أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
في ذكرى نكبتنا السعيدة…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 08.05.2014

لا شيء يهز مراكز الشعور بالسعادة في أعماقنا كما تهزها ذكرى يوم نكبتنا، ولهذا رفعنا هذا العام شعار ‘يوم نكبتنا هو يوم سعادتنا’، ومن أهم أسباب سعادتنا في يوم نكبتنا أنه يصادف في يوم احتفاء أفيغدور ليبرمان باستقلاله، ولهذا فالواجب الأدبي والإنساني والفني وحق الجار على جاره والمحتل على من يحتله ويُخضعه لقوانينه العنصرية أن يعبّر عن سعادته في هذه الذكرى الغالية، وأضعف الإيمان هو الرقص، أو الدبكة، وشرب نخب نكبتنا!
لكن ما يثير الغضب وبحق، أن صدور البعض منا لا تنشرح في يوم نكبتنا، وهذا أغضبغضب وزير الخارجية ليبرمان وبحق، فقد أخذ على خاطره، وقال لمن لم يفرحوا يوم الثلاثاء هذا الأسبوع في يوم نكبتهم، إن عليهم أن ينقلعوا ويمارسوا كآبتهم وسوداويتهم في رام الله وليس في لوبية’! ولوبية هي قرية مثل خبيزة وأم التوت والترمس وغيرها من قرى تحمل أسماء البقوليات والقرنيات والثمار والأشجار، اقتلع أهلها منها، فأقام فلسطينيو 48 مسيرة العودة التقليدية هذا العام في (لوبية) وذلك يوم الثلاثاء الأخير.
كلمة ‘عودة’ مستفزة جدًا، عندما تقول’عودة’ فإلى أين وعلى حساب من؟ إن مجرد التفكير بالعودة هو تجاوز للخطوط الحمراء، وكان أجدر بالمواطنين العرب أن يقيموا مسيرات (اللاعودة) كي يكون التعبير عن الفرح في يوم نكبتهم صادقًا.
شخصيًا لم أشترك بمسيرة العودة في لوبية هذا العام وندمت كثيرًا، ولكن بعد فوات الأوان، فقد استقر رأيي على إحياء الذكرى في القدس عاصمة نكبتنا السعيدة، فمن يحتفل بنكبته في العاصمة ليس كمن يحتفل بالخبيزة والفولة واللوبية وأم التوت والترمس أو السمكية! وغيرها من الخضار والفاكهة والمنتجات الزراعية.
في القدس تسكّعت في شارع صلاح، احتسيت قهوة وتناولت مثلجات، وفكرت بالقائد الكردستاني الذي حرر القدس في إحدى أروع ملاحم التاريخ، وسألت نفسي أين صلاح الدين! فردّت نفسي’قصفوه بالكيميائي والبراميل المتفجّرة’.
قلت: ‘هذا سبب وجيه آخر لسعادتنا في يوم نكبتنا’.
صعدت إلى جبل الزيتون المشرف على القدس، كان هناك وحدات من الجنود الفرحين والجاهزين لأي طارئ، وسيّاح يستمتعون بالمشهد الرومانسي الليلي من بعيد لقبة الصخرة المشرّفة. بدأت الاحتفالات في الجانب الغربي من عاصمة نكبتنا السعيدة بإطلاق أطنان من المفرقعات رافقتها ألعاب ضوئية، بينما انتشرت في أوصال الجانب الشرقي المقطّعة بالجدار والحواجز الأجواء الكئيبة لنكبتنا السعيدة!
في نفس الليلة إلتقيت بمدير نادي جبل الزيتون الرياضي، أخبرني أن البلدية تطالب ناديه بمبلغ سبعة ونصف مليون شيكل ضرائب! و’هم مستعدون لتخفيفها والتفاهم معنا إذا تعاونا مع بلدية الإحتلال ولكن لا نتعامل معهم مبدئيًا’! وتبين لي أن حضرته سجين أمني سابق لمدة أربع سنوات، وطبيعي جدًا أن يكون أسعد خلق الله في يوم نكبتنا، ورغم مضايقات السلطات التي لا تنتهي ومحاولة إحراق النادي من قبل (مجهولين) فقد كان هناك عشرات الشبان الذين مارسوا رياضة كمال الأجسام وتنس الطاولة وغيرها.
شوارع العاصمة فارغة تمامًا، فقد ذهب كل واحد إلى نكبته الخاصة ليحضنها ويفرح فيها بهدوء مع والديه أو زوجته وأولاده.
أصبحنا وأصبح الملك لله، دخلت إلى البلدة القديمة من جهة باب العمود حيث يستقبلك مشهد القرويات بثيابهن التراثية الملونّة، يغلب عليها اللون الأرجواني، كل واحدة منهن علقت ميزانها في عنقها، يعرضن أوراق العنب والكرز والقراصيا والحمّص الأخضر واللوبيا والفاصوليا وغيرها من خيرات الأرض للمارة، جميعهن مُكشّرات لسبب غير واضح، مع أنّه يوم نكبتنا السعيد، فما المبرر يا خالتي! الأنكى من هذا رفضهن المساومة على أسعار ورق العنب الذي أوصتني زوجتي بإحضاره معي وهذا فاجأني.
على زاوية طريق الآلام حيث مر السيد المسيح ووضع كفه، هناك بائع هدايا تذكارية، كان مكشّرًا هو الآخر فاستغربت عدم سعادته بيوم نكبتنا وسألته.. لماذا؟ فقال إن المرشدين السياحيين ليس فقط أنهم يزيّفون التاريخ، بل يسرقون مصدر رزقنا ويأخذون المجموعات السياحية إلى الدكاكين الموصى عليها ‘من فوق’، قلت له أين بلدية عاصمتنا من هذا! فقال ‘البلدية تطالبني بمليون ونصف مليون شيكل ضريبة أملاك على بيت مساحته سبعين مترًا، قلت له ‘يجب أن تتوصّل معهم إلى حل قبل أن يصادروا بيتك’، فقال: أنا نقلت ملكية بيتي للوقف الإسلامي في القدس كي لا يستطيع أحد من أبنائي أو أحفاد أحفادي أن يبيعه إلى يوم القيامة!
في الطريق إلى المسجد الأقصى أصمّت الآذان طائرات حربية مرّت في سماء البلدة القديمة ضمن عروض الإحتفال، ولكنها مرت بدون إسقاط أي برميل على الناس، وهذا سبب آخر لسعادتنا في يوم نكبتنا.
عند باب حُطّه الذي يفضي إلى المسجد الأقصى ‘الذي باركنا حوله’ كان عشرات من الرجال والنساء قد وصلوا قبل صلاة الظهر، إلا أن نظام سعادتنا في يوم نكبتنا مَنع الرجال والنساء المسلمين من الدخول للصلاة إلا من تجاوزت أعمارهم الخمسة والخمسين عامًا، ثم حصل تقدم ملموس وسمحوا لمن بلغوا الخمسين عامًا، ولكن هذا كان مشروطًا بتسليم بطاقة الهوية أو جواز السفر على أمل استلامها بعد الصلاة، وهناك من فعل، ولكن عندما عاد أرسلوه إلى مركز الشرطة لاستلامها، الأمر الذي يعني ضياع النهار متنقلا بين الأسواق ومركز الشرطة والمسجد لاستعادة بطاقتك.
بين حين وآخر كان بعض الممنوعين من الصلاة يهتفون ‘الله أكبر على كل من طغى وتجبّر’، حصل تدافع تلاه غاز مسيّل لدموع فرحتنا، وأغمي على سيدتين اختناقًا، ووقع شاب تحت قصف الهراوات، وراح بعض السياح يلتقطون الصور التذكارية ليوم سعادتنا.
سألت بعض الشبان لماذا لا ترقصون؟ فقالوا ‘نحن نرابط هنا خشية اقتحامات المستوطنين لمسجدنا في يوم نكبتنا السعيدة’، وقالت سيدة لزميلتها ‘لن يقدر عليهم إلا الذي خلقهم’. تذكرت مارك توين الذي زار عاصمة نكبتنا كحاج سنة 1867 ولم يعجبه جمال العربيات، هذا رأيه أو ذوقه الجمالي ولكن لا أتفّق معه، وفقط احترامًا لميشيل أوباما لن أتحدث بشيء عن الأمريكيات. نظرت إلى أعلى لمشاهدة ما وصفه (توين) عن ضيق أزقة القدس التي يمكن لك أن تقفز فوقها من جدار إلى جدار، فرأيت أنه غير صحيح إلا إذا كنت بطلا أولومبيًا، ولكن رأيت مستوطنين متمترسين في المواقع التي نجحوا بالإستيلاء عليها، وأعلامًا وكاميرات مراقبة، ومجنّدات ومجندين ينتظرون لحظة الإنقضاض على فرحتنا في يوم نكبتنا السعيد.

1