يصادف اليوم 25/تموز/2014 الموافق 27/رمضان/1435 هجري يوم القدس العالمي الذي أطلقه الإمام الخميني مفجر الثورة الإيرانية دعما للقدس وحشدا للطاقات الإسلامية من أجل تحرير المقدسات وكل أرض فلسطين. أعلن الإمام الخميني رحمه الله عن آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك من كل سنة يوما عالميا للقدس، وذلك لتحقيق الأهداف التالية:
1- رفع مستوى الوعي الجماهيري في العالم الإسلامي والوطن العربي بـأهمية القدس وقدسيتها ومركزيتها في العقيدة والفكر الإسلاميين. ورفع مستوى التفاعل الجماهيري مع الأحداث التي تحصل في القدس، والتعرف بدقة على السياسات الإسرائيلية الهادفة إلى تهويد المدينة وإزالة معالمها الإسلامية.
2- رفع مستوى الحس بالمسؤولية لدى الجماهير الإسلامية تجاه القدس، بحيث يبدأ المسلم يعي مسؤولياته الشخصية والجماعية تجاه إنقاذ القدس وتحريرها من براثن الاحتلال الصهيوني.
3- دفع جماهير الأمة إلى اتخاذ خطوات تضامنية عملية من أجل إنقاذ القدس، مثل القيام بمسيرات في مختلف المدن الإسلامية، ومظاهرات حاشدة تعبر عن االتزام الجماهير بالقضية الإسلامية المركزية وهي قضية فلسطين، وربما التطوع للدفاع عن فلسطين وشعبها.
4- تحقيق ضغط على أنظمة الدول العربية والإسلامية من أجل اتخاذ سياسات من شأنها تعزيز مكانة القدس في النفوس، وتعزيز مسألة الالتزام بالتحرير. حركة الشارع المسلم قد تؤثر على الأنظمة الإسلاميية شبه الميتة، وربما تضعها في نوع من الحرج، وقد تتبنى سياسات ولو خجولة من أجل إثبات التزامها بإنقاذ القدس والمقدسات.
الجذور الفكرية ليوم القدس العالمي
يجد المتتبع لكتابات وطروحات الإمام الخميني قبل انتصار الثورة الإيرانية أنه كان ملتزما عقائديا بقضية فلسطين وقضية المقدسات الإسلامية. طالما تحدث الإمام عن الحركة الصهيونية بمقت شديد، وطالما أسهب في شرح مرتكزات الغزو الصهيوني لفلسطين، وفي نوايا وسياسات الدول الاستعمارية الغربية التي اقامت إسرائيل على حساب شعب فلسطين. وقد عبر الإمام دائما عن ضرورة حشد الطاقات الإسلامية لتحرير فلسطين على اعتبار أن هذا ليس مجرد واجب سياسي أو وطني، وإنما كجزء من العقيدة الإسلامية والواجب الإسلامي المفروض على كل مسلم ومسلمة. وتحدث الإمام أن تحرير فلسطين يشكل جزءا من العقيدة، ولا يستقيم إسلام المسلم ما لم يقم بواجبه تجاه فلسطين وشعبها المشرد.
انعكست هذه القناعة الخمينية على سياسات إيران بشأن فلسطين والكيان الصهيوني مباشرة بعد انتصار الثورة الإيرانية. على الفور قامت إيران بقطع كل علاقاتها الاقتصادية والسياسية والثقافية مع الكيان الصهيوني، وطردت السفير الإسرائيلي من طهران، وسلمت مقر السفارة الإسرائيلية في طهران لمنظمة التحرير الفلسطينية لتقوم أول سفارة فلسطينية في العالم. ومن ثم أخذت تشن إيران حملات إعلامية مكثفة ضد إسرائيل، وعملت على تحشيد الطاقات العربية والإسلامية ضد الكيان الصهيوني، وحرضت على ضرورة مقاطعة إسرائيل ورفضها رفضا مطلقا، وعدم التعامل معها على أي مستوى كان. وقد طالبت البلدان العربية والإسلامية مرارا وتكرارا على وقف التطبيع مع إسرائيل وطرد سفرائها من العواصم العربية.
الموقف العربي
كنت أول من كتب كتابا حول الثورة الإيرانية في العالم. وقد قلت في ذلك الكتاب إن العرب سيشنون حربا على إيران بالتعاون مع الدول الاستعمارسة من أجل القضاء على الثورة وإعادة عهد الشاه إلى مكالنه. ذكرت في الكتاب عدة أسباب تدفع العرب والدول الاستعمارية إلى قتال إيران بهدف هزيمتها كان على رأسها الموقف الإيراني من إسرائيل. قلت إن الحكومات العربية في أغلبها ليست معنية بتحرير فلسطين، وبعض هذه الأنظمة يعتمد في استمرار وجوده على إسرائيل، ولهذا ستقف العديد من الأنظمة العربية مع إسرائيل ضد إيران. بالضبط كما تقف أنظمة عربية عدة مع إسرائيل ضد المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
عداء الأنظمة العربية لإيران كان واضحا، وما زال قائما حتى الآن، ولجأت الأنظمة العربية إلى إثارة فتنة سنية شيعية في عدد من المواقع من أجل صناعة موقف شعبي يعادي إيران، ويؤدي إلى حروب داخلية تستنزف الطاقات العربية والإيرانية.
ولهذا لم تتفاعل الأنظمة العربية مع يوم القدس العالمي، وما زالت حتى الآن لا تأتي على ذكره في وسائل إعلامها. هناك من يحيي هذا اليوم على الساحة الدولية، لكن درجة التفاعل معها ما زالت دون المستزوى المطلوب. في فلسطين، غزة فقط كانت تحيي هذا اليوم، أما سلطة أوسلو فكانت تتجاهله دائما. وواضح أن العديد من العرب لا يتفاعلون مع هذاه المناسبة ليس فقط لرفضهم فكرة تحرير القدس، ولكن لأن أساسها انطلق من إيران. وللأسف هناك أفكار كثيرة يتم رفضها على الساحة العربية ليس لأنها غير معقولة وإنما بسبب الذي يتقدم بها. وما يهمنا في كثير من الأحيان ليس الفكرة وإنما من أتى بها، وهذا جزء من العقم الفكري الذي نعاني منه.
وبالرغم من كل هذا لا يسعنا إلا أن نشكر إيران على موقفها من قضية القدس وقضية فلسطين، واليوم سنشهد حركة جماهيرة ضخمة وواسعة في مختلف المدن الإيرانية تأييدا لفلسطين والقدس وغزة، بينما سنشهد عواصم عربية شبه ميته. وشكرا لإيران على دعمها للمقاومة العربية الإسلامية في لبنان وفلسطين، وشكرا للإيرانيين الذين صبروا معنا وقدموا لنا الدعم لكي نكون قادرين على الوقوف على أقدامنا ومواجهة العدو الصهيوني بشجاعة وبسالة وإمكانات عسكرية تنظيمية وتكتيكية وتسليحية عالية المستوى. وشكرا لكل الذين يقدمون دعما لشعب فلسطين للدفاع عن أنفسهم ورد الأعداء.
وكلمة لا بد من قولها الآن وهي أن رد فعل حزب الله وإيران على العدوان الصهيوني على غزة ما زال دون المستوى المتوقع والمطلوب. نحن ندرك الظروف التي يمر بها حزب الله، وتلك التي تمر بها إيران، لكن من الواجب أن يتم إيجاد حيز أكثر تأثيرا ضد العدوان الصهيوني المستمر.
يوم القدس العالمي!!
بقلم : بروفيسور عبد الستار قاسم ... 25.07.2014