أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
إشراك المرأة الليبية في الحياة السياسية يبقى دون المأمول!!
بقلم : راضية القيزاني ... 01.09.2021

يجمع الخبراء والمتابعون للشأن السياسي في ليبيا على أن البلد يعد حاليا من أصعب الدول العربية التي تتقلد فيها المرأة منصبا سياسيا نظرا إلى خصوصية المرحلة. ورغم وجود المرأة الليبية في الهيئات السياسية والمجالس التشريعية إلا أن نسبة تمثيلها بقيت متدنية مقارنة بالتضحيات التي قدمتها والمستوى الثقافي الذي وصلت إليه. ويرى الخبراء أنه ما زال أمامها ﺍﻟﻜﺜﻴﺭ ﻟﺘﺼل ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻜﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻓﻰ ﺼﻨﻊ ﺍﻟﻘﺭﺍﺭ.
اتفق المهتمون بالشأن النسوي في ليبيا على أن تمثيل المرأة في المشهد السياسي ما يزال دون المطلوب رغم محاولات إقحامها عن طريق منحها بعض المناصب في الحكومات التي تشكلت بعد الثورة.
وأوضحوا أن ضعف التمثيل راجع إلى طبيعة تكوين المجتمع الليبي الذي ما زال يضع حدا للمرأة، ويرى أنها ما تزال غير مؤهلة للعمل السياسي مثل الرجال، معتبرين أن هذه الأحكام مخطئة لأن النساء في ليبيا أصبحن قادرات على اتخاذ القرارات السياسية وتحمل المسؤولية تماما مثل الرجال.
وأشار الخبراء، إلى أن المرأة في ليبيا أصبحت موجودة في الهيئات السياسية والمجالس التشريعية لكن بنسبة متدنية مقارنة بالتضحيات التي قدمتها والمستوى الثقافي الذي وصلت إليه وكذلك مقارنة بنسبتها من التعداد السكاني حيث تشكل 50 في المئة من مجموع السكان. مشيرين إلى أن أن حضور المرأة في الحياة السياسية لم يتجاوز إلى حد اليوم 16 في المئة.
ضغوط متواصلة
وأكدوا أن ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻜﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻟﻠﻤﺭﺃﺓ في ليبيا ما تزال في بدايتها، وأنه ما زال أمامها ﺍﻟﻜﺜﻴﺭ ﻟﺘﺼل ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻜﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻓﻰ ﺼﻨﻊ ﺍﻟﻘﺭﺍﺭ، موضحين أن هناك مطالب لمنح المرأة نسبة تمثيل أكبر لا تقل عن 32 في المئة.
وتواجه النساء الليبيات العاملات في الشأن السياسي ضغوطا متواصلة وتتعرضن لهجومات مستمرة ومنهن نجلاء المنقوش الحاصلة على حقيبة وزارة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وهي المحامية والناشطة من بنغازي، والتي تقلّدت منصبا في المجلس الوطني الانتقالي (السلطة السياسية الرسمية للثورة الليبية عام 2011)، ونالت قبل سنوات شهادة في إدارة الصراع والسلام من الولايات المتحدة.
وتعرضت المنقوش لموجات حادة من النقد صاحبت تحركاتها وكثرة ترحالها داخلياً وخارجياً في تحرك نادر لمسؤول ليبي حديث العهد بتوليه منصب الخارجية.
وقد شغلت المنقوش الرأي العام بتعاطيها مع الملفات المؤجلة والشائكة التي خلفتها الحرب على طرابلس، فتنوعت ردود الفعل حيالها بين مؤيد ومتحفظ أو مُحرض عليها مثل الصادق الغرياني مفتي ليبيا السابق الذي نعتها بأوصاف جارحة، ودعا إلى طردها خارج العاصمة طرابلس.
وعُرفت نجلاء المنقوش فور اندلاع "ثورة 17 فبراير" عام 2011 عندما انخرطت في العمل الإعلامي عبر نشاطها وآخرين بتغطية الأحداث الساخنة التي وقعت في بنغازي آنذاك.
ورغم حسن عرضها لأزمة بلادها في المحافل الدولية، ورغم ملامح وجهها التي تعكس جدية وإحساسا بأهمية المنصب، حتى وصل الأمر بالبعض إلى ترشيحها لرئاسة الوزراء في حكومة ما بعد انتخابات ديسمبر الماضي بل هناك من أطلق عليها لقب "أنجيلا ميركل ليبيا"، فإنها لم تقدر على محو التباين الشعبي حيال شخصيتها، ونظرة البعض لها على أنها تميل إلى معسكر شرق ليبيا على حساب معسكر الغرب.
وجدير بالذكر أنه قبل أن تتسلم المنقوش حقيبتها كانت في ليبيا حكومتان تضمان وزيرين للخارجية، الأول محمد طاهر سيالة بالعاصمة والثاني عبدالهادي الحويج بشرق ليبيا.
وقد اتسعت دائرة النقد حول مسيرة المنقوش على قصَرها، فهي لم تسلم من الطعن والتشكيك بأنها "تنتصر لجبهة شرق ليبيا على غربها"، وأنها "تربية أميركية" تأسيساً على أنها حصلت على غالبية تعليمها في الولايات المتحدة.
والمنقوش ليست الوحيدة التي تعرضت للهرسلة، فالنائبة سهام سرقيوة السياسية والطبيبة النفسية التي فازت عن دائرتها في انتخابات 2014 واجهت مصيرا غامضا بعد اختفائها قسريا في العام 2019 على أيدي ميليشيات موالية للجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر.
وقد طالبت منظمة محامون من أجل العدالة الحكومةَ الليبية بفتح تحقيق مستقل في حادثة الاختفاء القسري للنائبة وتقديم الجناة للعدالة، مستنكرة استمرار اختفائها، حيث قالت "بعد مرور سنتين على اختفائها، لا يزال مكان وجودها مجهولا".
وأشارت المنظمة إلى أن السابع عشر من يوليو يصادف الذكرى الثانية لاختفاء سرقيوة حيث اقتحمت مجموعة مسلحة تُدعى «أولياء الدم» منزلها في بنغازي واختطفتها، بعد أن انتقدت العملية العسكرية التي شنها حفتر على العاصمة طرابلس.
وتابعت المنظمة في بيان رسمي لها أن "الناشطين والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في ليبيا يواجهون قيوداً متزايدة في ظلّ ما يتعرضون له من تهديدات ومن أفعال اختفاء قسري وقتل غير مشروع كوسيلةٍ لإسكات الأصوات المعارضة".
كما تحدتث المنظمة خلال بيانها عن اغتيال المحامية والناشطة الحقوقية سلوى بوقعيقيص داخل منزلها بعد ساعاتٍ فقط على إدلائها بصوتها في الانتخابات البرلمانية في الخامس والعشرين من يونيو 2014. وكذلك الناشطة الحقوقية انتصار الحصري في الرابع والعشرين من فبراير 2015.
واستنكرت المنظمة التقاعس عن التحقيق في الاعتداءات ضدّ النساء وعن محاسبة الجُناة أو إحقاق العدالة والجبر للضحايا وعائلاتهم، موضحة أن ذلك أدى إلى انتشار ثقافة الإفلات من العقاب واستمرار ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان بلا حسيب أو رقيب في مختلف أرجاء البلاد.
وحاليا تعد ليبيا من أصعب الدول العربية التي تتقلد فيها المرأة منصبا سياسيا.
ويأتي مطلب تمكين المرأة من المناصب العليا في الدولة والمناصب الحكومية ومن المساهمة على نحو فعّال في الحياة السياسية على رأس قائمة المطالب الحقوقية للمرأة في ليبيا.
وكشفت ميرا المالح الإعلامية والناشطة الميدانية ومنسقة حراك نسوي في ليبيا ، أن المرأة في بلادها ما تزال تواجه العديد من العقبات التي منعتها من الانخراط في العديد من المجالات خاصة السياسية منها.
وقالت إن انخراط المرأة في الشأن السياسي ما زال ضعيفا جدا بسبب سيطرة المجتمع الذكوري وفوضوية الحياة السياسية التي تعرقل مسيرتها وقيامها بدورها في المجتمع في شتى المجالات مما جعل نجاحها ضئيلا.
وأضافت أن هذا الضعف لا يعكس القدرة والقيمة الحقيقية للنساء في التحاور والعمل السياسى بشرف.
وقالت إن المرأة ستستمر في نضالها من أجل المطالبة بدسترة المجلس الأعلى للمرأة الذي يتولى العناية بشؤون المرأة وتمثيلها في مفاصل الدولة المختلفة وتمكينها من تقلد المناصب الرفيعة في الدولة.
وفي الفترات الماضية نظمت العشرات من النساء الليبيات وقفات احتجاجية في مدن مختلفة من البلاد للمطالبة بزيادة نسبة تمثيلهن في المناصب السياسية والدعوة إلى تكريس العدالة والمساواة بين الجميع ومبدأ تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة.
وخلال ملتقى الحوار السياسي الليبي الملتئم بتونس في الفترة بين التاسع والرابع عشر من نوفمبر أعربت مجموعة من النساء الليبيات المشاركات عن الأمل في أن يساهم الملتقى في دعم المشاركة الكاملة للمرأة الليبية في جميع الجهود الرامية إلى إرساء السلام في ربوع ليبيا و"قيادة الوطن إلى برّ الاستقرار والازدهار".
وفي بيان صادر عن المشاركات أكدن على أهمية دور المرأة كشريك وطني حقيقي في تعزيز السلام والحوار السلمي، و"إعادة بناء الدّولة على أسس السّيادة والوحدة والسلم الأهلي والمصالحة الوطنية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين أبناء وبنات الوطن".
كما شدد البيان على ضرورة حماية مكتسبات المرأة الليبية وتكريس مشاركتها الفعلية في الحياة السياسية وعملية صنع القرار على جميع المستويات كركيزة أساسية للممارسة الديمقراطية.
كما أكد بيان المجموعة النسائية على أهمية التجاوب مع تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1325 حول المرأة والسلام والأمن، والقرار رقم 2467 حول مناهضة العنف الجنسي في النزاعات.
وشدد البيان أيضا على ضرورة إدماج التوصيات التي انبثقت عن المسار التشاوري التمهيدي لملتقى الحوار السياسي الليبي، والذي عقدته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا خلال شهر أكتوبر بمشاركة واسعة للمرأة الليبية.
وأكدت النساء الليبيات التمسك بعدد من الثوابت والتوصيات منها أهمية تمثيل حقيقي للمرأة في المناصِب القيادية عند تشكيل السلطة التنفيذية بنسبة لا تقل عن 30 في المئة مع توفير كل ضمانات الكفاءة بما في ذلك الخبرة الفنية والمؤهل العلمي والنزاهة، وضمان احترام حقوق النساء المنتميات إلى مختلف المكونات الثقافية للمجتمع الليبي ومشاركتهن وانخراطهن في الحياة السياسية بما يضمن تكريس كل جهود المرأة الليبية والاستفادة من كفاءاتها.
كما أكدن على أن يراعى عند تسمية نائبي رئيس الحكومة أن يكون أحد النائبين امرأة وذلك ترسيخا وتفعيلا لمبدأ مساهمة المرأة في صنع القرار وبناء الدولة.
ومن بين مطالب المشاركات أيضا تشكيل وتفعيل وحدة تمكين المرأة لتتكون من ثلاث نساء من ذوات الخبرة. وتعهد إلى وحدة تمكين المرأة مهمة العمل على تعديل المقترح الاستراتيجي المعدّ سنة 2015 من طرف قياديات ليبيات بالتعاون مع مكتب دعم المرأة في بعثة الأمم المتحدة بهدف إنشاء وحدة تمكين المرأة والعمل على مقترح لإنشاء مجلس للمرأة يتمتع باستقلالية ذات طبيعة وظيفية.
كما أكدن على ضرورة وفاء الدولة بالتزاماتها الدولية وبالاتفاقيات والمعاهدات التي صادقت عليها والمتعلقة بحقوق وحماية المرأة، بالإضافة إلى اتخاذ التدابير اللازمة للتصدي وإزالة التمييز ضد النساء ولاسيّما الناجيات من العنف المرتبط بالنزاعات ووضع آليات للإدماج المهني والاجتماعي والتمكين الاقتصادي. وتقديم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني للنساء الناجيات من العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، هذا بالإضافة إلى توفير الحماية الخاصّة للنساء وخاصة الفاعلات والناشطات السياسيات والحقوقيات، وذلك من خلال وضع وتفعيل قوانين وطنية لمناهضة والقضاء على كلّ أشكال العنف ضدّ المرأة.
ومنذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 وبالرغم من مشاركة النساء الليبيات بفاعلية في الثورة التي أطاحت به، لم تنجح الحكومات المتعاقبة في تمكين النساء ومنحهن دورا أكبر في الشأن السياسي.
ورغم الحرية التي حظيت بها النساء في إنشاء الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني التي كانت محظورة قبل الثورة، فإنهن لم يصلن بعد إلى لعب أدوار فاعلة سياسيا وتقلد مناصب حكومية كبرى.
ضعف التمثيل راجع إلى طبيعة تكوين المجتمع الليبي الذي ما زال يضع حدا للمرأة، ويرى أنها ما تزال غير مؤهلة للعمل السياسي مثل الرجال
ويعد اختيار خمس نساء بين أعضاء حكومة الوحدة الوطنية الجديدة خطوة واعدة تحتاج إلى البناء عليها من أجل ضمان النهوض بحقوق المرأة في بلد أنهكته الحرب.
وقالت لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة إنها "خطوة كبيرة للنهوض بحقوق المرأة"، فيما اعتبر السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نولاند أنها "لحظة تاريخية للمرأة الليبية".
وذهبت حقيبة الخارجية إلى نجلاء المنقوش، وحقيبة وزارة الثقافة إلى مبروكة طوفي عثمان توكي الأكاديمية من جنوب ليبيا والحاصلة على شهادة في الفيزياء النووية، وعينت المحامية حليمة إبراهيم عبدالرحمن وزيرة للعدل وهي تتحدّر من مدينة غريان في غرب البلاد، كما نصبت وفاء الكيلاني وزيرة للشؤون الاجتماعية وحورية خليفة ميلود الطرمال وزيرة دولة لشؤون المرأة.
وأشار عزالدين عقيل المحلل السياسي الليبي والباحث في المركز المغاربي للإعلام والدراسات والتكوين إلى أن المرأة الليبية متواجدة في المجال السياسي رغم حساسية الظروف التي تعيشها البلاد واعتبر تواجدها مشرفا وهاما.
وقال عقيل لـ”العرب” إنه حتى في تونس ورغم تطور المجتمع التونسي لم تصل المرأة إلى منصب رئيس الحكومة بينما وصلت المرأة في ليبيا إلى منصب وزيرة الخارجية.
وأضاف أنه في الحروب الأهلية والنزاعات يتراجع دور المرأة وذلك موجود في كل المجتمعات، وليس حكرا على المجتمع الليبي.
وأكد أن المرأة الليبية متفتحة ومتواجدة في كل المجالات الحساسة كالإعلام والقضاء.

*المصدر : العرب
1