مرّت معمعة انتخابات الكنيست الاسرائيلي حاملة امال البعض وطموحات اخرين بالتغيير من داخل اروقته وعبر منبره, غير ان الواقع غير ذلك تماما لدى اخرين ممّن لا يبنون شيئا على المشاركة في برلمان كيان غني عن التعريف في تاريخ الشعب الفلسطيني, بل والامتين العربية والاسلامية.
اليوم ,بعد تخطي هذه المرحلة, حري بقيادة الداخل الفلسطيني ومفكّريه بخاصة ممّن يرفضون المشاركة في الكنيست الاسرائيلي وخوض معركة الوجود من على منبره, رسم خارطة طريق لمستقبل فلسطينيي الداخل ,أي وضع بديل منطقي وموضوعي يمكّنه خدمة اكثر من مليون ونصف فلسطيني, يعيشون حالة من التمييز والعنصريّة والتهميش, الى جانب اكثريّة يهوديّة متحكّمة بكل مفاصل الحياة بأنواعها في هذا الكيان.
البديل عبّر عنه البعض في اكثر من مناسبة ,ومن خلال اكثر من دراسة ومقال من ابناء الداخل الفلسطيني, سواء على مستوى شخصيات قياديّة ,واخرين مفكّرين وباحثين. البديل المطروح يتمثّل في تطوير لجنة المتابعة بتأسيس ادارة ذاتيّة في الداخل الفلسطيني , اقل من حكم ذاتي واعلى من ادارة ثقافيّة, من خلال وضع استراتيجيّة مدروسة تشمل كافة متطلّبات هكذا مشروع وجوانبه المختلفة, بحيث تشمل القضايا المركزيّة التالية(انظر التصور الكامل للمشروع للكاتب في مجلة شؤون دولية):
اولا: تشكيل برلمان, او مجلس استشاري للفلسطينيين العرب في الداخل ,عبر اجراء انتخابات عامة في صفوف فلسطينيي الداخل, وفق اليّة يتم التفاهم عليها بين مختلف مكوّنات واطياف المجتمع العربي في الداخل.
ثانيا: انتخاب رئيس لسلطة الادارة الذاتيّة بشكل مباشر ايضا (او من بين اعضاء البرلمان او المجلس المشار اليه اعلاه).
ثالثا: تشكيل لجان مختصّة من اعضاء البرلمان او المجلس الاستشاري, تشرف على طرح ومتابعة وتنفيذ ما يقرّه البرلمان او المجلس الاستشاري, والعلاقة مع السلطات الاسرائيلية والدوائر ذات الاهتمام في الوزارات المختلفة.
رابعا: وضع منهاج تعليمي تربوي خاص بفلسطينيي الداخل, يقوم على التركيز على موضوعي الهويّة والانتماء في المقرّرات ذات العلاقة, من خلال وضع اليّة مدروسة بالتفاهم مع الجهات الاسرائيلية الرسمية, على ان تبقى مساقات التعليم العلمية التجريبية كما هي, وما يطلق عليها ايضا المواضيع الاساسيّة.
خامسا: تشكيل مجلس تنفيذي مصغّر ,توكل اليه مهام متابعة ومراقبة عمل اللجان, وشؤون العلاقات الخارجيّة مع العالم, والجهات الرسميّة الاسرائيليّة.
صحيح ان مشروعا كهذا ليس سهلا ككتابته ونشره عبر وسائل الاعلام, غير ان المشوار عادة يبدأ بخطوة واحدة كما يقولون, لأنه سيواجه معوقات كثيرة, بخاصة على المستوى الرسمي الاسرائيلي الذي سيقيّمه اصحاب القرار في تل ابيب على انه يمثّل خطوة على طريق الانفصال عنه, غير ان واقعه عكس ذلك اذ ان الامر لا يعدو كونه اداريا بحتا, وسيبقى سقفه الكيان الاسرائيلي ,وما المشروع الا محاولة لإراحة الطرف الاسرائيلي من ادارة شؤون المجتمع العربي, والمحافظة على خصوصيّته.
ومن التحديات الاخرى للمشروع الجانب المالي, اذ ان مشروعا كهذا بحاجة لميزانيات, اما حلّ هذه الاشكاليّة فهو الاستفادة من عائدات الضرائب التي يدفعها فلسطينيو الداخل, بحيث يتم التفاهم مع الجهات الرسمية باستعادتها, أي ان تحوّل لصندوق سلطة الادارة الذاتيّة, ومن ثم صرفها على شكل خدمات للمجتمع العربي, لكن من واجبات رئيس الادارة والمجلس التنفيذي بناء علاقات خارجيّة ,والبحث عن مصادر تمويل كشبكة امان ماليّة بما لا يتعارض مع القانون الاسرائيلي. وفيما يتعلّق بالسلطات المحلية العربيّة ,يفضّل ان تبقى تتلقى دعمها المالي المعتاد من الداخليّة الاسرائيلية او مصادر تمويلها الاخرى, بحيث تصرف هذه الاموال وما تجبيه السلطات المحلية من اموال على شكل خدمات للمواطنين, مع وجود لجنة تنسيق بين السلطات المحلية ولجنة مختصّة منبثقة عن الادارة.
واخيرا, هذا تصوّر اولي لمشروع الادارة الذاتيّة المقترحة ,ربما يكون خارطة طريق نحو التفكير الجدي والعملي في اتجاه بلورة تصوّر ما قابل للتنفيذ, مدروس بشكل عميق ,يأخذ في عين الاعتبار كل مركّبات, واشكاليات ,وعوائق هذا الطرح وعلى راسها طرق ووسائل واليات اقناع الطرف الاسرائيلي به, وازالة كل مخاوفه وهواجسه من هكذا مشروع.
سيحافظ المشروع بلا شك على خصوصيّة المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل, ويمنع ذوبانه في المجتمع الاخر, ويحافظ على هويّته وانتمائه لوطنه وشعبه وامّته.
لجنة المتابعة ومشروع الادارة الذاتيّة في الداخل الفلسطيني
بقلم : د. ابراهيم ابو جابر ... 07.04.2015