أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
جُمجُمة جزائرية ورحمٌ فلسطيني!!
بقلم : سهيل كيوان ... 26.10.2022

هناك من يخشى أن تتغلغل فكرة المساواة في وعي الناس، فيؤمن البعض بأنهم ليسوا أقل من غيرهم، والأخطر أن يستعدوا للنضال لأجل تحقيق هذه الفكرة، وهذا قد يؤدي إلى كوارث.
مطلب المساواة عنيفٌ في جوهره، ولهذا فإن الرضا بالتمييز العنصري، هو الطريق الآمن تجنبا للوقوع في مطبات خطيرة لا تحمد عقباها، خصوصاً عندما تكون الأكثرية عنصرية رافضة لفكرة المساواة، ومقتنعة بأن جيناتها تحمل خصائص أفضل من جينات الآخرين بالوراثة، وترى أن على أصحاب الجينات المسكينة المتخلفة أن يرضوا بما قسمت لهم كروموزوماتهم.

هناك من يخشى أن تتغلغل فكرة المساواة في وعي الناس، فيؤمن البعض بأنهم ليسوا أقل من غيرهم، والأخطر أن يستعدوا للنضال لأجل تحقيق هذه الفكرة

ما أثار هواجسي هذه، هي قضية جماجم الجزائريين التي كانت في الأسر الفرنسي، تلك الجماجم التي أعيدت إلى موطنها الأصلي كإعلان نوايا طيبة بين فرنسا والجزائر، وكانت قد نُقلت إلى فرنسا في القرن التاسع عشر، بعد قتل أصحابها المجاهدين ضد الاستعمار، وذلك لإجراء دراسات علمية عليها، لإثبات أن الإنسان الجزائري العربي الافريقي، أقل تطورا في تركيبته البيولوجية من الإنسان الأوروبي أو الفرنسي، بعبارة أخرى لإثبات وجود مرحلة من تطور الإنسان تقع بين الشمبانزي والإنسان الفرنسي، وهذا يعني علمياً وجود هوة بين الصنفين عمرها بضعة ملايين من السنين على أقل تقدير. هذا ينتمي إلى الفكر العنصري النازي القاصر عن رؤية الحقيقة العلمية البسيطة، والدليل أن الدول والشعوب المتخلفة اليوم، كانت في زمن ما امبراطوريات عظيمة قوية في كل مجالات الحياة من علوم وفنون وفلسفة وقتال، بينما كان غيرها يخبط خبط عشواء، و»تلك الأيام نداولها بين الناس». عنصرية الفرنسيين أحالتني إلى عنصرية تسرح وتمرح في فلسطين، جاء أحد تعبيراتها الفظة اللاأخلاقية على لسان بروفيسور يعمل رئيس قسم جراحة القلب في مستشفى سوروكا في بئر السبع، الذي طرح فكرة معاقبة النساء العربيات اللاتي تنتج أرحامهن أكثر من ثلاثة أبناء، جاء اقتراح البروفيسور هذا، خلال حلقة انتخابية لرئيسة حزب «البيت اليهودي» وزيرة الداخلية، حضرها العشرات، وللحقيقة أنها ردت عليه بضحكة وبأن «هذا غير قابل للتطبيق»، أما المستشفى وصندوق المرضى الذي يعمل فيه هذا البروفيسور، فاعتبر أنها وجهة نظر. يأتي هذا الاقتراح بعد قانون لم الشمل، الذي يمنع الفلسطيني في إسرائيل من الزواج بفلسطينية من الضفة الغربية أو قطاع غزة أو الشتات، أو من أي دولة تعتبرها إسرائيل معادية، لأن هذا سيزيد من عدد الفلسطينيين داخل إسرائيل. اقتراح منع إنجاب العربيات لأكثر من ثلاثة أبناء، ينسجم مع قانون يهودية الدولة الذي جاء قبل قانون منع لم الشمل، وهكذا تزداد الشهية للإبداع في مزيد من القوانين العنصرية كلما لاحظ العنصريون ضعفاً وخضوعاً لدى الطرف الذي يمارسون عنصريتهم ضده. لم يقترح الطبيب الجراح قتل الجنين الرابع، لا سمح الله، ولكنه اقترح فقط فرض غرامة مالية على المرأة التي تنجب الطفل الرابع، وتغليظ الغرامة على الطفل الخامس، وليس غريباً أن يصبح هذا القانون حقيقة في يوم ما، تمشيا مع التطورات السياسية إقليميا ودولياً، ومن ثَم إنشاء دوريات وحواجز طيارة لإجراء فحوصات فجائية للنساء العربيات، وتحويل الحوامل بعد الثالث منهن إلى الإجهاض القسري، وإرغامهن على دفع تكاليف عملية الإجهاض. ربما تنشأ قوانين فرعية ملزمة للنساء العربيات بتبيلغ الجهات المختصة، إذا ما حدث وحملت إحداهن بالخطأ، وذلك لمعالجة الأمر قبل تفاقمه، وحينئذ تكافَأ بإجهاضها مجاناً على حساب الدولة.
هذه المُقترحات المريضة، تعكس مزاجاً محلياً وإقليمياً وعالميا من التطرف، يُكَمل بعضه بعضا، ولكنها في الوقت ذاته تعكس ضعف الدولة وقلقها، الذي يجعلها تعد المواليد الجدد، وتوقعاتها لأعدادهم في العقود المقبلة، لتخطط في كيفية وقف الكارثة الديمغرافية المحدقة من خلال عمل أي شيء ممكن، لدفعهم إلى تحديد نسلهم وتشجيع هجرة شبابهم.
هذا يحدث بكل بساطة، لأن العُنصريين يرفضون حقيقة وجود شعب آخر منزرع في وطنه، إنه كابوس سوف يستمر في تأريق العنصريين، ولن يُشفوا منه، حتى يستأصلوا العنصرية من أنفسهم، وعلينا أن نساعدهم نحن في نزعها منهم، من خلال التصدي الواضح والحاد لهذه العنصرية ورفضها بعنفوان، وحينئذ سوف تتغير نظرتهم إلى الحياة، فيروا جمال الحياة مع العرب والفلسطينيين بشكل خاص، ويشجعونهم على المزيد من الإنجاب، لأن أجمل ما في الحياة هو وجود شعوب وقبائل مختلفة الأشكال والألوان والألسن والتقاليد، للتعارف والبناء والإبداع..

1