شئنا أم أبينا فقد تحول موقف الآخر من المسلم وموقف المسلم من الآخر إلى قضية تطرح بإلحاح، ولا يكاد يمر يوم حتى تنشر وسائل الإعلام خبرا عن هذه العلاقة التي صار يميزها التوتر في أكثر من بلد ومكان في العالم، خصوصا في أوروبا بعد موجــــات الهجرة الأخيرة، وفي أمريكا، وفي فلسطين منذ احــــتلالها والصراع في كل المجالات بين المحتل وبين القابع تحت الاحتلال.
قبل يومين أثيرت زوبعة في الإعلام الإسرائيلي حول إعلان عضو كنيست صهيوني من حزب البيت اليهودي كانت زوجته تنجب في أحد مستشفيات القدس الغربية، أنه لا يريد لزوجته أن تلد ابنهما «هذه اللحظة المقدسة»، على يد قابلة عربية تعمل في المستشفى، ولا يريد لابنه المولود الجديد ولا لزوجته أن يقيما في الغرفة نفسها التي يرقد فيها والدات ومولودون عرب، وعلل ذلك بأنه لا يريد لطفله البريء أن يكون في غرفة واحدة مع الطفل المسلم، الذي سيصبح «مخربًا» بعد عشرين سنة ويطعن ابنه.
أثيرت ضجة وحملة استنكار رسمية لأقواله، على الأقل أمام العالم، إلا أن لهذا التوجه العنصري قاعدة شعبية قوية، جذورها ممتدة إلى دستور الدولة، التي تفضّل اليهودي على غيره، وإلى مناهج التعليم التي تعظّم من شأن اليهودي وتاريخه وحقه في أرض فلسطين كلها، مقابل تشويه العربي والمسلم والتقليل من شأنه وإخفاء مساهمة حضارته للبشرية، هنا يختلف الأمر عن أوروبا وأمريكا، هنا الآخر (العربي) هو العدو الذي يريدون اقتلاعه واحتلال بلاده، لهذا لا بد من تحطيمه وإظهار عجزه ودونيته أمام الصهيوني حتى في لحظة خروجه من رحم والدته. لهذا يحتاج الطفل العربي خصوصا داخل مناطق 48 إلى دعم كبير ليتغلب على السموم «الدستورية»، وما يبث في كتب التعليم الصهيونية المفروضة عليه، وهنا يلعب المثقف الفلسطيني والمدرّس في المدرسة ولجنة متابعة قضايا التعليم العربي والنشاطات اللامنهجية دورا كبيرا وحاسما. وهذا جزء من الصراع على الوطن كله.
في النمسا أثيرت ضجة لأن إحدى المدارس سمحت لطالبين مسلمين بعدم مصافحة معلمة (حسب قناعتهم الدينية)، كذلك نشرت وسائل الإعلام نقاشا حول لباس السباحة «الشرعي»الذي صار يظهر في بعض العواصم الأوروبية. هذا إضافة لحملة (ترامب) الجمهوري التي تعتمد على التحريض ضد المُسلمين، وفوق كل هذا تحريض أنظمة العار العربي على الإسلام من خلال اختزال ثورات الشعوب، وإظهار «داعش» هو الثورات، والثورات هي «داعش»، كما فعل الأسد ونظامه.
محاولات نبذ المسلم بسبب معتقده وعاداته اليومية خلال الاحتكاك المباشر بالآخر تجعله يقف أمام ثلاثة خيارات، أولا أن يتصرف تجاه الخارج بما يرضي الآخر، أي غير المسلم، ولكنه قد يتحول إلى متشدد داخل بيته، كردة فعل لاضطهاده لنفسه خارج البيت، وهذا يعني أن يعيش حالة اغتراب مستديمة، عواقبها وخيمة، أو ثانيا، أن يكون متصالحا مع نفسه داخل وخارج بيته، فيقبل الآخر ويتقبله الآخر بقناعاتهما.
وثالثا، أن يتبنى ثقافة وعادات ومفاهيم المحيط الجديد وينصهر فيه، وهذا خطر كبير على الأجيال القادمة بأن يفقدوا لغة آبائهم وأجدادهم وتراثهم وخصوصيتهم ويفقدوا علاقتهم بجذورهم. ليس من حق أحد أن يطلب من المسلم أو غير المسلم أن يتنازل عن ثقافته وهويته الدينية أو العرقية أو غيرها من خصوصيات، يولد الناس عليها، كي يكون مقبولا وجميلا في عيون الآخرين! وممنوع أن يُدفعوا بهذا الاتجاه، كأن يطلب منهم أن يكونوا «ضيوفا» مؤدبين في البلاد التي لجأوا إليها، ويقصد هنا بالضيف المؤدب، أن يتصرف كما يُحب الآخر أن يراه، و»من لا يعجبه فليعد إلى وطنه». وهذا ظلم مضاعف، صحيح أن دولا وشعوبا استقبلته وتُشكر على ذلك، ولكن هذا لا يعني أن يتنازل عن قيمه لإرضاء «مضيفيه»، وإلا فقدت هذه «الضيافة» جوهرها، وأصبحت استغلالا، وسرقة للموارد البشرية المقبلة، فهذا الوافد هرب من الاستبداد والخوف من القتل الجسدي في وطنه ليس لأجل القبول باستبداد وقتل روحي (كما يراه هو)، بل من واجب الدولة التي يقيم بها وصار يشكل فيها أقلية دينية أو قومية، أن تهتم بتعليمه أصوله وتراثه وثقافته وديانته، وأن تعرّف الشعب الأصلي ( المضيف) بالجانب الجميل منها، وليس من منطلق العطف فقط، بل من منطلق الاحترام أوّلا.
ثقافة التسامح تسير باتجاهين، فما تراه حضاريا ومعاصرا بمنظورك أنت، قد يبدو من زاوية أخرى رجعيا وبائسا، وما تراه قيمة عليا، يراه غيرُك انحلالا أو غباءً أو انغلاقا، ولهذا فالتسامح الحقيقي يكون عندما تنظر بعطف واحترام بالذات إلى المختلف بقناعاته عنك، وليس فقط لمن يلتقي معك بفكره وقناعاته. وهذا يمضي باتجاهين، يعني ليس من حق المسلم أن يدخل مسبحا في بلد أوروبي ثم يطلب من سيدة كاشفة لصدرها أن تستره لأنه برفقة ابنه المراهق! ولكن من حقه طرح رأيه في قضية كهذه خلال حوار في ندوة فكرية أو مقالة صحافية أو من خلال نقاش مهذب متبادل مع الناس. ومن هذا المنطق أيضا فوصف وزيرة فرنسية للمتحجبات بـ»مدمنات العبودية» غير ديمقراطي، وفيه استعلاء مرفوض، فاللباس ليس جوهرا، وهناك عاريات مستعبدات جنسيا ويتاجر بهن في طول وعرض الكرة الأرضية!
من حق إدارة مسبح عام في أوروبا، أن تمنع السباحة (بالجلابية)، وهذا لا يعتبر عنصرية، فأنت لا تستطيع أن تفرض ثقافة السباحة بـ(الجلابية) في مسبح أوروبي. لهذا أبدعت دور الأزياء، حلا وسطا (ومربحا)، وهو السباحة بالمايوه (الشرعي) لمن لا يردن الظهور بالمايوه العادي، علما يا سيدي أنه أكثر إثارة من البيكيني.
طبعا هناك أوروبيون يؤمنون حقا بالتعددية، وهم باعتقادي أكثرية في بعض الدول، وهذا في دساتير بلادهم، يرون في الآخر المسلم العربي أو غيره من الوافدين رافدا ثقافيا يلوّن الحياة في بلادهم ويقوّيها، ولهذا الوافد حقوقه في معرفة تاريخه واحترام خصوصيته، هؤلاء يبحثون عن ما هو جميل ومفيد لدى هذا الآخر في حاضره وماضيه، أما بالنسبة للصهاينة والتعامل المتبادل معهم، فتلك قصة أخرى، لأنها قصة صراع على الوطن برمته.
المسلمون في مواجهة المختلف!!
بقلم : سهيل كيوان ... 07.04.2016
٭ كاتب فلسطيني