ربما يكون التحصين الأمني هو أكبر إنجاز حققته المقاومة الفلسطينية في غزة، وهو الذي أفشل الكثير من الضربات الجوية الإسرائيلية على القطاع. لم تكن تتوفر لإسرائيل معلومات وافية عن الكثير من المواقع العسكرية والأمنية الفلسطينية، ولم تكن قادرة بالتالي على إنهاك المقاومة الفلسطينية. لم تصل غزة إلى درجة التحصين الأمني المطلق، لكنها عملت بجد واجتهاد نحو تحقيق هذه الغاية. أما التطورات الأخيرة فيما يتعلق بإعادة الإعمار فتشكل نذير شؤم بالنسبة لأمن المقاومة، ومن المحتمل أن إسرائيل ستحقق من خلال إعادة الإعمار ما لم تستطع تحقيقه من خلال الحرب. صحيح أن الناس في غزة في ضائقة شديدة جدا، وهم بحاجة إلى إعادة الإعمار. أناس كثر بلا بيوت وبلا مأوى ومن حقهم أن تقام لهم المساكن كحق طبيعي خارج نطاق الجدل. وهنا أبرز التالي:
1- ا- كان بإمكان الدول التي تنادي بإعمار غزة الآن وعلى رأسها الولايات المتحدة أن تمنع إسرائيل من شن الحرب على غزة. الدول الاستعمارية الغربية حرضت إسرائيل ودعمتها في حربها، والولايات المتحدة قامت بشحن الذخائر والقنابل الذكية إلى غزة خلال الحرب لتمعن إسرائيل في القتل والتدمير.
2- بالإمكان مساعدة غزة بسهولة وبساطة من خلال رفع الحظر عن الحركة المالية من غزة وإلى غزة. للشعب الفلسطيني مصادرمالية عربية وغير عربية متعددة وبالإمكان أن يأتي بالأموال. المشكلة أن الدول التي تجتمع الآن لإعادة إعمار غزة هي التي تمنع التحويلات المالية إلى غزة. ليرفعوا الحظر ونحن لا نريد أموالهم.
3- هم يشنون الحروب على غزة بهدف إخضاعها، وفي كل مرة يفشلون، فيعودون للتدمير من جديد، وجمع التبرعات من جديد. ربما يبنون الآن لكنهم سيعودون إلى الحرب إن بقيت غزة صامدة.
هم لا يقبلون برفع الحظر المالي عن غزة لأنهم يراهنون الآن على اختراق غزة من خلال الأموال. ستكون هناك لجان تشرف على صرف الأموال في غزة، وهذه اللجان سيكون لها حركة على الأرض وستتفحص مختلف المواقع والأماكن التي يحل عليها الإعمار، وستتتعرف على مختلف تفاصيل الجغرافيا والإعداد والاستعداد، وستتعرف أين سيذهب الإسمنت وحديد البناءن وتراقب مختلف التحركات في غزة عساها تعرف المداخل والمخارج لأمن غزة وقدراتها العسكرية. وقد كان وزير خارجية أمريكا واضحا عند وضع شروطه للإعمار.
4- الدول المانحة بقيادة أمريكا تضع في رأسها الآن حل مشكلة حوالي 200000 فلسطيني هدمت منازلهم لتصنع مشكلة أكبر لكل سكان قطاع غزة. نحن بقبولنا للمعادلة الغربية العربية قد نحل مشكلة 200000 لكننا سنصنع مشاكل ل 1600000 نسمة في القطاع وحده.
5- أبله من يطمئن للولايات المتحدة الأمريكية ومن والاها من العرب.
حماس تغامر بالعمل تحت الظروف الحالية بنفسها وبغيرها. عليها وقبل كل شيء أن تحرص على المعايير الأمنية لحماية المقاومة لأن المقاومة هي التي تحمي كل قطاع غزة، وهي السند الحقيقي للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. حماس تقع تحت ضغط عربي وشعبي هائل من أجل القبول بفكرة الإعمار التي تشارك بها الولايات المتحدة الأمريكية، لكن المطلوب من أجل تخفيف الضغط أن تصر على أمرين وهما: فتح معبر رفح، وإلغاء القيود على التحويلات المالية من غزة وإليها.
إنني أحذر بشدة من قبول المعايير المطروحة الآن لمساعدة غزة في إعادة الإعمار، وأخشى أن يكون الإعمار مصيدة جديدة للمقاومة وللشغب الفلسطيني، ولنا في التاريخ عبرة كثيرة.
اختراق غزة من خلال إعادة الإعمار!!
بقلم : بروفيسور عبد الستار قاسم ... 12.10.2014