أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
لحيتان وشاربان وذراع مقطوعة!!
بقلم : سهيل كيوان ... 01.09.2016

بعد منتصف الليل سُمع ذلك الصوت المنذر بوقوع حادثة سير على الشارع الرئيسي المحاذي لبيوت القرية، هرع الناس كالعادة لمساعدة المصابين، فلم يجدوا ما يقدمونه سوى التعبير عن هول ما رأوا، شاحنة صدمت دراجة نارية محقتها والجسدين اللذين كانا عليها.
قدموا زجاجة ماء لسائق الشاحنة وراحوا يواسونه، حتى حضرت الشرطة والإسعاف، أُغلق الشارع لأكثر من ساعة، وأخلي المكان، وانتهى الأمر.
في عصر اليوم التالي كان صبية يلعبون بين أشجارالزيتون القريبة من الشارع، عثروا على ذراع «بلاستيكية» داكنة اللون، اقترب أحدهم منها ورفعها، وحينئذ صرخ بذهول ورماها: «هذه يد حقيقية وليست بلاستيكية»، وقف الصبية مندهشين، وركض الصبي إلى بيته القريب وعاد بدلو وخرقة، رفع اليد وهو ينظر جانباً باشمئزاز ووضعها في الدلو، ثم ركض إلى بيته، ليري والده اليد المبتورة! صرخ والده « ما هذه اللعبة القذرة!
-لا يابا.. إنها يد من لحم وعظم حقيقي…
ذُهل الوالد لوهلة، ثم صرخ… أين وجدتها؟ من أين أتيت بها؟»
- بالقرب من الزيتونة المنحنية بمحاذاة الشارع.
أخذ الرجل الدلو، نظر إلى الذراع بدهشة، ثم دار حول نفسه وقال: «أنت كالبوم لا تذهب إلا إلى الخرائب، ماذا أفعل بيد مقطوعة؟».
احتار الرجل، هل يدخل البيت وبيده الدلو؟ أم يبقيها خارج البيت؟ ولكن زوجته كانت بالمرصاد» شو هذه المصيبة… إياك أن تدخلها للبيت… وركضت إلى الحمّام.
ترك الدلو أمام البيت والتفت إلى الصِبْية…»إياكم أن تلمسوها»!.
نقل رقم مركز الشرطة الذي دوّنه بخط واضح على ظهر دفتر الهاتف
- هالوا… شرطة!
- من أنت وماذا تريد؟
-أنا سعيد أبو نصر… عثرت على يد مقطوعة.
-على ماذا عثرت؟
-على ذراع مقطوعة مع كف وأصابع.
- هل تعرف صاحبها وكيف قطعت.
- جمعوا أشلاء الشابين وتركوا يد أحدهم للكلاب.
- أي شابين؟
- إنها يد واحد ممن كانا على الدراجة النارية التي صدمتها الشاحنة.
- أي شاحنة وأي دراجة؟
- ألا تسمعين الأخبار؟ الحادث الرهيب الذي وقع ليلة أمس.
- أها… أنت تقيم هناك حيث وقع الحادث؟
- نعم بيتي لا يبعد عن الشارع سوى تسعة وأربعين متراً.. الجميع في مركز الشرطة يعرفونني …فقط قولي سعيد أبو نصر… أنا صاحب البيت المهدد بالهدم منذ عشر سنوات.
- حسناً… هل اليد عندك؟ ما اسمك مرة أخرى؟
- اليد عندي، واسمي سعيد أبو نصر.
مرت دقائق وصل خلالها إلى بيت سعيد بعض الشبان والصبية والجيران، ثم ما لبثت أن تزايدت أعداد الزائرين الذي كانوا يتساءلون «أين اليد المقطوعة؟ حقاً هل عندك يد إنسان» «أين اليد، هل تسمح لي برؤيتها؟ أين الدلو… هل هي يد إنسان حقاً أم لعبة؟». كان بعض المتسائلين يصوّب شاشة هاتفه للتصوير.
انبرى أحدهم من بين الجمع وقال: « شابان قتلا على دراجة نارية… عملتم منها قصة وحكاية».
- قال آخر: ولكن أحدهما دفن من دون يده.
- مسكين كيف لم ينتبهوا بأن يده طارت؟
- يا جماعة بالتأكيد وضعوهما في صندوقين خشبيين ولم يروا الجثتين، بالتأكيد اختلطت الجثتان.
- ولكن هذا حرام، ألم ينتبهوا أن هناك جثة من دون ذراع… هذا استهتار من الشرطة والإسعاف… أين ذووهما؟
- يا جماعة قد يكون القتيلان من أولئك الذين لا أهل لهم، لقطاء، لا أحد يسأل عنهم.
- يعني حتى لو كانا لقيطين، كيف يدفن إنسان من دون ذراعه… كيف لم ينتبهوا جسد الإنسان مقدس، أليس كذلك؟
- كلام فارغ وكذب، لا قداسة ولا قيمة لشيء. الإنترنت مليء بصور وفيديوات الجثث المقطّعة.
قال آخر
- يا ناس… يا عالم هل صارت يد إنسان مقطوعة للفرجة؟
فرد عليه أحدهم
- وأنت لماذا صوّرتها، ما دمت تقول إنها ليست للفرجة.
- أنا أتيت لأرى حقيقة إذا كانت يد إنسان.. هذا مؤلم لكل من لديه ذرة من الإنسانية.
- وهل ترانا نرقص؟ نحن أيضا نقول حرام… حرام أن يدفن الإنسان ناقصاً ذراعه، لولا عثور الأولاد عليها لأكلتها الكلاب المتوحشة.
– أي نعم، السهل مليء بالكلاب المسعورة، إنها مخيفة.
- عجيب أن الكلاب لم تهتد إليها، وإلا كانت أكلتها.
فجأة قالت إحدى الفتيات من الجارات: ولكن هذه يد امرأة.. وقالوا إن القتيلين على الدراجة كانا شابين.
ساد صمت ونظروا إلى بعضهم بعضاً مستغربين…
- إذن لمن هذه الذراع؟
قال أحدهم – ربما من كانا على الدراجة شاباً وشابة، من رأى جسديهما في الظلام؟
رد رجل وهو ينفث دخان سيجارته – كانا شابين بشاربين ولحيتين، رأيتهما بعيني… وهذه ذراع امرأة، في كفّها حناء، يبدو أنها قريبة عريس أو عروس…
قال آخر- أنا سمعت في نشرة الأخبار أن شابين قتلا في الحادث وليس شابا وشابة!
- ولكن ربما كان أحدهما يشبه الفتيات، الحناء في الكف لا يعني أنه فتاة…
- يا جماعة شاب أو فتاة إنها يد إنسان.
- يا أهبل، إذا كانت هذه يد امرأة، إذن فهي ليست لأحد ممن كانا على الدراجة.
- إذن من أين أتت هذه الذراع؟ هل سقطت من السماء؟
قال أحدهم ساخراً – لعل لأحدهما ثلاث أذرع…
- هل هذا مضحك؟ أنت بلا إحساس…أنت حيوان… إذا كانت هذه ذراع امرأة فهذا يعني وجود قتيلة!
ساد صمت للحظات حتى قال أحدهم: ومن يمكن أن تكون القتيلة! وما الذي أوصل ذراعها هنا، وأين جثتها!
- الله أعلم من تكون، ولكن هناك امرأة مختفية من منطقتنا، كانت صورتها على الإنترنت.
- يا جماعة إفتحوا الطريق، وصلت سيارة الشرطة.
هبط من السيارة شرطي نحيل وجهه مصفر وقال: « أين سعيد؟ أين أبو نصر؟ (وهو ينظر إليه). رد سعيد على الشرطي الذي يعرفه- أهلا دهّان.
- ما الذي عثرت عليه؟
- ابني هو الذي عثر عليها وليس أنا… إنها ذراع إنسان… شوف.
كشف الشرطي عن اليد، تأملها جيداً، ثم حرك رأسه حركة خفيفة بالكاد تلاحظ كأنما يقول إنه فهم شيئاً.
- أين الولد الذي عثر عليها…ابق هنا مع والدك.
اتصل الشرطي مرة أخرى وراح يتحدث كأنما يبوح بسر خطير… إنها يد امرأة، في كفها حناء.
بعد ساعة وصلت سيارات شرطة إضافية ومن بينها سيارة التحليل الجنائي، والولد يشير حيث وجدت الذراع وكلاب قص أثر تشمشم المكان يتبعها شرطيون، بينما وقف كثير من الفضوليين جانباً يراقبون ويتهامسون بين بعضهم بعضا.» قد تكون هذه ذراع الإمرأة المختفية منذ أيام، صورتها على الإنترنت…» آه صحيح…كانت صورتها على الإنترنت، خرجت ولم تعد، وكان زوجها يطلب مساعدة الجمهور في العثور عليها» ولكن لماذا تقتل امرأة مثلها…»ربما هذه امرأة أخرى…الله أعلم، الله يستر على الولايا».

1