لماذا تعتبر الفيضانات أرحم من الحرائق؟ رغم أن الكوارث التي تسببها الفيضانات قد تسبّب أضراراً وخسائر مادية وبالأرواح لا تقل عن أضرار الحرائق، كفانا وكفاكم الله شرّ هذه وتلك.
السَّيئ في الكوارث الطبيعية ليس فقط أضرارها هي بذاتها، بل الأسوأ، أنها قد تستغل سياسيا، وعلى حد سواء من قبل أحزاب المعارضة أو أحزاب في السّلطة وحتى من قبل متنافسين على قيادة في الحزب نفسه، فالسياسة القذرة مستعدة لتجيير كل شيء كي تكسب!
الأمر الطبيعي أنه يمكن لمتنافسين على مواقع قيادية، أن يتهموا غيرهم من المسؤولين بالتقصير، وعدم اتخاذ التدابير المناسبة «رغم التحذيرات» الكثيرة، مثلا بإعداد شبكة تصريف ملائمة لمياه الأمطار، أو إقامة جدران واقية حول الأودية، واتخاذ احتياطات أمنية في الغابات الطبيعية، مثل إقامة شبكات إطفاء ذاتية، تعمل في درجة حرارة معيّنة، أو بعد انتشار كمّيات معيّنة من الدخان، أو تشغليها من بعيد، قبل وصول أجهزة الإطفاء، وحتى قبل عِلم البشر المسؤولين بالحريق. المعارضة قد تتّهم الحكومة بالتقصير، ومن في الحكومة قد يتهمون هذا المسؤول أو ذاك بالإهمال، ويطالب بعضهم برصد مزيد من الميزانيات لمصلحة الإطفاء والإنقاذ واقتناء معدات حديثة وضخمة. لكنَّ هناك من يجعل من الكوارث الطبيعية مناسبة للتحريض السياسي على أبناء أقلية قومية مثلا، أو أتباع مِلّة أو مذهب أو ضد مهاجرين، بغض النظر عن عقيدتهم، فيتهمهم بإشعال متعمّد للحرائق وبتخريب الطبيعة، وهذا الأمر وإن بدا غريبا، ولكنه في أجواء التطّرف السّائدة في كثير من البُؤر حول العالم لن يكون غريبا أبدا، ولن يكون مفاجئاً إذا انبرى قائد سياسي في أوروبا أو في استراليا أو أمريكا أو الهند، أو أي مكان في العالم، وحتى في دول عربية وإسلامية ليعلن أن وراء هذا الحريق أو ذاك، يقف إرهابيون أو مهاجرون أو أبناء أقلية قومية ما، أو أبناء دين أو مذهب بعينه، طبعاً هو الدين نفسه الذي صارت له فوبيا باسمه، وصار ذريعة للعجم والعرب في محاربة معارضيهم.
الأمر شديد الوضوح في وطننا الجميل، فما أن يشتعل حريق في غابة، وقبل أن تصل أجهزة الإطفاء، يعلن المسؤولون عن فحص إمكانية أن يكون الحريق بفعل جهة معادية، ويمضي التحريض إلى أن يُعلنَ عن سبب الحريق، الذي قد يكون زجاجة، أو بسبب إهمال سائح إسرائيلي فقد السَّيطرة على النار أثناء إعداد غلاية قهوة، ولكن الوجبة العنصرية ضد العرب، تكون قد وصلت وحقّقت هدفها في وعي الجمهور الواسع، الذي يميل إلى تصديق كلِّ ما هو سلبي عن العرب ويروّج له، وليس لأنه مضلّلٌ كما يتبادر إلى الذهن، أو كما كنا نعتقد، فهناك قطاعات واسعة من هذا الجمهور تتقبّل وتحرّض بوعي رغم علمها بأنه كذب، ولكنه جيّد وحلال، ما دام أنه يخدم الهدف السّياسي. قبل بضع سنوات استغل نتنياهو فرصة اشتعال حرائق في أحراش الكرمل في حيفا، ووجّه أصبعه إلى «مخرّبين» من العرب، لم تكن لديه مشكلة في التحريض كي يحظى بالمزيد من الشعبية، وأقرّت حكومته قانونا اعتبر الحرائق أعمالاً عدائية، أي أنها ليست مخالفات جنائية لمن يقوم بها، بل أمنية، فإظهار التشدّد تجاه العرب صناعة مربحة، وخطاب أساسي في سياسات أحزاب السلطة، مع تفاوت في حدّتها من الفاتح إلى الغامق إلى الأغمق إلى الأشد قتامة إلى الأسود الفاحم. المحرِّض على العرب في الدّاخل، هو نفسه الذي يفخر بتمهيد الطريق لعلاقات تطبيع مع العرب «الطيّبين» فيمتدح كرمهم كثيرا، ويفخر بأنه يقيم وسيقيم معهم تحالفات أمنية معلنة وسرِّية. في موجة الحرّ المتصاعدة التي سوف تصل بلادنا كما في كل عام، قد تسببّ حرائق غابات خلال جولة الانتخابات التي بدأت حرارتها بالارتفاع، وعلينا أن نكون مستعدّين لتهمة إشعال الحرائق المتعمّد.
أما لماذا الفيضانات أرحم من الحرائق، فلأنه لا يمكن الادعاء مثلا بأن عرباً من من مدينة اللد، يقفون وراء فيضان نهر إسكندر، أو أن عربا من الجليل زادوا من كميات الأمطار الموسمية بشكل متعمّد على المناطق المنخفضة في الساحل، ولن يجرؤ أي مسؤول في الشرطة على الإعلان بإلقاء القبض على شبان من العرب البدو في النقب، ضُبطوا متلبّسين بدحرجة أمواج من البحر المتوسط على مدينة أشدود بلغ ارتفاعها ثمانية أمتار، وأنه جرى تمديد اعتقالهم.
الفيضانات أرحم من الحرائق!!
بقلم : سهيل كيوان ... 21.07.2022