أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الأسد سيرد والحاضر يعلم الغايب!!
بقلم : سهيل كيوان ... 23.03.2017

يحاول النظام السوري الإيحاء بأن مقولته التاريخية المتعلقة بالزمان والمكان المناسبين منذ عقود قد أزفت بالفعل، ولأنها حانت بعد صبر أيوب، فقد أطلق صاروخًا مضادًا للطائرات بعد صمت أهل المقابر.
والآن على الشعب السوري والأمة العربية وحركات التحرر العالمي والأمم في مشارق الأرض ومغاربها أن يشكروه على شجاعته وجرأته ووفائه بوعده، فها هي إسرائيل تعرب عن قلقها من أن الأسد يحاول تغيير قواعد اللعبة، وأن المنطقة على شفا مرحلة جديدة، وأن الحيدرة الهزبر قد بدأ عملية فطام عن إدمانه في تلقي صفعات وركلات وكرابيج دولة الاحتلال، وأنه من الآن فصاعدًا لن يسكت على الإهانة، والحاضر يعلم الغايب.
فما الذي تغيّر حتى قرر النظام أن يرد هذا الرد المتواضع؟ ولماذا الآن وهو الذي لم يمارس حتى شرف المحاولة منذ عقود؟ ثم مَن هو الذي يفترض أن يبادر أصلا للتحرش بالآخر؟ المحتل للأرض منذ خمسين عامًا أم صاحب الحق والأرض المحتلة؟ وما هي اللعبة المتفق عليها التي يحاول النظام السوري تغيير قواعدها؟
اللعبة هي أن النظام تذرع طيلة عقود بعدم الرد تجنبًا للدخول في مواجهة غير متكافئة مع العدو، وبهذه الذريعة حارب لبنانيين وفلسطينيين وقوى داخلية بحجة رفض محاولة جرّه إلى مواجهة غير متكافئة، فهل حدث التكافؤ والتوازن الإستراتيجي المرتجى، بعد استنزاف سوريا جيشًا وشعبًا على مدار ست سنوات؟
النظام يصدع رؤوس المراقبين منذ ستة أعوام بما يسميها انتصاراته على قرية سورية هنا وكتلة إسمنتية وحي وميدان وطريق فرعي أو رئيسي ومنطقة صناعية هناك، انتصارات كلفت حتى الآن ما يقارب نصف مليون ضحية من المعارضة والموالاة، إلى جانب تهجير الملايين وخسارة مليارات الدولارات، نعم فقد كان مستعدًا للمبادرة في العنف، ومستعدًا لخراب البلد لأجل كرسيه، ولكنه بقي متعقلا رابط الجأش حليما صبورًا في مواجهة الاحتلال، واكتفى بجملته الشهيرة التي صارت نكتة بائسة.
يحاول النظام الإيحاء بأن القوى التي استجار بها ضد شعبه، خصوصا الروس والفرس، ليست مختصة فقط في قمع الشعب السوري، بل بوجودها صار بإمكانه التصدي لغارات إسرائيل واعتداءاتها المتكررة، وهكذا توجه رأس النظام إلى بوتين متوسلا بقوله إن القانون الدولي يسمح لروسيا بأن ترد على عدوانية إسرائيل.
نعم لقد أزفت الساعة ليعلن الأسد أنه في حالة اشتباك مع إسرائيل، كي يبرهن على أن من يحارب النظام هو خائن وحليف لدولة الاحتلال، إنه الوقت المناسب ليثبت كذبه وافتراءه بأن إسرائيل تدعم الثوار، هو الوقت المناسب بأن يحاول إثبات وجود مؤامرة كونية كما زعم، وبأنه بريء من دم الشعب السوري.
الشماعة المشتركة لجميع من يحاربون الشعب السوري، هي محاربة ما يسمونه التطرف والإرهاب الإسلامي، بهذا يتفق بوتين ونتنياهو والأسد وترامب وقاسم سليماني وحسن نصر الله وغيرهم، ولكن لكل منهم طريقته والحق بتفسير ما هو هذا التطرف والإرهاب. لروسيا أطماعها التي حققتها وما زالت تُرسّخها وتوسّعها، ولهذا استأجرت الأرض والمياه والفضاء السوري إلى عشرات السنين المقبلة، وتريد المحافظة على هذه المكتسبات، ولإسرائيل أطماعها المعلنة ألا وهي استمرار احتلال الجولان إلى الأبد وشرعنته دوليا وبقاؤها القوة المهيمنة والمسيطرة التي لا تسمح لأي طرف في المنطقة أن يقوى مهما كان اتجاهه، لأنه قد يتحوّل في يوم ما ضدها بتغير هذا النظام أو ذاك.
الخلاف بين بيبي نتنياهو وبوتين ليس على مبدأ محاربة ما يسمونه التطرف والإرهاب الإسلامي، ولا على قمع الشعوب العربية، خصوصا الشعب السوري، الخلاف هو فقط على التفاصيل وزوايا المصالح، ففي حين ترى إسرائيل أن من حقها تدمير أي حمولة أسلحة تشك بأنها متوجهة إلى حزب الله، وأن تقتل أي ضابط يقترب من حدود وقف إطلاق النار، وتعلن بهذا أنه ما دام حزب الله متورطا في الدم السوري فهذا يسرّها جدا ولن تتدخل، أما إذا حاول التسلح والتفكير بأن يعود كما كان قبل تورطه في سوريا فهي ستمنعه من ذلك، روسيا ترى بأنها صاحبة القرار الأول والأخير في سوريا ويجب التفاهم معها على كل هدف قبل ضربه حفظًا لهيبتها ولمصداقيتها.
لقد أصبح الرد على الهجمات ضروريا للأسد، ليس حفظًا للكرامة السورية والعربية التي عاث فيها فسادًا هو نفسه، ولا لأنه صاحب حق بالرد يعترف به القانون الدولي، بل لأن الرّد بات ضرورة لحفظ الكرسي المترنّح، وليس نتيجة شعور بالقوة، بل هو شعور بالضعف والوهن، وأن عدم الرد لم يعد مفهوما ولا مقبولا حتى لأقرب حلفائه، خصوصًا بعدما ضحى بمئات آلاف السوريين على مذبح سلطته، ويرى حتى أقرب حلفاء النظام بأنه لا يستطيع مواصلة التهرب من دفع ثمن التصدي للعدوان الإسرائيلي. لقد آن الأوان بأن يرد على هجمات إسرائيل ليقول إنه ضحية للثوار من ناحية، ولإسرائيل من ناحية أخرى، وكي يقول إن روسيا وإيران والميليشيات ليست في سوريا لقمع الشعب السوري، بل أيضا تتصدى لإسرائيل وتحد من عدوانيتها.
صحيح أنه بإمكان روسيا وضع حد لعربدة إسرائيل في سماء سوريا لو أرادت ذلك، وإذا رأت أن هذا بات ضرورة لبقاء النظام المترنح الفاقد للحد الأدنى من المصداقية، ولكن لا يتوهمن أحد بأن هذا قد يصل إلى درجة المواجهة، بل سيبقى في إطار التنسيق المشترك، وسوف يتفاهم بيبي وبوتين من جديد على كيفية معالجة أهداف ومصالح كل منهما، بما يضمن عدم المواجهة والإحراج ويضمن في الوقت ذاته مصلحة إسرائيل وطمأنتها، وكذلك إبقاء ماء الوجه لروسيا الدولة العظمى صاحبة القرار الأول والأخير في سوريا، وطبعا لا مفر أمام الأسد سوى مباركة أي اتفاق.

1