يعكس تدمير الاحتلال مئات الدونمات المزروعة بالخضروات شمالي غزة «إصراره على إبادة الفلسطينيين جماعيا هناك»، من خلال فرض ظروف معيشية تؤدي بهم إلى «الهلاك الجسدي» والتجويع وتدمير الموارد التي لا غنى عنها للبقاء، وحرمانهم من الإنتاج الزراعي، وفق ما أكد «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، موضحا أن ذلك يأتي في وقت تواصل فيه حصار القطاع بشكل غير قانوني وتقيد بشدة دخول الإمدادات الغذائية منذ نحو عام.وأشار المرصد في تقرير جديد أصدره، إلى أن هذا التدمير يأتي في إطار «خطة منهجية إسرائيلية» منذ أكتوبر/تشرين أول الماضي، حيث عملت قوات الاحتلال على إخراج قرابة 80% من مساحة الأراضي الزراعية عن الخدمة، إما بعزلها تمهيدا لضمها للمنطقة العازلة بالقوة، على نحو يخالف القواعد الآمرة بالقانون الدولي، أو من خلال تدميرها وتجريفها.ووثق الفريق الميداني للمرصد توغل القوات الإسرائيلية مصحوبة بالجرافات في وقت مبكر صباح الثلاثاء الموافق 25 الجاري، في منطقة الشيماء في بيت لاهيا شمالي غزة، وشروعها بعمليات تجريف طالت أكثر من 500 دونم من الأراضي التي أعيدت مؤخرا زراعتها بالخضروات لتلبية احتياجات سكان شمال غزة الذين يعانون من تجويع ممنهج وحصار تعسفي.وأكد أن تدمير جيش الاحتلال لهذه الأراضي الزراعية التي زرع أغلبها بالباذنجان، «يعكس إصرار إسرائيل على حرمان السكان من الاعتماد على السلة الغذائية الزراعية المحلية»، لافتا إلى أن التجريف يأتي في وقت يمنع فيه إدخال كميات مناسبة من الخضار والمواد الغذائية لشمال قطاع غزة، ما أدى إلى تفشي المجاعة بشكل حاد.وأشار إلى أن هذه المجاعة دفعت جزءا كبيرا من السكان لتناول أوراق الأشجار، وطحن أعلاف الحيوانات وتحويلها إلى خبز ليبقيهم على قيد الحياة.
خسائر كبيرة
وتحدث المزارع يوسف أبو ربيع (24 عاما) من بلدة بيت لاهيا شمالي غزة، عن تكبده خسائر كبيرة جراء تجريف عشرات الدونمات في أقصى شمالي بيت لاهيا يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين.وقال للمرصد، إن أرضه تبعد عن الحزام الأمني الذي حددته إسرائيل منذ بداية الحرب، لكن التجريف جاء في الوقت الذي بدأت فيه المحاصيل تؤتي ثمارها ويقتات منها سكان شمال غزة، في ظل منع السلطات الإسرائيلية إدخال الخضراوات والفواكه لأسواق شمال غزة.
وأشار إلى أن إسرائيل عملت على مدار العام الماضي بشكل منهجي وواسع النطاق على تدمير السلة الغذائية من الخضروات والفواكه واللحوم، وكافة مقومات الإنتاج الغذائي المحلي الأخرى، بالتوازي مع منعها إدخال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية في إطار تكريسها للمجاعة في قطاع غزة، ضمن جريمة الإبادة الجماعية المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين أول الماضي.
تدمير منهجي
وأوضح أن جيش الاحتلال عمل على تدمير منهجي وواسع النطاق للأراضي الزراعية ومزارع الطيور والمواشي بنمط واضح ومتكرر، بهدف تجويع السكان وحرمانهم من السلة الغذائية من الخضار والفواكه واللحوم البيضاء والحمراء، «وجعل أمر نجاتهم مرهونا بالقرار الإسرائيلي بإدخال أو منع إدخال المساعدات الإنسانية.وأعاد المرصد التذكير بقيام قوات الاحتلال بتجريف وتدمير جميع الأراضي الزراعية على امتداد السياج الأمني الفاصل شرقي قطاع غزة وشماله بعمق يصل إلى قرابة كيلو مترين، لافتا إلى أنها بهذه العملية تكون أخرجت ما يقارب من 96 كيلو مترا مربعا، في محاولة لضمها للمنطقة العازلة بما يخالف قواعد القانون الدولي.ويضاف إليها، وفق المرصد، نحو 3 كيلو مترات مربعة، جراء شق طريق ومنطقة عازلة تفصل مدينة غزة عن وسطها من «محور نتساريم»، مبينا أن هذه المساحة تمثل نحو 27.5% من مساحة قطاع غزة.وأشار «الأورومتوسطي» إلى أن الغالبية العظمى من هذه الأراضي التي باتت ضمن نطاق المنطقة العازلة، التي يحظر على السكان والمزارعين الوصول إليها، كانت تمثل الجزء الأكبر من مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة، وقد عمل جيش الاحتلال الإسرائيلي على تجريف وتدمير جميع المباني والمنشآت فيها بشكل شبه كامل.وذكر بأن هذه المناطق كانت تضم مئات المزارع المقامة على مئات الدونمات المزروعة بالخضروات والفواكه إلى جانب مئات مزارع الطيور والمواشي.وبين أن أراضي أخرى خارج هذه المنطقة العازلة تعرضت أيضا للتدمير خلال التوغلات الإسرائيلية أو جراء القصف الجوي والمدفعي، والذي طال ما لا يقل عن 34 كيلو مترا مربعا من الأراضي الزراعية والشوارع التي تخدمها.وقال «بذلك يكون إجمالي الأراضي المدمرة هو 36.9%، وهذه المساحة تمثل أكثر من 75% من المساحة المخصصة للزراعة في قطاع غزة».وأشار إلى أن ما تبقى من مساحات مخصصة للزراعة محدودة جدا، غالبيتها في منطقة «المواصي» غربي خان يونس جنوبي قطاع غزة، وهي المنطقة التي باتت تؤوي مئات الآلاف من النازحين قسرا.وأكد أن فرقه الميدانية وثقت تعمد الجيش الإسرائيلي قتل العديد من المزارعين خلال عملهم أو محاولتهم الوصول إلى أراضيهم ومزارعهم، فضلا عن تدمير آلاف المزارع والدفيئات الزراعية وآبار المياه وخزاناتها ومخازن المعدات الزراعية، إلى جانب قتل عدد من الصيادين وتدمير مرافئ الصيد وغالبية قوارب الصيد منذ بداية الهجوم؛ ما يدلل على أنها عملت عن عمد لتدمير مقومات الحياة والبقاء دون أي ضرورة، وهو ما سيكون له أثر على توفير الغذاء الصحي المناسب لأكثر من 2.2 مليون فلسطيني في قطاع غزة، محذرا بأن الآثار ستبقى لعدة سنوات مقبلة حتى بعد وقف الهجوم العسكري الإسرائيلي.كما أشار إلى أنه نتيجة استمرار القصف والتوغل في العديد من المناطق، يتعذر وصول المزارعين إلى مساحات سلمت من القصف، فيما يتعذر زراعة مساحات أخرى وريها بالمياه لعدم توفرها مع انقطاع الكهرباء وتدمير آبار المياه وعدم توفر الوقود الكافي. جاء ذلك في وقت تمنع فيه قوات الجيش الإسرائيلي وتعرقل وصول المساعدات والبضائع للسكان والنازحين، مؤكدا ان الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة «تحمل آثارا وخيمة على الصحة العامة والبيئة والأراضي الزراعية وجودة المياه والتربة والهواء، بينما تتفاعل تأثيرات ذلك بشكل تراكمي، وعند لحظة معينة يمكن أن نشهد قفزات مرعبة في حالات الوفاة».وطالب «الأورومتوسطي»، المجتمع الدولي بالتدخل الفوري والجاد لـ «وقف جريمة الإبادة الجماعية» التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة بالقتل المباشر للفلسطينيين أو بقتلهم من خلال فرض ظروف معيشية تؤدي إلى إهلاكهم الفعلي، وحرمانهم أي فرصة للنجاة والحياة، وجعل قطاع غزة مكانا خاليا من المقومات الأساسية للبقاء والسكن.وطالب كذلك بضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بما يشمل دخول العناصر الأساسية الغذائية وغير الغذائية الضرورية، وشدد على ضرورة الضغط على إسرائيل لإدخال المواد اللازمة لأعمال الإصلاح وإعادة تأهيل البنى التحتية المدنية لتقديم الخدمات التي لا غنى عنها لحياة السكان المدنيين في قطاع غزة وإنقاذهم من خطر الكوارث الصحية.
80% من أراضي القطاع الزراعية دمرت… مرصد حقوقي: مخطط إسرائيلي لإهلاك سكان غزة بسلاح الجوع!!
27.09.2024