أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
عن نبوءات الخراب!!
بقلم : سهيل كيوان ... 15.08.2024

يحيي اليهود ما يسمى «ذكرى خراب الهيكل» في التاسع من آب/أغسطس حسب التقويم العبري، في هذه الذكرى يكثُر الحديث عن مخاطر خراب دولة إسرائيل.
هنالك منظّرون منهم أنفسهم، يتحدّثون عن أنّ مقوّمات انهيار دولة إسرائيل باتت قائمة، وينسبونها إلى عوامل داخلية أكثر من المخاطر الخارجية، فالبعض يقول إنّ الخلافات الداخلية بين النهج العلماني والنهج الديني الأصولي، ستؤدي إلى دمار الدّولة الحالية، ويقول بعضهم إنَّ سبب الخراب هو الابتعاد عن الدين اليهودي، مثل احترام السّبت والالتزام بتعاليم التوراة، وهناك من يعتقد من العلمانيين، أنَّ سبب الخراب سيكون بسبب الفساد في السّلطة، وعدم وجود رحمة للفقراء، وسيطرة مجموعة من المنتفعين على السُّلطة، ممن يدوسون على المبادئ الإنسانية، وفقدان العدالة الاجتماعية، إلخ.
إلا أن هذه النظرية تفتقر إلى البراهين، فالكثير من دول المنطقة والعالم تفتقر إلى العدالة الاجتماعية، أكثر بكثير من إسرائيل، وهنالك دول في قاع سلم الفساد العالمي، وتتحكّم فيها نسبة ضئيلة من أصحاب المصالح المشتركة، الذين لا يقلّون وحشية عن أمثالهم في إسرائيل، ومنهم من استولوا على مقاليد السُّلطة بالحديد والنار والمجازر الدموية، وتكتظّ سجونهم بالأبرياء، كأنّهم يحتلون شعوبهم، ورغم ذلك فإن هذه الدول لا تنهار، وتستمر في الوجود، مع أنها دول فاشلة أو على حافة الفشل.
الخلافات الداخلية مهما كانت قوية لن تكون سبباً في انهيار دولة الاحتلال، فأمام الخطر الخارجي يتوحّد الجميع، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، يتوحّد العلماني والأصولي والفقير والغني، ويشهر الجميع شعار الخطر الوجودي. في ذكرى «خراب الهيكل»، اقتحم الوزير المسؤول عن الأمن والشُّرطة في دولة الاحتلال إيتمار بن غفير ساحات المسجد الأقصى، بمرافقة آلاف من أنصاره وغير أنصاره، رغم معارضة قطاعات من المجتمع الإسرائيلي، خصوصا الأصوليين (الحريديم) الذين يحرّمون دخول اليهود إلى «جبل الهيكل»، حسب عقيدتهم، ذلك أن الهيكل سوف يهبط جاهزا من السّماء، من غير تدخل بشريّ. هنالك من يرفض دخول الأقصى مثل زعيم المعارضة العلماني يائير لابيد، لأنّه يراه استفزازاً غير ضروري لمياريّ مسلم في العالم، خصوصاً في هذا الظرف بالذات (من هذه الناحية بإمكانه أن يطمئن). اقتحام وزير الأمن للأقصى، هو خريطة طريق إلى ما تخطّط له القوى التي باتت مُسيطرة على الشّارع الإسرائيلي، وعلى قرارات أعلى سلطة تشريعية، وتفكّر في تنفيذه، ترافق هذه الاقتحامات حملة إعلانية ضخمة في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، تتحدّث عن الهيكل الأول والثاني وخرابهما، وتصوّر دولة إسرائيل والاحتلال الكامل لفلسطين على أنها عملية تحرير لما فقده الشّعب اليهودي عبر تاريخه، وبهذا المعنى يكون الشّعب اليهودي ممثلا بدولة الاحتلال، قد استعاد أحد أهم مقدساته، وهو «جبل الهيكل».
بوجود قوّة عظمى مثل أمريكا، لا يمكن الحديث عن عوامل خارجية تنهي دولة الهيكل الثالث، في هذه الحالة سوف تُخرب دول أخرى، لأنّ أمريكا هي خط الدفاع الأول والثاني والثالث عن إسرائيل، ثم إنّ إسرائيل دولة نوويّة، وإذا شعرت بخطر حقيقي على وجودها فلن تتردّد عن استعماله، ولكن ما يميّز هذه المرحلة هو أن استعمال السِّلاح النووي أو عدم استعماله، صار مسألة نقاش وفيها نظر، بعد أن كان الحديث عن استعماله شبه محظور، وقد لوّحت به إسرائيل مرة واحدة في تاريخها عام 1973 في الأيام الأولى من الحرب وبصمت! في بداية حرب الإبادة الحالية في قطاع غزّة وبعد صدمة السّابع من تشرين الأول/أكتوبر، سُمعت أصوات طالبت باستعمال السِّلاح النووي ضد قطاع غزة، علما أنّ مقاومة غزّة لا تملك سوى أسلحة بدائية، مقارنة بما تملكه إسرائيل، هذا الصوت عبّر عن ضعف شديد وليس عن قوة، بل عبر عن هستيريا أصابت الشّعب والسّلطة بسبب قوة الصّدمة والشعور بالضعف أمامها. كذلك هناك دعوات لاستخدام السلاح النووي ضد لبنان، في حال فتحَ حزب الله حربا شاملة، وقد هدّد مسؤولون باستخدام أسلحة لم تستخدم من قبل. في الأسبوعين الأخيرين وبعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران، والحديث عن ردٍّ إيراني استرداداً للكرامة، هنالك دعوات وترويج قوي لضربة استباقية ضد إيران وحزب الله، بذريعة إمكانية احتلال حزب الله لمناطق من الجليل، الأمر الذي يعني تهيئة الأجواء لضربة استباقية لحزب الله، «قبل أن يبادر ويحتل الجليل»، وقد كثر الحديث عن الضربة الاستباقية في الأيام الأخيرة. تعتمد فرضية «احتلال الجليل» على تصريحات للسّيد حسن نصر الله أكثر من مرّة، بأنّه لا يستبعد دخول قوات الحزب إلى قرى الجليل في حالة نشوب حرب شاملة، وأعتقد أنّ هذا نوع من الضغط لردع إسرائيل عن محاولة توسيع الحرب، ولكنها تستغل هذه التصريحات للترويج لضربة استباقية، خصوصاً أن سكان المناطق الحدودية مع لبنان يضغطون على الحكومة بأن تفعل أمراً ما ضد حزب الله بهدف تحجيم قوته، وإبعاد تهديده لمستوطنات الشمال واستعادة الرّدع. إلا أن ضربة ضد حزب الله غير مضمونة النتائج وقد تؤدي بالفعل إلى خراب واسع خصوصاً في شمال إسرائيل.
بالنسبة لإيران يُنشر بكثافة عن إمكانية وصولها السّريع إلى إنتاج القنبلة النوويّة، والقدرة على حملها وإطلاقها، ويأتي هذا على لسان صحيفة للمعارضة الإيرانية «إيران انترناشيونال» حسبما نشر موقع «يديعوت أحرونوت» يوم أمس الأربعاء، ومن وسائل إعلام ومسؤولين أمريكيين مثل «وول ستريت جورنال»، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي صرّح قبل شهر بأن إيران على بعد شهر واحد من إنتاج قنبلة نوويّة، أي أنها حسب تصريحه وصلت اليوم إلى إنتاج القنبلة. من ناحيتها تدرك إيران خطورة الرّد الذي ينتظره الجميع وكأنهم يدفعونها إليه دفعاً، وبات كأمرٍ حتميّ لا بد منه، الجميع يروّج للردّ، أولئك الذين يؤيّدون حق إيران، وكذلك خصوم إيران، والبوارج الحربية الأمريكية جاهزة للرّد على الرّد، والتوقعات بالرّد على هجوم كبير ستكون بردٍّ واسع وعنيف قد يؤدّي إلى حرب شاملة ليس من مصلحة إيران الدخول فيها، لأنها تعني المواجهة مع أمريكا، بل أعتقد أن إسرائيل تنتظر أي رد إيراني يصلها ولو كان متواضعاً لتردّ بقوة هائلة تُرغم جميع الأطراف على الدخول في حرب شاملة، ليس لأن إسرائيل قادرة على حرب شاملة على عدة جبهات، بل لأنّها تعتمد كلّياً على الولايات المتحدة والغرب في إنهاء المهمّة التي تصبو إليها.
الترويج لصفقة وقف الحرب على قطاع غزة، مقابل التنازل عن الرّد الإيراني، فكرة ممتازة بالنسبة لإيران، لأنّها ستكون صاحبة الفضل في وقف حرب الإبادة على قطاع غزة، وحينئذ ستخرج من هذه الجولة أكثر قوة وهيبة، وهذا ما لن ترضاه حكومة الاحتلال، بالعكس تماماً، هي تريد استمرار حرب الإبادة وتوسيعها لتشمل إيران في مواجهة أمريكا، ولهذا ستعمل قصارى جهدها لعرقلة الصّفقة، وتروّج لفكرة الضّربات الاستباقية. لا أحد يعرف ما تملكه إيران من قدرات عسكرية تدميريّة، خصوصا أن عليها اجتياز عائق القوات الأمريكية وحلفائها، ولا أحد يستطيع أن يجزم أين وصلت قدراتها في تصنيع ردعها النووي. لا أظن أن إيران سترد في الطريقة التي يرسمها لها بن غفير ونتنياهو وبلينكن، لتقع بالضبط حيث يريدون لها، وستحاول أن تربح الوقت قدر الممكن لتعزيز قدراتها الدفاعية بصورة تمكّنها من الرّدع، الآن وفي المستقبل.
أما بالنسبة لخراب الهيكل الثالث، أو عدم خرابه، فهو بالفعل بيد الإسرائيليين أنفسهم قبل غيرهم، وعلى ما يبدو أن أصحاب القرار في دولة الاحتلال اختاروا منطق الحروب الدائمة، التي لن ينجو أحدٌ من نتائجها الكارثية.

1