أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 47730
رحلة الطالبة عزيزة أبو كاس من الأحلام وقهوة الصباح إلى كابوس وأنقاض وخيام!!
02.09.2024

كتبت منال الزعبي - "كابوس" أقل ما يمكن أن يقال عمّا نعيشه منذ عشرة شهور حتى الآن، أو كأننا دخلنا "بكبسة زر" إلى فيلم رعب لنكون نحن ضحاياه بلا إثم أو ذنب، وضللنا طريق الرجوع!هكذا تصف الطالبة عزيزة أبو الكاس واقع الحرب في غزة، الحرب التي عصفت بحياة المدنيين وقلبت القطاع رأسًا على عقب، قتلت الناس ووأدت أحلامهم، ومزقتهم إربًا، بل استحضرت أهوال يوم القيامة التي تجعل الولدان شيبًا!تغص عزيزة وهي تروي تفاصيل حكايتها، حيث تتسارع إلى ذهنها صور بيتها الجميل، وحضن الأسرة الدافئ، وطعم أيام أصعبها أفضل ألف مرة مما يعيشون، تقول: كانت أحلى أيام، أيام عز، ما بين دراستي، جامعتي، وصديقاتي، وبيتنا الذي يتوفر فيه كل ما نريد وأكثر، كانت توقظني رائحة القهوة صباحا تفوح بين ضحكات أمي التي تتردد في الصدى، نشرب قهوتنا وأحتار ماذا أرتدي من خزانتي التي تعج بالملابس، أختار أجملها واذهب إلى جامعتي، الجامعة الإسلامية، يا الله كم كنت أحب زميلاتي وحواراتنا وخلافاتنا! كم كنت أفرح بلقاء المحاضرين ننهل على يديهم العلم ودروس الحياة! هؤلاء كانوا قدوات خلقًا وعلمًا، يجرفني الحنين إلى سماع المحاضرات الشيقة والمنقاشات الثرية، كان لدي حلم وطموح، نعم فأنا متفوقة، حيث كنت الأولى على دفعتي بمعدل فصلي نهائي 96.5 ، وكنت أطمح أن أكون معيدة في قسم محاسبة الذي أحب في جامعتي.كانت لنا حياة وتفاصيل وذكريات ملونة، نزهات ومطاعم ولمّات، ثم أعود لأقضي أجمل وقت في بيتي، غرفتي الخاصة، مكتبي، أتفنن في إضاءته، وأنعم بالكهرباء والإنترنت واللاب توب، ثم أنام في فراش ناعم بكل هدوء وراحة بال، كل ما كان يشغل تفكيري تحقيق حلمي وحلم أبي في أن أتفوق على نفسي، وأحصد المزيد من النجاحات، كنت حقًا سعيدة، وفجأة وكأن أحدهم أطفأ نور الحياة فأظلمت، سلبني كل ما ذكرت، وأحال بيتنا إلى ركام، لم يعد هناك سكن ولا جامعة، ولا دراسة، اختفت ملامح الحياة، وصرنا تسعة أفراد في خيمة، وما أدراك ما الخيمة!
**هناك حلمي، وشهاداتي، وذكرياتي، وآخر ضحكات الحياة تركتها تحت الركام، نزحنا أربع مرات تباعًا، لا نستقر على حال، نهرب من جهة إلى جهة ولا أمان في كل الجهات.
المرة الأولى كانت من بيتنا إلى بيت جدتي في الزوايدة، ثم إلى فندق الأمل في خانيونس، وحاصرنا الاحتلال عدة أيام، قبل أن نتمكن من النزوح إلى خيام رفح، ومن ثمّ إلى دير البلح في خيمة مرة أخرى، نأكل المعلبات "إن وجدت" لأيام وأيام، يشاركنا بها الذباب، وتزكم أنوفنا الأخشاب والبلاستيك المستخدم للطهي، لا يملك الواحد فينا سوى ما يرتديه من ملابس يظل فيها أسبوعين على الأقل، عطش وماء ملوث، طوابير بالساعات تنسيك أنك إنسان، تنام فتأكل الأرض جسدك، تغفو من التعب لثواني، لتستيقظ مذعورًا من هول القصف، تتحسس جسدك، لتتأكد أنك حي ترزق، كل يوم تفجع بخبر، فقدنا أحباب وصحاب، تعلمت أن شتاء الخيام صعب وصيفها أصعب، فمن زمهرير البرد إلى قيظ الصيف وحشراته التي ترتع في جسدك .. تحولت الحياة إلى جحيم لا يطاق.
الكتب هي أكثر ما كنت أفتقد إليه، يعتصرني الحزن كلما طرق حلمي السابق رأسي، حتى أخبرتني صديقتي عن مبادرة لجامعة النجاح الوطنية في نابلس، تتيح لطلبة غزة الانتساب إليها، "يدًا بيد" كانت مبادرة انتشلت أحلامنا، دون أدنى تفكير التحقت كعطش وجد ماء الحياة، رغم المعيقات والصعوبات إلا أنَّها بثت فيّ الأمل، وكانت كالنور من آخر النفق! هذه العبارة التي رددتها دومًا قبل أن أدرك معناها، وصرت أحياها فعلًا كفتاة تعيش على ركام الحياة، سجلت 10 ساعات دراسية، وصرت أخرج من الخيمة وأمشي مسافة كبيرة بحثًا عن نقطة إنترنت، ونقطة شحن لجهاز اللاب توب والجوال، تكلفني الساعة 15- 20 شيكل والحمد لله أتممت المساقات بعد جهد جهيد وعناء طويل، وأتمنى أن أكمل ما تبقى من ساعات تخصصي وأتخرج من قسم المحاسبة بأعلى الدّرجات، هذا هو الحلم الذي أعيش لأجله اليوم!
**المصدر :شبكة النجاح الإعلامية

1