصاديا صغيرا حول التعديلات في قوانين الجمارك، كشف عمليا اعتراف حكومة نتنياهو ومكتبه، بأن اليهود لم يعودوا أغلبية بين النهر والبحر، وأن ذلك يعني عمليا، القول بأن النظام السائد في إسرائيل هو نظام أبرتهايد، إذ تحكم الأقلية اليهودية (5.9 مليون نسمة) أغلبية عربية (6.1 مليون عربي) يعيشون في فلسطين التاريخية بين النهر والبحر"،وقال إلدار"إن خبرا عن سعي سلطة الجمارك في إسرائيل لتمرير تعديل قانون، يتعلق برفع سقف أحقية الحصول على هبات وامتيازات جمركية بقيمة 25% من مجمل الدخل، كشف عمليا عن أن اليهود لم يعودوا أغلبية بين النهر والبحر، إذ أن قانون تشجيع التصدير في إسرائيل يمنح تخفيضا بنسبة 25% لمن يثبت أنه يصدر ويبيع بضائعه في سوق لا يقل عدد المستهلكين فيها عن 12 مليون نسمة، وبالتالي فإن محاولة التعديل التي سعت إليها سلطة الجمارك اعتمدت على مذكرة حكومية بشرت في العام 2011 أن تعداد السكان في إسرائيل واراضي السلطة الفلسطينية قد تجاوز 12 مليون نسمة، مما يتيح لأرباب الصناعة الحصول على الامتيازات الضريبية المذكورة، ولكن وبموازاة ذلك فإن المذكرة المذكورة، والبيان الصحافي الصادر عن دائرة الإحصاء المركزية التابعة لمكتب رئيس الحكومة بتاريخ 25.4.2012، يكشفان أنه من بين الـ12 مليون نسمة في" إسرائيل" وألاراضي الفلسطينية فإن 5.9 مليون فقط هم من اليهود و6.1 مليون من غير اليهود، أي بعبارة أخرى، فإنه توجد اليوم بين النهر –الأردن- والبحر المتوسط، دولة يهودية صرفة وفق قوانينها وعاداتها، لكنها في الواقع ليست ديمقراطية، ويمضي إلدار قائلا بالاعتماد على مصادر أجنبية: "لقد تحول اليهود إلى أقلية في "مناطق أرض إسرائيل" منذ عدة سنوات، والآن أصبح هذا معطى رسميا.
وفي هذا السياق ايضا، كان جهاز الاحصاء الفلسطيني اعلن"ان عدد الفلسطينيين واليهود"في فلسطين التاريخية"، سيتساوى مع نهاية العام 2014-ا ف ب – 12/30/2010. وبينت علا عوض القائمة باعمال رئيس جهاز الاحصاء المركزي في بيان"ان عدد الفلسطينيين المقدر في الاراضي الفلسطينية، مع نهاية العام 2010، بلغ 4,1 مليون نسمة (2,5 مليون في الضفة الغربية و1,6 مليون في قطاع غزة) وحوالي 1,4 مليون فلسطيني يعيشون داخل اسرائيل، ما يعني ان عدد الفلسطينيين بلغ 5,5 مليون نسمة"، ويضاف اليهم خمسة ملايين فلسطيني في الدول العربية ونحو 600 الف في الدول الاخرى، ليبلغ بذلك اجمالي عدد الفلسطينيين في العالم حوالي 11 مليونا، واضاف البيان:"سيتساوى عدد السكان الفلسطينيين واليهود مع نهاية عام 2014 حيث سيبلغ عددهم ما يقارب 6,1 مليون نسمة، وذلك فيما لو بقيت معدلات النمو السائدة حاليا"، واردف:"ستصبح نسبة السكان اليهود حوالي 48,2 في المئة من السكان وذلك بحلول نهاية عام 2020 حيث سيصل عددهم إلى نحو 6,2 مليون يهودي مقابل 7,2 مليون فلسطيني".
ولكن ما كشف الصحافي الدار النقاب عنه، يؤكد وقوع الانقلاب الديموغرافي السكاني في فلسطين التاريخية، قبل التنبؤات المشار اليها بسنوات، ما يستحضر ويجدد الهواجس لادراكية الصهيونية المتعلقة بالتكاثر العربي وبالقنبلة-المشكلة الديموغرافية العربية، وتداعياتها الاستراتيجية على مستقبل الصراع، فالمؤسسة الاسرائيلية تجمع على انه لهذه القنبلة مضافا اليها عوامل اخرى، سيكون هناك دور حاسم في مجريات الصراع وخواتمه.