أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
بطالة المرأة تعطّل أكثر من نصف المجتمع !!
بقلم : راضية القيزاني ... 11.09.2019

انخرطت النساء العربيات في عدة أنشطة اقتصادية خلال العقود الأخيرة، لكن نسبة مشاركتهن في الناتج المحلي للاقتصاد، لا تزال دون المأمول بسبب العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية التي تحد من فرص التشغيل أمامهن وتجعلهن على الأغلب عاطلات عن العمل.
ﺘﺸﻜل ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ ﻤﺎ ﻴﺯﻴﺩ ﺒﻘﻠﻴل ﻋﻥ ﻨﺼﻑ ﺴﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ، ﻟﻜﻥ ﻤﺴﺎﻫﻤﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻠﻨﺸﺎﻁ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ والتنمية ﻻ ﺘﺯﺍل ﺃﻗل ﺒﻜﺜﻴﺭ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺴﺘﻭﻯ المطلوب، ﻭﻫﻭ ﻤﺎ ﻴﻨﻁﻭﻱ ﻋﻠﻰ ﻋﻭﺍﻗﺏ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ واجتماعية وسياسية ﻭﺨﻴﻤﺔ على مجتمعات العالم.
وأظهرت دراسة جديدة صادرة عن منظمة العمل الدولية أن مشاركة الإناث في القوة العاملة العالمية تبلغ 48.5 بالمئة في عام 2018، أقل بنسبة 26.5 بالمئة من معدل الذكور. وبالإضافة إلى ذلك، زاد معدل البطالة العالمي للنساء لعام 2018 بنحو 0.8 بالمئة عن معدل الرجال.
وتعقيبا على ذلك قالت المديرة العامة للسياسات في المنظمة ديبورا غرينفيلد “ما زال أمام المرأة في سوق العمل شوط طويل لبلوغ المساواة مع الرجل.
سواء كان ذلك يتعلق بالحصول على عمل أو بعدم المساواة في الأجور أو أي شكل آخر من أشكال التمييز، يتعين علينا فعل المزيد لعكس هذا الاتجاه المستمر وغير المقبول من خلال وضع سياسات مصممة خصيصا للمرأة، مع مراعاة المطالب غير المتكافئة التي تواجهها في الأسرة ومسؤوليات الرعاية”.
يعكس تدني مشاركة المرأة العربية في سوق العمل، وتباينها بين دولة وأخرى، تشابك العوامل التشريعية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية
وتُعد الفروق في معدلات البطالة بين المرأة والرجل في البلدان المتقدمة ضئيلة نسبيا، بل تسجل بطالة النساء معدلات أقل من بطالة الرجال في أوروبا الشرقية وأميركا الشمالية.
على خلاف ذلك، لا تزال معدلات بطالة النساء في مناطق مثل الدول العربية وشمال أفريقيا تبلغ ضعفي معدلات بطالة الرجال.
ﻭﺭﻏﻡ ﻤﺎ ﺘﺤﻘﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻭﺩ ﺍﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﺎﻀﻴﺔ في مجال تمكين المرأة، لا ﺘﺯﺍل أﺴﻭﺍﻕ ﺍﻟﻌﻤل ﻓﻲ ﻤﺨﺘﻠﻑ ﺃﻨﺤﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ العربي ﻤﻘﺴﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺴﺎﺱ ﻨﻭﻉ ﺍﻟﺠﻨﺱ، إذ تمثل ﻤﺸﺎﺭﻜﺔ ﺍﻹﻨﺎﺙ الحد الأدنى، كما أن ﻤﻌﻅﻡ ﺍﻷﻋﻤﺎل ﻏﻴﺭ ﻤﺩﻓﻭﻋﺔ ﺍﻷﺠﺭ ﺘﻘﻭﻡ ﺒﻬﺎ ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ.
أظهرت دراسات اقتصادية أن 70 بالمئة من النساء التونسيات غير معنيات بسوق الشغل رغم الحقوق التي خصت بها تونس المرأة منذ الاستقلال.
وتمثل نسبة البطالة في صفوف النساء التونسيات ضعف نسبة البطالة في صفوف الرجال، ما يعني أن حقوق المرأة التونسية لم تترجم على أرض الواقع.
وتحتل تونس المرتبة 119 في الفوارق بين الرجل والمرأة وفق ما أكدته جمعية “أصوات نساء” بناء على التقرير السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي.
وطالبت الجمعية بتفعيل القانون عدد 58 لسنة 2017 المناهض للتمييز ضد النساء خاصة على المستوى الاقتصادي وزيادة معدل مشاركة النساء في سوق العمل من خلال سياسات عامة للترفيع في نسبة توظيفهن.
وتفاقمت ظاهرة البطالة في المجتمع التونسي منذ ثورة يناير 2011، إذ عجزت الحكومات المتعاقبة عن إيجاد حلول ناجعة لهذا الملفّ الذي يهدّد استقرار المجتمع، خصوصا وأنّ 40 بالمئة من العاطلين هم من المتعلّمين وأصحاب الشهادات العليا.
وقال الخبير الاقتصادي الصادق جبنون، في تصريح لـ”العرب”، “إن صعوبة حصول المرأة على عمل تعود إلى سببين رئيسيين هما تخوف أصحاب القطاع الخاص من كمية الوقت المهدور خلال فترة الولادة وعطلة الأمومة، وصعوبة التنقل من مكان الإقامة إلى مكان العمل مما يجعل فرص التحاق المرأة بمواطن الشغل محدودة”.
ودعا جبنون إلى مزيد تمكين المرأة اقتصاديا وخلق الظروف الملائمة لها وخاصة الظروف الخارجية التي تساعدها على العمل بكل أريحية.
ولا تختلف محنة التونسيات في دخول سوق العمل كثيرا عما تعانيه المرأة في كل الدول العربية وإن تباينت مشاكلها من دولة إلى أخرى.
وتواجه عشرات الآلاف من السعوديات تحدي الحصول على فرص عمل في مجتمع محافظ ينفق مليارات الدولارات على التربية والتعليم للإناث، في حين يبقى سوق العمل بعيدا عن متناولهن، رغم ما شهدته المملكة العربية السعودية من تغييرات سياسية واجتماعية واسعة ومتسارعة، في اتجاه فك الحصار المفروض على المرأة، الذي يحول دون مشاركتها في الحياة العامة.
وقالت هيئة الإحصاء، في نشرة سوق العمل للربع الرابع من عام 2018، إن معدل بطالة السعوديين الذكور بلغ 6.6 بالمئة، بينما بلغ معدل بطالة السعوديات 32.5 بالمئة في الربع الرابع من عام 2018، مشيرة إلى استقرار معدل البطالة لإجمالي السكان (15 سنة فأكثر) عند (6.0 بالمئة) في الربع الرابع من عام 2018.
أما مصر فقد خطت خطوات رائدة في مجالي التعليم والرعاية الصحية، إلا أن هذه الاستثمارات في الموارد البشرية، لم تقابلها زيادة في المشاركة الاقتصادية والسياسية للمرأة.
وتبلغ نسبة الأمية بين الفتيات في صعيد مصر أكثر من 24 بالمئة، وهو ضعف نسبة أمية الرجال، وأكثر من المتوسط بعشر نقاط.
تحديات اجتماعية واقتصادية
ويعكس تدني مشاركة المرأة العربية في سوق العمل، وتباينها بين دولة وأخرى، تشابك العوامل التشريعية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، حيث تواجه النساء مجموعة كبيرة من الضغوط التي تحدد أين يعملن، ويتسبب ذلك في ضيق المجال المتاح أمامهن في سوق العمل.
كما ينظر الكثير من أصحاب الشركات والمؤسسات العامة للنساء على أنهن أقل إنتاجية من الرجال وأن توظيفهن سيكون سببا في خسارة مؤساتهم، وهذه المفاهيم والقيود تؤدي إلى تقليص الفرص المتاحة أمام النساء في سوق العمل.
ووفق دراسة حديثة أعدها صندوق النقد العربي بعنوان “محددات مشاركة المرأة في القوى العاملة في الدول العربية”، تبلغ نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل بالوطن العربي 18.9 بالمئة من إجمالي الإناث في سن العمل في عام 2017، مقارنة مع 48.7 بالمئة للمتوسط العالمي.
وأشارت الدراسة إلى ازدياد التحديات التي تواجه أوضاع مشاركة المرأة في سوق العمل في الدول العربية في ضوء ارتفاع معدلات البطالة بشكل عام في هذه البلدان، حيث يشكل معدل بطالة المرأة في هذه الدول البالغ نحو 16.7 بالمئة خلال عام 2017 نحو قرابة ثلاثة أضعاف معدل بطالة المرأة المسجل على مستوى العالم البالغ نحو 6 بالمئة في نفس العام.
وأوصت الدراسة بتبني استراتيجيات قومية لتمكين المرأة وتوجيه مشاركتها نحو الوظائف الأكثر طلبا في سوق العمل في المستقبل.
وأعرب عدد من الخبراء عن قلقهم من استمرار ارتفاع البطالة في صفوف النساء ومخلفاته التي ستزيد في اختلال أسس العدالة الاجتماعية، وتوفر بيئة ملائمة للصراع الاجتماعي وعدم الاستقرار السياسي.
وفي هذا السياق أكدت فتحية السعيدي، خبيرة علم الاجتماع، أن العدالة الاجتماعية مقاربة تقوم على المساواة والاحترام في الحقوق الإنسانية بين البشر، وأن أي خلل في هذه المقاربة مثل عدم المساواة في الأجور، أو التمييز على أساس الجنس أو النوع يمكن أن يساهم في انخرامها.
وقالت السعيدي لـ”العرب”، “إن أسباب البطالة في صفوف النساء التونسيات متعددة وأهمها التمييز بين المرأة والرجل واعتبار الفضاء العمومي فضاء رجاليا بامتياز”.
وأضافت أن عمل المرأة في المخيال الجماعي ما زال يعتبر ثانويا وهو ما يدل على ضعف استبطان حقوق النساء وتحديدا في الشغل.
وأكدت السعيدي أن دراسة حول النساء المسرّحات والتّمكين الاقتصادي أعدت لفائدة “الكريديف” (مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة)، بيّنت أن النساء المسرّحات من العمل لا يعتبرن طالبات شغل، في حين يوضع الرجال المسرّحون من العمل على قائمة طالبي الشغل، لافتة إلى أنه “من المفارقات أن تكون أعلى نسب البطالة في صفوف النساء في تونس لدى حاملات الشهادات العليا”.
وقالت السعيدي “إنه رغم منع قانون الوظيفة العمومية لعام 1996 للتمييز بين النساء والرجال على مستوى الأجر، إلا أن هذه الممارسة موجودة خاصة في القطاع الفلاحي”.
وأضافت أن القانون التونسي يجرّم التمييز بين الرجل والمرأة على مستوى الأجر. وأفادت بأنه بالرغم من أن نسبة التشغيل عند النساء لم تتجاوز 30 بالمئة إلا أن هذا لا يعني أن النساء لا يساهمن في الدورة الاقتصادية، لأن هناك أعمالا تقوم بها المرأة مرتبطة بالاقتصاد المنزلي وأخرى تندرج ضمن القطاع غير المهيكل.
كشفت العديد من الدراسات الحديثة أن النساء يمكن أن يلعبن دورا مهما في التنمية الاقتصادية للدول، إذا تم توفير البيئة الملائمة لهن، وتشجيعهن على تولي المناصب الإدارية العليا، حيث ستعمل كل امرأة على إثبات كفاءتها في العمل، وقدراتها على إدارة الأفراد والأعمال.

**كاتبة تونسية..*المصدر : العرب
1