بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 25.04.2009
احتفالات، ومهرجانات، وخطابات، ومسيرات، ومقالات ملأت الصحف، وشعارات، ونداءات، واعتصام، وجميعها تتغنى بيوم الأسير، وتحض على تحرير الأسرى، وتتوعد بالزلزلة لدولة إسرائيل المارقة إذا لم تقم بتحرير الأسرى فوراً، وخطابات نارية تطالب بتنظيف السجون الإسرائيلية حتى آخر أسير فلسطيني، وماذا بعد؟.
عجب عجاب لهذا الوطن المصاب، نرفع الشعار بحجم جبل "الجرمق"، ثم نهوي، نقول: حتى تحرير آخر الأسرى، ونسلك سلوك من يعمق تواجدهم في الزنازين، نطالب بحرية السجناء الذين قاوموا الاحتلال بشرف، ونمد يدينا لنصافح الاحتلال بمهانة، ونعتقل كل من سولت له نفسه مقاومة الاحتلال، نمجد الأسرى الذين سلكوا طريق المقاومة، ونقسم بالله أن لا نقاوم المحتل حتى لو قوض أركان المسجد الأقصى، وحاصر غزة، ومزق الضفة إلى تجمعات سكنية بائسة، نمشي في مسيرات تطالب بتحرير الأسرى، وإذا سقط بالخطأ جندي إسرائيلي في يد القوات الفلسطينية نسارع بتسليمه إلى الإسرائيليين، مع ألف قبلة على حذائه الذي تلوث من شوارعنا، جلسنا مئات المرات مع الإسرائيليين، ونسقنا قضايا أمنية، وعقدنا معهم الاتفاقيات وتركنا الأسرى دون تحرير، ودون ذكر. فكيف بالله سنحررهم؟ فلا نحن نقر بمبدأ المقاومة، وأسر الجنود لنحررهم، بل نلوم من أسر جندي إسرائيلي!. ولا نحن نحتجز من وقع في يدنا بالخطأ ونشترط تحريره بتحرير بعض الأسرى، ولا نحن نجحنا بالتفاوض في تحرير الأسرى الذي مضى عليهم أكثر من ثلاثين عاماً؟ فكيف سنحرر الأسرى؟ وما معنى هذا الكم من الشعارات، والمناشدات، التي لم تحرر أسيراً واحداً عن طريق الخطابة، وبالمناسبة؛ لطالما وقفت شخصياً خطيباً في يوم الأسير أكان ذلك في سجن نفحة أم في سجن عسقلان، أم في سجن غزة، أم في قاعة رشاد الشوا في مدينة غزة، أو في قاعة الهلال الأحمر في خان يونس، ومع ذلك لم، ولن يتحرر الأسرى من السجون الإسرائيلية رغم كل الكلمات المنمقة التي طوقت أعناق الأسرى، وضيقت أقدامهم بالقيود.
شهر يونيو سنة 1991 أضرب السجناء في سجن نفحة الصحراوي عشرين يوماً عن الطعام، عشرون يوماً عبرت كل ساعة منها على السجناء كأنها الدهر، لم يدخل أمعاءهم أي طعام سوى حبات الملح، وجرعات الماء، عشرون يوماً أكلت اللحم، وأذابت الشحم، وهرست العظم، واحدودب الظهر، وتأمل السجناء أن تثور فصائل المقاومة الفلسطينية، وأن تقوم بأعمال فدائية خارقة تضامناً مع الأسرى، ولكن خاب ظن الأسرى عندما سمعوا أن الأمناء العامين لفصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة قد اعتصموا أمام مقر الصليب الأحمر في عمان، يومها قلت من سجن نفحة، وقد بللني الأسى: ماذا أبقى القادة العسكريون الفلسطينيون للنساء، وللأطفال المعتصمين أمام مقرات الصليب الأحمر الدولي!؟.