أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
إذا ردّ مليح وإذا لم يردّ مليح...!!
بقلم : سهيل كيوان  ... 07.02.2013

انتهت الإنتخابات الإسرائيلية، وكل أربعة أعوام والمسرح بخير، قرر نتنياهو أن يعمل بأصله، وأن يمارس هوايته، أن يتحلى ويحلّي رفاقه، أن يُهديَ شيئا ما لزوجته ولنشطاء حزبه، قرر أن يُنسي الناس الإنتخابات والهزة الخفيفة التي لامست كرسيّه الإمبراطوري، فحيا جاره المنهك المترنح بغارة جديدة.
بيبي يعرف ودونما حاجة لقراءة نزار قباني قبل أكثر من أربعة عقود، أن 'حدودنا من ورق'، ويعرف أن الممثلين لم يرحلوا عن المسرح رغم احتراقه، وأنهم ما زالوا يمثلون دور البطولة على شعوبهم، بيبي يدرك تمامًا دونما حاجة لقراءة المتنبي، أنه ليس لغارة بمستأسد إيلام، في نظام يعامل الناس كالفئران، هذا كان في قديم الزمان وما زال، وباختصار، غارته على سورية كانت نوعًا من التسلية تكتيكًا واستراتيجية، وإلا بماذا يتسلى بيبي بعدما خدشت غروره غزة الفقيرة المحاصرة، وبعدما كادت لعبته مع أوباما تطيح به!
بيبي يتسلى مع الأسد بن الأسد، مستخفًا بأسديته ووحشيته ولسان حاله يقول'إذا ردّ مليح وإذا لم رد مليح'، فالأمر سيّان، ردّ على الإهانة، أم ابتلعها وأدخلها مثل سابقاتها في بالوعة اسمها' الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين'.
واقع مُؤلم ومُهين ولكن ليس للممثلين، لأن جلود التماسيح باتت أكثر حساسية من جلودهم.
الإهانة ليست بالعتاد المدمر ولا بأعداد القتلى الذين خلفتهم الغارة، سواء كانوا محسوبين على النظام أو على المعارضة، بالنسبة للممثل كلهم فقاعات، أو صراصير، أو ضفادع مفقوءة الأعين، فالسوريون يقتلون من أنفسهم بأيديهم كل ساعة أكثر من هذا بكثير، ولكن المهين هو هذه الخفة التي تنفذ فيها إسرائيل غاراتها، فلا تعترضهم سوى جملة دخلت كلاسيكيات المسرح الساخر' نحتفظ بحق الرّد في الزمان والمكان المناسبين'، علمًا لو أن الممثل رد بمشهد تهويل على جبهة الجولان المحتل واصطنع 'فورة دمّ' وزمجر ودردب على الأقل كما هي عادة العرب، لخفّف هذا من هول جرائمه في يوم الحساب، ولكن كأننا ما زلنا واقفين عند حزيران إياه...'لم تختلف أمامنا الوجوه والعيون، محاكم التفتيش عادت والمفتشون، والدونكيشوتيون ما زالوا يشخّصون'.
إسرائيل لا تتصرف بدون حسابات، خلال حرب الخليج على العراق تعرضت لأربعين صاروخًا شلت فيها الحياة، ولكنها لم تردّ واحتفظت بهدوء تام، لأنه كان عليها أن تصمت، كي تعطي 'الحلفاء' وبمشاركة عربية واسعة (ممانِعة ومنبطِحة) حريّة العمل دون ضغط أو تلويح بالعدو الصهيوني، فهم يقومون بالواجب وزيادة، وبما أن نظام الممثلين الوراثي قام ويقوم بالواجب وزيادة في تدمير بلده، فإن غارة كهذه ليست وليدة تفكير متسرع، بل حُسبت بشكل جيد.
المكسب الأول، هو عملية التدمير ذاتها لمركز أبحاث، وضمان عدم وقوع محتوياته 'الخطيرة' لا بيد النظام ولا بيد أعداء النظام ولا أصدقائه.
غارات كهذه تؤدي إلى تعاطف الجمهور العربي مع الممثلين! حسنًا حتى ولو! صحيح أن النظام ليس صديقًا لإسرائيل، ولكنه مُخترَق مثل كُربال وضعيف جدًا، إلى جانب تحلّيه بمزايا 'انضباطية' عالية جدًا، تفوق انضباط حَجَرعندما يتعلق الأمر بمواجهة العدو- الذي لم يعد غادرًا فهو يلعب على المكشوف-، ولا يُمكن له أن يتهوّر كما أثبت طيلة أربعة عقود على مسرحه المحروق، قبل وبعد غارات كثيرة مشابهة، وقبل بزوغ أي حُلم بالثورة عليه، لا مشكلة أبدًا مع بقاء هذا الطاقم من الممثلين، لأنهم أقل خطرًا من شعب كسر حاجز الخوف، وقد يُخرِجُ 'حق الرّد في المكان والزمان المناسبين' إلى حيز التنفيذ، فيثير متاعب وأوجاع رأس بعد هدوء خَدرٍ لذيذ لدرجة الملل على حدود وقف إطلاق نيران الممانعة. الغارة أتت بعد تصريحات للقيادة الإيرانية بأن الرد على أي عدوان على سورية سيكون مدمّرًا ومزلزلا إلخ، ولهذا لا بأس من تحدي واستفزاز واستدراج إيران ومعها حزب الله، لعل الضوء الأخضر الذي لم تحصل عليه إسرائيل من أمريكا لضرب إيران، يأتي من إيران نفسها، وهو أمر لو حصل-وهذا مُستبعد جدًا- سيُجبر أمريكا على النزول إلى حلبة الرقص، رغم رغبتها في استراحة لاستعادة الأنفاس، ولكن الإيرانيين الذين تنفسوا الصعداء لنجاح أوباما في دورة الرئاسة الثانية، لن يُرغموه على مواجهتهم، ما لم يكن العدوان مباشرًا عليهم وبحجم كبير.
من جهة أخرى، إذا رد الممثل غير الموهوب فهذا سيكون فرصة لتصفية الحسابات مع حزب الله الذي من المرجح أن لا يبقى صامتا في حال اشتعال الحريق، مواجهة كهذه ستضع الثورة السورية في موقف محرج، فالأصوات والأنظار كلها ستتجه نحو المعركة مع العدو، وأي عملية ضد النظام في الداخل ستُحسب على أنها خيانة وتآمر وخدمة للعدو، ألأمر الذي يعني إعادة الممثل المهترئ نفسه ليلعب دور البطل، وهذا أسهل بكثير من نظام جديد لا تعرف إسرائيل وجهته ومدى'مسؤوليته وانضباطه'.
الأرجح أن نظام المونودراما لن يجرأ على الرد رغم المغريات الكثيرة، وأهمها استعادة تعاطف الجمهور الذي كفر بالمسرح منذ سوفوكليس وأسخيلوس حتى يومنا هذا، ولكن مشكلة الممثل المزمنة هي جُبنه المزمن عندما يتعلق الأمر بالإله (يسرائيلوس) الذي لا يؤتمن جانبه وبحق، فقد لا يتوقف عند الحد الذي يرغب به الممثل، أيّ الحد الذي يُكسبه تعاطفًا دون الإطاحة به بل ويجعله بطلا، ولهذا سيبقي الرد 'في الثلاجة وفي مكان غير رطب وبعيدًا عن أيدي الأطفال' كما علق بعض الظرفاء.
إضافة لكل هذا و'على البيعة' يعزز نتنياهو من قوته خلال تفاوضه لتركيب حكومته الجديدة، ويعالج نفسه من وعكة الإهتزاز التي ألمّت بشعبيته، على حساب الأوادم المؤدبين والمنضبطين جدًا.
رَدَّ النظامُ أم لم يرد، فالخسارة كلها للسوريين والعرب، والممثلون ما زالوا على المسرح رغم احتراقه من أساساته للمرة الألف، وفي سبيل بقائهم على أنقاضه ،يستأسدون بطائرات لا نذكر لها أي عمل أو نشاط أو نجاح يُذكر، سوى غاراتها على طوابير الواقفين بانتظار تخمّر وخبز العجين.

1